قضايا
مراد غريبي: الإصلاح الديني.. بين قلق الواقع ورهانات المستقبل
مدخل: في صيف عام 1990، شهدت الجزائر العاصمة أول لقاء استشرافي حول مستقبل الإسلام، جمع نخبة من العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بينهم علماء ومفكرين من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والشيخ محمد الغزالي، والدكتور حسن الترابي، والمفكر المستقبلي المهدي المنجرة . والدكتور عبد الوهاب المسيري، خرج المجتمعون بإجماع تاريخي مفاده أن الإسلام وصل إلى أسوأ درجة من التقهقر لأن المسلمين ابتعدوا عن الاجتهاد والتجديد وسجنوا أنفسهم في ماضٍ دون الانفتاح على المستقبل. ومنذ ذلك اللقاء التأسيسي، توالت المؤتمرات والندوات عبر العقود، من ندوة فاس 2001 حول "المشروع النهضوي العربي"، إلى مؤتمر تجديد الخطاب الديني بأبوظبي 2011، مروراً بـندوة تونس 2012 حول "الإصلاح الديني بعد الربيع العربي"، وصولاً إلى المؤتمر الدولي للدراسات الإسلامية بالشارقة 2025، الذي أكد على ضرورة تجديد الفكر الإسلامي لمواجهة تحديات العصر.
هذا المسار التاريخي يؤكد أن قضية الإصلاح الديني في العالم العربي والإسلامي ستظل إحدى القضايا الفكرية المحورية التي شهدت زخماً ملحوظاً في النقاشات المعاصرة، لا سيما في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية المتسارعة التي يعاني منها المسلمون اليوم. حيث ولدت هذه التحولات تحديات حقيقية ترتبط بإعادة النظر والتطوير للخطاب الديني حتى يصبح أكثر انفتاحاً وتحليلاً واستجابة للواقع المعاصر، كما رسمت إشكاليات معرفية تتعلق بكيفية تعامل الفقهاء والمفكرين مع التراث الإسلامي في مواجهة المتغيرات الحديثة.
هذه الورقة هدفها الرئيسي الكشف عن المقتضيات التي تفرضها عملية الإصلاح الديني، وتفتح نقاشاً معمقاً حيال رهاناتها النظرية والعملية عبر الإشارة لخطابات ومقاربات فكرية رصينة تبلورت في تجارب الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، مستلهمة من إسهامات رواد الإصلاح أمثال مالك بن نبي، محمد عابد الجابري، محمد أركون، ماجد الغرباوي، يحيى محمد، المهدي المنجرة، عبد الوهاب المسيري وغيرهم من المفكرين الذين أسسوا لمشاريع إصلاحية عميقة. وذلك بوصفه مساراً يرنو إلى الإسهام في بناء خطاب إسلامي نقدي تنويري يستجيب لنداءات العصر، ويقدم آليات مواجهة التطرف، وتعزيز ثقافة المواطنة والتعددية.
أولاً: مقتضيات الإصلاح الديني
- القراءة النقدية الديناميكية للتراث
تبدأ مقتضيات الإصلاح بضرورة إحداث قطيعة ذهنية مع الجمود الفكري الذي فرضته قراءات تقليدية متحجرة للنصوص الدينية. وهنا يبرز دور المنهج النقدي في إعادة قراءة التراث الإسلامي بأدوات معرفية حديثة تراعي السياق التاريخي والاجتماعي الذي أُنتجت فيه الاجتهادات الفقهية، دون المساس بثوابت الدين الأساسية.
يرى طه عبد الرحمن أن الأخلاق تشكل جوهر الفهم الإسلامي ويجب أن تلعب دوراً محورياً في التأويل، بحيث ترتبط الأحكام الشرعية بالظروف المجتمعية الواقعية¹. وفي السياق ذاته، أسس محمد عابد الجابري منهجاً نقدياً لتحليل التراث الفكري العربي، وطرح جدلية العقل والتاريخ في مقاربة نقدية تهدف إلى تحرير العقل الإسلامي من القيود التي فرضها الجمود². أما محمد أركون فقدم مفهوماً ثورياً للإسلاميات التطبيقية، يفسح المجال أمام إعادة تفسير النصوص الدينية ضمن إطار فكري منفتح³.
وفي هذا المضمار، قدم المفكر الجزائري مالك بن نبي رؤية حضارية شاملة للإصلاح، ركز فيها على مفهوم "القابلية للاستعمار" و"شروط النهضة"، معتبراً أن الإصلاح الديني يجب أن يرتبط بمشروع حضاري متكامل يعالج الإنسان والتراب والوقت كعناصر أساسية للتقدم⁴. كما طرح حسن حنفي مشروع "التراث والتجديد"، داعياً إلى قراءة نقدية للتراث من منظور يساري تقدمي يربط بين الفكر والواقع الاجتماعي⁵. وفي نفس السياق، أسهم محمد عمارة في التأصيل للتيار الوسطي الإصلاحي، مؤكداً على ضرورة التمسك بثوابت الدين مع الانفتاح على المتغيرات العصرية⁶.
أما المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي فقد دعا إلى تحديث العلوم الإسلامية وإخضاع التراث للمناهج النقدية الحديثة، مميزاً بين "إسلام الرسالة" و"إسلام التاريخ"⁷. وفي الاتجاه ذاته، قدم هشام جعيط دراسات تاريخية نقدية حول السيرة النبوية ونشأة الإسلام، مستخدماً مناهج البحث التاريخي الحديث⁸. كما ساهم المفكر الجزائري عبد الله شريط في الدفاع عن التجديد الإسلامي من منظور جزائري أصيل، مركزاً على قضايا الاجتهاد والعقلانية⁹.
ومن جانب آخر، عمل كمال أبو المجد على التوفيق بين الإسلام والمواطنة، مؤكداً على أهمية الحرية والحقوق في الفكر الإسلامي المعاصر¹⁰. بينما قدم عبد العزيز الحبابي مقاربة شخصانية إسلامية تجمع بين الفلسفة الغربية والقيم الإسلامية¹¹. أما زكي الميلاد فقد ركز على قضايا التجديد الثقافي والحضاري في العالم الإسلامي، داعياً إلى بناء مشروع نهضوي جديد¹².
وفي العراق، برز المفكر الأستاذ ماجد الغرباوي كأحد أهم المفكرين المعاصرين الذين تناولوا قضايا الإصلاح الديني بجرأة، حيث دعا إلى إعادة تأسيس الخطاب الديني على قواعد عقلانية، ونقد الفهم التقليدي للنصوص، مع التأكيد على الحاجة إلى فقه جديد يراعي المقاصد والسياقات المعاصرة¹³. كما قدم المفكر العراقي يحيى محمد إسهامات مهمة في مجال فلسفة الفهم الديني، داعياً إلى تطبيق مناهج العلوم الإنسانية في دراسة النصوص الدينية، ومشددا على ضرورة التمييز بين النص المقدس والفهم البشري له¹⁴.
- المواطنة والتعددية
يُعد مفهوم المواطنة من أبرز المحاور التي يجب أن يتناولها الإصلاح الديني بعناية فائقة، إذ تمثل المواطنة الإطار القانوني والسياسي الذي يضمن حقوق جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية. وقد أبدى كل من الأستاذ ماجد الغرباوي والدكتور كمال أبو المجد مع غيرهم من المفكرين والعلماء التنويريين، اهتماماً خاصاً بتعزيز حقوق الإنسان والمواطنة، مجددين النظر في العلاقة بين الشريعة والدولة، ومؤكدين أن الفصل الواضح بينهما يُهيئ الأرضية اللازمة للعيش المشترك والتعددية السياسية والدينية والمدنية¹⁵.
وفي هذا الإطار، ساهم كمال أبو المجد في تأصيل مفهوم المواطنة من منظور إسلامي، مؤكداً على أن الإسلام يحترم التنوع ويدعو إلى المساواة في الحقوق والواجبات¹⁶. كما عمل ماجد الغرباوي على تفكيك الخطابات الطائفية والإقصائية، داعياً إلى بناء مجتمع مدني يقوم على المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية¹⁷.
تتطلب هذه الرؤية تأسيس منظومة حقوق المواطنة التي تحصر الدين في نطاق الاختصاصات الروحية والفردية، وتحمي الحقوق الإنسانية والقانونية لجميع مواطني الدولة. وهذا يقتضي بدوره إعادة النظر في كثير من الاجتهادات الفقهية التقليدية التي تميز بين المواطنين على أساس ديني، وتبني خطاب يعترف بالتعددية كواقع لا يمكن إنكاره، بل كقيمة إنسانية يجب احترامها وحمايتها قانونياً.
- محنة الدين بين التوظيف السياسي والجمود المؤسساتي
على الرغم من الخطابات الإصلاحية القائمة على الحوار، تواجه حركة الإصلاح تحديات ضخمة على صعيد السياسة والمؤسسات والمجتمعات. فمن جهة أولى، لا يزال استغلال الدين لأهداف سياسية قائماً، وكثرة الخطابات الانغلاقية تمنع تحول الإصلاح إلى واقع ملموس. حيث ينبه الدكتور رضوان السيد إلى أن الدين قد يُساء استخدامه في النزاعات الأيديولوجية والطائفية التي تعمق الفرقة بين المجتمعات، وتقوض فرص الحوار والتعايش¹⁸.
ولقد حذر مالك بن نبي منذ عقود من خطر الجمود الفكري والتبعية الثقافية، مؤكداً أن الإصلاح الحقيقي يتطلب إرادة حضارية تغير من البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية¹⁹. كما أشار يحيى محمد إلى أن الفهم التقليدي للنصوص الدينية يشكل عائقاً أمام التطور، داعياً إلى تبني مناهج نقدية تحررية في التعامل مع التراث²⁰.
ويطرح البروفسور المنجرة سيناريوهين لمستقبل العالم العربي والإسلامي. أما السيناريو الثاني، فهو حسب المهدي المنجرة سيناريو الإصلاح، ويمكن لهذا السيناريو أن ينجح بنسبة قليلة وذلك رهين بسرعة الإصلاح واحتواء الأوضاع، كما يضيف في كتابه أن المشكلة التي تواجه هذا السيناريو تكمن في عدم وجود قوة سياسية في أي بلد عربي قادرة على تقديم برنامج تغيير عن طريق الإصلاح.
هذا التشخيص يكشف عن رهان صعب: الإصلاح ممكن لكنه مشروط بالسرعة في التنفيذ، وبوجود إرادة سياسية حقيقية قادرة على قيادة عملية التغيير. غياب هذين الشرطين يجعل من سيناريو الإصلاح احتمالاً ضعيفاً، ويفتح الباب أمام سيناريوهات أخرى أكثر عنفاً وفوضى.21
ومن زاوية أخرى، يواجه الإصلاح محدودية في البنية التحتية التعليمية والبحثية التي تدعم الاجتهاد والتفكير النقدي. فالمؤسسات الدينية والأكاديمية في كثير من البلدان العربية لا توفر بيئة ملائمة للمناقشة العلمية، ما يحد من قدرة النخب الثقافية الإسلامية على إنتاج خطاب تفكيكي ومدني تنويري. كما أن غياب التواصل الفعال مع المجتمع المدني، خاصة الشباب، يقلص أثر المبادرات الفكرية، مما يعكس فجوة بين الفكر والإجماع الشعبي22
- البعد الحضاري والفلسفي للإصلاح
لا يمكن فصل الإصلاح الديني عن السياق الحضاري العام الذي يعيشه المسلمون. فقد أكد مالك بن نبي على أن أي إصلاح ديني يجب أن يكون جزءاً من مشروع حضاري شامل يعالج الأزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية²3. وفي نفس الاتجاه، دعا عبد العزيز الحبابي إلى بناء فلسفة شخصانية إسلامية تحترم الإنسان وكرامته وحريته، وتجعله محور التنمية والإصلاح24.
بينما يؤكد الغرباوي على ضرورة تحرير العقل من بنيته الأسطورية وإعادة فهم الدين على أساس مركزية الإنسان في الخطاب الديني. فهو يرى أن القرآن الكريم "وضع فاصلاً بين مرحلتي الأساطير والوحي الإلهي، في ضوء الإطار العام للكتاب القائم على وحدانية الخالق، كما استعاد إنسانية الناس التي سلبتها أساطير الأولين". هذه المقاربة تجعل من الإنسان محور الخطاب الديني وغايته، وليس مجرد تابع خاضع لسلطة النص دون فهم أو تدبر. في كتابه "إشكاليات التجديد"، يقدم الغرباوي إشارات مكثفة لمعالم عدد من المشاريع الإصلاحية المضادة للاستبداد، ولمحات سريعة لبعض إشكاليات التجديد ضمن تلك المشاريع. يؤكد أن التجديد ضرورة أفرزتها مرونة الشريعة واستعدادها للبقاء إلى جنب الإنسان في تحولاته الجذرية ومنعطفاته الحادة". وينتقد الموقف السلبي من التجديد، مشدداً على أننا "بحاجة ماسة لمراجعة ثوابتنا ومقولاتنا وتراثنا وفكرنا وثقافتنا.
ويحدد الأستاذ يحيى محمد نوعين من العقل يتوجب حضورهما في المشروع الإصلاح:
- العقل البعدي: القائم على دراسة الوقائع والتزود بنتائجه
- العقل الوجداني البديهي: القائم على المبادئ العقلية الأولية
ويؤكد أن "العقل المطلوب هو ذلك المحدد بالنظام الواقعي، أو بجعل الواقع أساس التفكير والتكوين المعرفي بعد البديهيات العقلية والمنطقية.
كما ركز زكي الميلاد على أهمية البعد الثقافي والحضاري في عملية الإصلاح، مؤكداً أن التجديد الثقافي هو المدخل الأساسي لأي نهضة إسلامية معاصرة25.
أما حسن حنفي فقد ربط الإصلاح الديني بالتحرر الاجتماعي والسياسي، معتبراً أن التجديد الديني يجب أن يخدم قضايا العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستبداد26.
وفي المجال الفلسفي، قدم هشام جعيط دراسات معمقة حول تاريخ الفكر الإسلامي، مستخدماً مناهج نقدية تاريخية تساعد على فهم السياقات التي تشكلت فيها العقائد والمذاهب الإسلامية27. بينما عمل عبد المجيد الشرفي على تطبيق المناهج النقدية الحديثة في دراسة القرآن والحديث، داعياً إلى تحرير الفكر الإسلامي من القراءات الحرفية والتقليدية28.
ثانيا: رهانات المستقبل
في ضوء ما تقدم، فإن مستقبل الإصلاح الديني يعتمد على مدى قدرة النخب الدينية والفكرية على ترسيخ منهج شامل يدمج بين روح النص وروح العصر، ويعزز قيم الاعتدال والمواطنة والتعايش، بينما ينأى بالدين عن كل استغلال. ويمكن تصور آفاق إصلاحية تستند إلى:
- إشاعة ثقافة العقل والاجتهاد: عبر تحديث مناهج التعليم الديني والإسلامي، وإدماج العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتمكين العلماء الشباب من استخدام أدوات البحث النقدي لمعالجة قضايا الواقع، كما دعا إليه مالك بن نبي ويحيى محمد وماجد الغرباوي.
- فصل الدين عن السياسة: إذ يمثل الفصل بين الدين والسلطة شرطاً للموضوعية والاستقلالية، وتيسير الحوار المجتمعي، بل وحماية الدين من الاستغلال السياسي وتحويله إلى أداة نزاع، كما أكد المفكر الإسلامي الدكتور كمال أبو المجد.
- تعزيز ثقافة المواطنة والتعددية: من خلال خطاب ديني يعبر عن احترام حق الآخر والاختلاف، وتنفيذ برامج توعية تشجع على التنوع الثقافي والديني كقيمة إنسانية، كما دعا إليه الدكتور محمد عمارة والدكتور زكي الميلاد.
- التفعيل الجاد لوسائل الإعلام: تطوير إعلام معتدل متوازن، يستهدف الشباب ويقود حوارات نقدية وحضارية، مع صقل مهارات الاستخدام الأمثل للتواصل الرقمي.
- دمج الشباب والنساء في حقل الإصلاح وضمان تمثيلهم كمحركين للتغيير، لما لهما من دور محوري في الإنتاج الفكري والثقافي.
نحو مشروع إصلاحي متكامل
المستقبل يوحي بملامح مشروع إصلاحي استراتيجي يمكن أن يُطلق عليه عنوان: "نحو إصلاح ديني وتنوير ثقافي في العالم العربي"، تكون رهاناته الاستراتيجية كالتالي:
1. الرهان الأول: تجديد الخطاب الديني
تشكيل لجان علمية متخصصة تضم مفكرين ودعاة وعلماء من مختلف المذاهب والتوجهات المعتدلة، يستلهمون من إسهامات بن نبي والجابري وأركون والغرباوي وغيرهم. إصدار سلسلة من المؤلفات والدراسات التنويرية التي تستند إلى مقاصد الشريعة ومبادئ حقوق الإنسان. تنظيم مؤتمرات وورشات دورية للحوار بين مختلف التيارات الفكرية لبناء أرضية ثقافية مشتركة مرنة في التعامل مع التحديات.
2. الرهان الثاني: البرامج التعليمية والتدريبية
تطوير مناهج دراسية حديثة تجمع بين التراث والعلوم المعاصرة في إطار مقاصدي وحقوقي، مستفيدة من رؤى حسن حنفي والشرفي وجعيط.
إطلاق دورات تدريبية للشباب والنساء تركز على بناء قدراتهم النقدية والفكرية، معتمدة على منهجية يحيى محمد في فلسفة الفهم الديني.
إنشاء منح دراسية للباحثين الشباب في مجال الدراسات الإسلامية المعاصرة.
3. الرهان الثالث: الحوار المجتمعي
تنظيم حلقات نقاشية وورش عمل متخصصة تجمع الفئات المختلفة من المجتمع.
إطلاق مبادرات مدنية تروج لقيم المواطنة السليمة والتعايش السلمي، مستلهمة من أفكار كمال أبو المجد وعبد الله شريط، وبناء شراكات مع مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز ثقافة الحوار.
الرهان الرابع: البعد الحضاري والثقافي
تبني المشروع الحضاري الشامل والمتكامل الذي دعا إليه مالك بن نبي، والذي يربط الإصلاح الديني بالتنمية الشاملة، مع تعزيز البعد الثقافي والتجديد الحضاري والتعارف كما طرحه زكي الميلاد، عبر دمج الرؤية الشخصانية الإسلامية لعبد العزيز الحبابي في برامج التنمية البشرية.
الرهان الخامس: الإعلام والتواصل
تطوير محتوى إعلامي معتدل ومتجدد عبر منصات رقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، يستلهم من الخطاب الوسطي لمحمد عمارة وماجد الغرباوي وزكي الميلاد.
إنتاج برامج وثائقية ومواد إعلامية تعليمية تستهدف الجمهور الواسع.
تدريب كوادر إعلامية متخصصة في الخطاب الديني المعتدل.
الرهان السادس: الشراكات والتعاون المؤسسي
بناء شراكات مع مؤسسات أكاديمية محلية وعالمية لتعزيز البحث العلمي.
التعاون مع منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان والحوار بين الأديان.
إنشاء شبكة من المراكز البحثية المتخصصة في الإصلاح الديني عبر العالم العربي.
يتركز نجاح الإصلاح الديني على قدرة الفاعلين السياسيين والثقافيين والدينيين على تجاوز التقسيمات السياسية والإيديولوجية، وتحويل الخطاب إلى فعل حضاري يرتكز على الاعتدال، والتفتح، وحقوق الإنسان. كون الإصلاح الديني ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة حضارية ملحة لمواجهة تحديات التطرف والانقسام والتخلف.
لقد قدم المفكرون المسلمون المعاصرون، من مالك بن نبي إلى محمد أركون، ومن المهدي المنجرة إلى ماجد الغرباوي، ومن عبد المجيد الشرفي إلى يحيى محمد، ومن محمد عمارة وعبد الله شريط إلى زكي الميلاد، رؤى غنية ومتنوعة للإصلاح الديني، تتكامل فيما بينها لتشكل خارطة طريق واضحة نحو تجديد الخطاب الإسلامي. ويتطلب هذا الإصلاح تضافر جهود المفكرين والباحثين والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني، لبناء خطاب تنويري إسلامي يوازن بين الأصالة والمعاصرة، ويؤسس لمجتمعات تقوم على قيم الحرية والاختلاف والمواطنة والحوار والتعارف والتسامح والتعايش..
***
بقلم: أ. مراد غريبي
.........................
الهوامش
1. طه عبد الرحمن، الأبعاد الأخلاقية للدرس المقاصدي المعاصر، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2020، ص. 62.
2. محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي: تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة العاشرة، 2009، ص. 102.
3. محمد أركون، الفكر الإسلامي: قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1996، ص. 179.
4. مالك بن نبي، شروط النهضة، دار الفكر، دمشق، 2000، ص. 73.
5. حسن حنفي، التراث والتجديد، دار التنوير، بيروت، 1981، ص. 120
6. محمد عمارة، الإسلام والمستقبل، دار الشروق، القاهرة، 2012، ص. 105.
7. عبد المجيد الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، دار الطليعة، بيروت، 2001، ص. 125.
8. هشام جعيط، الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، دار الطليعة، بيروت، 1989، ص. 87.
9. عبد الله شريط، مدخل إلى فلسفة العلوم، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1982، ص. 67.
10. كمال أبو المجد، رؤية إسلامية معاصرة: إعلان مبادئ، دار الشروق، القاهرة، 1991، ص. 112.
11. عبد العزيز الحبابي، من الحريات إلى التحرر، دار المعارف، القاهرة، 1974، ص. 89.
12. زكي الميلاد، التجديد والتراث والاجتهاد: دراسات في الفكر الإسلامي المعاصر، دار الصحوة، القاهرة، 2015، ص. 135.
13. ماجد الغرباوي، الهوية والفعل الحضاري، مؤسسة المثقف ودار امل الجديدة، بيروت، 2018، ص. 99
14. يحيى محمد، فلسفة الفهم الديني، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2017، ص. 156.
15. عبد الله أحمد النعيم، الإسلام وعلمانية الدولة: الشريعة والقانون والسياسة، ترجمة مجدي عبد الجواد، دار هنداوي، القاهرة، 2019، ص. 15.
16. كمال أبو المجد، الحرية والإسلام، مجلة المسلم المعاصر، العدد 78، بيروت، 1995، ص. 36.
17. ماجد الغرباوي، تحرير الوعي الديني، مؤسسة المثقف العربي، سيدني، 2020، ص. 212.
18. رضوان السيد، أزمنة التغيير: الدين والدولة والإسلام السياسي، دار الشروق، بيروت، 2018، ص. 201.
19. مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دار الفكر، دمشق، 2002، ص. 77.
20. يحيى محمد، مدخل إلى فهم الإسلام، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2015، ص. 92.
21. عولمة العولمة، المنجرة المهدي، ص 72.
22. تقرير حول التحديات الفكرية والاجتماعية للشباب في العالم الإسلامي، مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 45، بيروت، 2023، ص. 75.
23. مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، دار الفكر، دمشق، 2000، ص. 146.
24. عبد العزيز الحبابي، الشخصانية الإسلامية، دار المعارف، القاهرة، 1969، ص. 78.
25. زكي الميلاد، التحديث والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2012، ص. 167.
26. حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، دار التنوير، بيروت، 1988، ج1، ص. 236.
27. هشام جعيط، في السيرة النبوية: الوحي والقرآن والنبوة، دار الطليعة، بيروت، 1999، ص. 112.
28. عبد المجيد الشرفي، لبنات: في التجديد الديني والفكري، دار الطليعة، بيروت، 2005، ص. 89.






