قضايا
خليل حمد: وثيقة استراتيجية تؤسس لمرحلة جديدة من "الدبلوماسية الثقافية واللغوية"
في أفريقيا جنوب الصحراء.. قراءة تحليلية في البيان الختامي للمؤتمر الدولي للغة العربية بالكاميرون
مدخل: يتشكل المشهد اللغوي في القارة الإفريقية كفضاء سيميائي معقد، تتداخل فيه الأبعاد الهوياتية بالرهانات الجيوسياسية. وفي هذا السياق، لم تعد اللغة العربية في إفريقيا مجرد وعاء للطقوس، بل تحولت إلى ركيزة أساسية في مشروع النهوض الحضاري للقارة.
يأتي هذا البحث ليتناول بالتحليل المنهجي مخرجات المؤتمر الدولي الأول للغة العربية بجامعة في الكاميرون (ديسمبر 2025)، بوصفه لحظة فارقة دشنت انتقال اللغة العربية من "الحيز الوجداني" إلى "المجال الاستراتيجي".
إن الوثيقة الختامية لهذا المؤتمر لا تقف عند حدود التوصيات الأكاديمية التقليدية، بل تمثل "مانيفستو حضاري" يسعى لفك الارتباط بين العربية والارتهان التاريخي للغات الاستعمارية، مكرسةً مفهوم "العربية التنموية". ومن هنا، تسعى هذه الورقة إلى تفكيك المسارات التي رسمها المؤتمر، بدءاً من رقمنة المخطوطات (الأدب العجمي) وصولاً إلى مأسسة اللغة في النظم التعليمية، وذلك لاستشراف دور العربية كأداة للدبلوماسية الثقافية والتكامل الإفريقي في أفق العقد القادم."
أساسيات البحث
لإضفاء الصبغة العلمية على ورقتك، يجب إدراج العناصر التالية عقب المقدمة مباشرة:
1. مشكلة البحث
تكمن المشكلة في وجود فجوة بين القيمة التاريخية للغة العربية في إفريقيا جنوب الصحراء وبين واقعها المؤسسي والقانوني المعاصر. ويسعى البحث للإجابة على التساؤل الرئيس: كيف يمكن لمخرجات مؤتمر نغاوندري 2025 أن تشكل خارطة طريق لتمكين اللغة العربية مؤسساتياً وتنموياً في القارة؟
2. أهداف البحث
تأصيل القيمة: تبيان التحول النوعي في وظيفة اللغة العربية من "لغة تعبد" إلى "لغة تنمية واقتصاد معرفي".
تحليل المسارات: استعراض الآليات العملية (أكاديمياً وسياسياً) لتنفيذ توصيات المؤتمر.
استشراف المستقبل: وضع تصور لدور الشراكات الدولية في تعزيز حضور العربية في الفضاء الإفريقي.
3. منهجية البحث
المنهج التحليل الوصفي: لتحليل بنية البيان الختامي للمؤتمر وتفكيك مضامينه.
المنهج الاستشرافي: لمحاولة قراءة مآلات تطبيق هذه التوصيات على المدى المتوسط والبعيد.
4. أهمية البحث
تستمد الدراسة أهميتها من كونها تواكب حدثاً علمياً آنياً (مؤتمر 2025)، وتقدم إطاراً نظرياً لصناع القرار في المؤسسات التعليمية والدبلوماسية لإعادة دمج العربية في النسيج الرسمي للدول الإفريقية.
المحور الأول: التعليق العلمي (أنسنة البحث العلمي وإحياء التراث العجمي).
يمثل "إعلان المؤتمر الدولي للغة العربية بالكاميرون" خارطة طريق عملية لتمكين اللغة العربية كرافعة للتنمية والأمن السلمي في القارة السمراء، مما يجعل جامعة نغاوندري قطباً أكاديمياً ريادياً في قيادة هذا التحول الحضاري.
وثيقة استراتيجية تؤسس لمرحلة جديدة من "الدبلوماسية الثقافية واللغوية" في القارة الإفريقية:
تُعد مخرجات مؤتمر جامعة نغاوندري بالكاميرون (ديسمبر 2025) وثيقة استراتيجية تؤسس لمرحلة جديدة من "الدبلوماسية الثقافية واللغوية" في القارة الإفريقية. فيما يلي تعليق علمي وقراءة تحليلية استشرافية لهذا البيان:
أولًا: التعليق العلمي (القيمة الأكاديمية والحضارية)
- يأتي هذا البيان ليعيد الاعتبار للغة العربية ليس بوصفها "لغة وافدة"، بل كجزء أصيل من النسيج الهوياتي لإفريقيا جنوب الصحراء.
- التحول من "اللغة التعبدية" إلى "اللغة التنموية": ركز البيان على ربط العربية بالتنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي، وهو انتقال ذكي يخرج اللغة من حيز الدراسات اللاهوتية أو التاريخية الضيقة إلى رحاب العلوم الاجتماعية والاقتصادية.
- أنسنة البحث العلمي: دعوة المؤتمر إلى "التجرد المعرفي" وتجنب القراءات الطائفية تعكس وعيًا عميقًا بالتحديات السوسيولوجية في إفريقيا، حيث يسعى المؤتمر لتقديم العربية كأداة "سلم اجتماعي" وتواصل حضاري عابر للاختلافات العرقية والدينية.
- السيادة المعرفية: الحث على جمع وتحقيق المخطوطات الإفريقية المكتوبة بالعربية (العجمي وغيره) يمثل خطوة نحو استعادة "السيادة المعرفية" لإفريقيا، وتصحيح السردية التاريخية حول إسهام القارة في الحضارة الإنسانية.
ثانياً: القراءة التحليلية الاستشرافية:
بناءً على توصيات وقرارات مؤتمر "نغاوندري 2025"، يمكن استشراف المسارات التالية:
1. مؤسسة التعاون "الأكاديمي-الإفريقي" (الشبكة العلمية):
يُتوقع أن يؤدي قرار إنشاء "شبكة علمية إفريقية" إلى كسر العزلة بين الباحثين في دول الساحل وغرب إفريقيا مع نظرائهم في شمال إفريقيا والعالم العربي. استشرافياً، قد تتحول هذه الشبكة إلى "مرصد إفريقي للغة العربية" يشرف على معايير الجودة في المناهج التعليمية وتوحيد المصطلحات.
2. التحول الرقمي والتراث المخطوط:
- التوصية بجمع التراث العلمي ستدفع نحو مشاريع "الرقمنة الشاملة". نتوقع في السنوات الخمس القادمة ظهور منصات رقمية كبرى.
- تتيح المخطوطات العربية الإفريقية للباحثين حول العالم، مما سيفجر ثورة في "الدراسات البينية".
3. تعريب "التنمية" والوساطة الثقافية:
من خلال التأكيد على دور العربية في الإعلام والاقتصاد، يتجه الاستشراف نحو ظهور جيل من المهنيين الأفارقة (دبلوماسيين، تقنيين، ورجال أعمال) يستخدمون العربية كـ "لغة عمل".
4. التعددية اللغوية كصمام أمان:
القراءة التحليلية تشير إلى أن المؤتمر يتبنى نموذج "التعدد اللغوي المتناغم". العربية هنا لا تصادم اللغات المحلية، بل تتكامل معها (مثل السواحيلية، الهوسا، والولوف). هذا التوجه سيقلل من حدة الصراعات الهوياتية ويخلق فضاءً ثقافياً مشتركاً يدعم "ثقافة التعايش" التي دعا إليها البيان.
ثالثًا: متطلبات التنفيذ (خارطة طريق)
لتحويل هذه التوصيات إلى واقع ملموس، يتطلب الأمر:
- تفعيل "اللجنة العلمية للمتابعة": لضمان عدم بقاء التوصيات حبيسة الأدراج، وربطها بجداول زمنية وميزانيات محددة.
- الشراكات الدولية: الانفتاح على الجامعات العربية المرموقة لتمويل كراسي علمية متخصصة في "الأدب العربي الإفريقي" بجامعة نغاوندري.
- الاستثمار في الترجمة: إطلاق حركة ترجمة واسعة من العربية إلى اللغات المحلية الإفريقية وبالعكس، لتعزيز التفاعل الثقافي الحي.
المحور الثاني: القراءة الاستشرافية
القرارات الختامية:
أولاً: التعليق العلمي (القيمة الأكاديمية والمؤسسية)
- تجاوزت قرارات مؤتمر نغاوندري 2025 الإطار التقليدي للمؤتمرات العلمية التي تنتهي بانتهاء جلساتها، لتنتقل إلى "مأسسة الفعل الثقافي العربي" في الكاميرون والمنطقة، ويتجلى ذلك في:
- الاستدامة الدورية: تحويل المؤتمر إلى "تقليد علمي دوري" ينفي صفة الموسمية عن الجهود الأكاديمية، ويضمن تراكم الخبرات البحثية بين الجامعات الإفريقية.
- المرجعية الوثائقية: اعتماد "بيان نغاوندري" كمرجعية علمية يحول مخرجات المؤتمر من مجرد توصيات إلى "وثيقة سياسات لغوية" يمكن الاحتجاج بها في المحافل الأكاديمية والدولية.
- آلية التنفيذ: تشكيل لجنة علمية للمتابعة يعكس إدراكاً عميقاً بضرورة الربط بين البحث العلمي والواقع التطبيقي، لضمان عدم بقاء التوصيات حبيسة الأدراج.
ثانياً: القراءة التحليلية الاستشرافية (آفاق المستقبل)
تستشرف هذه القرارات مستقبلاً واعداً للغة العربية في القارة الإفريقية، يمكن قراءته عبر المسارات التالية:
1. مسار القيادة الأكاديمية (التناوب الجامعي):
إن إقرار مبدأ "التناوب مع جامعات إفريقية أخرى" يستشرف تشكيل "شبكة أكاديمية إفريقية للغة العربية". هذا التوجه سيؤدي إلى تذويب العزلة بين الأقسام العلمية في دول الجوار (مثل تشاد، نيجيريا، والنيجر)، مما يعزز من مكانة جامعة نغاوندري كقطب إشعاع حضاري في عمق القارة.
2. مسار التمكين والشرعنة (الرفع للجهات الرسمية):
استشرافياً، تهدف هذه الخطوة إلى إدماج اللغة العربية بشكل أعمق في المنظومات التعليمية والسياسية بصفة العربية "لغة تنمية وتعايش" لا لغة طقوس دينية فحسب. هذا سيفتح الباب مستقبلاً أمام اعترافات رسمية أوسع بالشهادات الجامعية العربية وتوظيف خريجيها في سلك الدبلوماسية والإدارة.
3. مسار الهوية والوعي المجتمعي (الدور الإعلامي):
التركيز على وسائل الإعلام يشير إلى استراتيجية "تطبيع" وجود اللغة العربية في الفضاء العام الإفريقي. التوقع المستقبلي هنا هو كسر الصورة النمطية للعربية، وتقديمها كأداة للتواصل الحضاري والبحث العلمي الحديث، مما يزيد من إقبال الأجيال الشابة (غير الناطقة بها أصلاً) على تعلمها.
4. مسار السلم الاجتماعي (ثقافة التعايش):
ربط اللغة العربية بقيم "التعايش السلمي والتنمية" في البيان الختامي هو قراءة استباقية للتحديات الأمنية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء.
إن العربية هنا تُطرح كـ "لغة وسيطة" قادرة على تعزيز الحوار وتفنيد خطابات الغلو، مما يجعل استقرار المنطقة مرتبطة جزئياً بتمكين لغة الحوار والحضارة.
***
د. خليل حمد الأزهري - مدينة ماروا-الكاميرون






