قضايا
أنور ساطع أصفري: ثقافة إحياء الفكر النقدي عند الطفل

ثقافة إحياء الفكر النقدي عند الطفل هي عملية تعني مساعدة الطفل كي ينمو عنده الفكر النقدي الأولي البسيط، وبنفس الوقت هي عبارة عن مهارة فعالة تساعد الطفل في مسيرته الحياتية.
الشيء المعتاد عند الطفل أنّه عبارة عن متلقي ليس إلاّ، إن كان في المنزل أو في المدرسة، بمعنى يُطلب منه أن يفعل هذا الشيء أو لا يفعل ذاك الشيء، ومن ثُمّ عليه التنفيذ.
الطفل يتعوّد على الحفظ، وما يُلقّنه إياه المُدرّس، أو ما يُلقّنه الأهل في المنزل.
كل هذه الخطوات التي تحدّثنا عنها هي النقيض الفعلي للفكر النقدي عند الطفل.
لذا علينا أن نعلّم الطفل منذ الصغر العديد من المهارات والعديد من الجوانب التي تتضمّن عنصر الإبداع والعمليات الذهنية عند الطفل.
كما علينا أن نعلّم الطفل كي يسأل حينما يُطلب منه تنفيذ هذا الشيء أم عدم تنفيذه، وأن يقول لماذا؟. وكيف؟ ومتى؟.
بمعنى أن نجعله يتعوّد على تحليل بسيط لما هو بين يديه، وأن نشجعه كي يرفض أحياناً.
ليتمكّن من إيجاد احتمالات ما، تساعده في تدعيم رأيه والفكر لديه ، وهذه العملية ستجعله يتمكّن مبكراً على إستخدام الفكر والمنطق والنقد.
مهمة؟إحياء الفكر النقدي عند الطفل هي من مهمة الأهل في المقام الأول. ويستطيع الأهل أن يفتعلوا مشكلة صغيرة ما، ومن ثُمّ يعتمدوا على الطفل ليحلّ لهم المشكلة من خلال تشجيعه والإعتماد عليه، وتحريض مهاراته ليُمارس التحليل، وتتوالد عنده الأفكار، وينشط عنده العقل، والعقل النقدي.
بهدف أن يعرف أسباب المشكلة المحتملة، ولتتولّد عنده بعض الحلول المعتدلة والمنطقية، والتي بالتالي تنشط حالة الإبداع الفكري لديه.
لقد قال عالم النفس والفيلسوف الأمريكي 1859-1952- JOHN DEWEY حول هذا التفكير النقدي، حيث عرّفه على أنه " دراسة نشطة ومستمرة ودقيقة لاعتقاد أو شكل مُفترض من المعرفة، حيث أنه ينطوي على إخضاع الأفكار - إخضاعاً نشطاً للتدقيق النقدي بدلاً من قبولها قبولاً سلبياً ".
من خلال هذه الثقافة نستطيع أن نعلّم أطفالنا على تطوير مهاراتهم، والتفكير بشكلٍ منطقي وسليم، وبهذه الحالة يبدأ الطفل بتوجيه أسئلته الصحيحة والسليمة بدلاً من اللغو ومجرد الكلام ليس إلاّ، وبالتالي يبدأ الطفل بتحليل الأشياء، كلّ الأشياء، والبحث في أسبابها وبدائلها ونتائجها.
التفكير النقدي يُعتبر من المهارات الأساسية في الحياة، لسببٍ وجيه وبسيط، لأنه يعلمنا كيف نستخدم الأسلوب المنطقي لحل معظم المشاكل التي تواجهنا، وهو هام جداً بالنسبة للكتلة الدماغية عند الطفل، حيث تساعده على تطوير المعرفة لديه، كما تسمح له هذه المهارات الضرورية بفهم اسلوب وكيفية صنع الأشياء والحاجات في العالم الحقيقي بعيداً عن العبث، وبالتالي التوصّل إلى أفكار خلاّقة وفي غاية الإبداع.
إن وقوفنا إلى جانب الطفل يمنحه القدرة الكافية على التفكير بكل حرية واستقلال، ومقاومة الضغط أيّاً كان مصدره، وتكوين رؤيتهم الخاصة بهم، والثقة بما يفكرون به، وخاصة عندما يُطلب منهم القيام بتصرفات معينة لا يرغبون القيام بها، وفق المنطق والتفكير الحر الذي يتمتعون به.
وبنفس الوقت يشعرون بالمتعة وبثقة كافية والإعتماد على العلوم التي يتلقونها في دور التعليم.
إن عدم الاستقرار داخل العائلة، وبروز ضيق الأفق أو العاطفة الهشّة، كل هذه الأمور وسواها يمكن أن تعرقل مسيرة التفكير النقدي عند الطفل الذي يعتمد على حقائق بسيطة أو غير دقيقة أحياناً، فنحن نرتكب المزيد من أخطاء غير منطقية عندما ننظر إلى المحيط أو العالم من خلال عواطفنا وأفكارنا غير العقلانية، وتحيّزنا إلى هذا الجانب أو ذاك.
نحن متفقون بأن التفكير النقدي عند الطفل هو جزء مهم، ومن خلال هذا الإتفاق نتساءل، لماذا لا تقوم المدارس على تعليم الأطفال المهارات بمجملها والحيوية منها؟، نعم نستطيع أن نقول بأنهم يحاولون، لكنهم لا يتمكّنون من ذلك، أو لا يستطيعون على أداء هذه المهمة لسببٍ وجيه وبسيط، لأن التفكير النقدي عند الطفل يحتاج إلى إدراك ومعرفة جذرية بالموضوع المطروح، وبالتالي تطبيق المنطق، ومع الأسف لا توجد طريقة أو منهاج معيّن لتعليم المعرفة بشكلٍ عام، والعميقة بمفهومها، حيث؟ أن التفكير النقدي عند الطفل لا ينتقل بسهولة من موضوع أو من مجال إلى آخر.
نحن ندرك أنه ليس من السهولة بمكان تدريس التفكير النقدي للأطفال، ولكن الآباء يستطيعون القيام بذلك ومساعدة أطفالهم من خلال تكوين عقلية التفكير النقدي، وفسح المجال أمام الطفل لتنمية رغباته في البحث عن المعرفة بشكلٍ أعمق بهدف حلّ مشكلة ما في حياتنا اليومية الواقعية، لأن الخطوة الأساسية هي تعليم الطفل كيف تتم عملية التفكير السامية في أي موقف يتطلب إتخاذ القرار المناسب بكل مهارة.
إن التفكير النقدي لا يقتصر على طرح تساؤلات غير محددة، لذا علينا أن نعي هذا الجانب كي نستطيع أن نأخذ بيد الطفل بكل مهارة ليصل إلى بر الأمان.
وأن نأخذ بعين الإعتبار التساؤلات عند الأطفال، التي غالباً ما تكون مرهقة بالنسبة للأهل، ويضطرون إلى القول في نهاية المطاف " هذا ما يفترض أن يكون ".
ولكن تعليم الطفل السبب، يكون الخطوة الحاسمة في تنمية ثقافة التفكير النقدي عند الطفل.
وعندما نقوم بهذه المهمة مبكراً، حينها سيتمكّن الطفل من طرح الأسئلة المختلفة بصيغة منطقية، ومن خلال تفكير سليم وأدلّة موضوعية.
وبهذه الحال سيكبر الأطفال وهم واثقون من قدراتهم، وبنفس الوقت يُشكّكون في الافتراضات أو الاحتمالات، والتفكير بالمنطق وبالفعل، بعيداً عن العواطف السلبية.
علينا أن نشرح لهم قدر الإمكان رغم أنهم صغار السن، ونؤكّد لهم ونشجّعهم، ونقول لهم نعم سؤالك جيد، وعلينا أن نتوصّل إلى إجابة منطقية.
كما لا بُدّ لنا إلاّ أن نبتعد عن اسلوب تعليم الأطفال الطاعة العمياء، بدون فهم أو إدراك، فهذا يسبب لهم الإحباط والتراجع في تنمية قدرات الفكر النقدي لديه.
طبعاً الآباء يطلبون من الأبناء الطاعة العمياء من أجل مصلحتهم والحفاظ عليهم، لكن علينا بنفس الوقت توضيح أسباب رغباتنا، دون أن نقول لهم " أنا قلت ذلك، وعليك أن تُنفّذ "، فهذا المنطق يلعب دوراً سلبياً في تطوير مهارات التفكير الإيجابي عند الطفل ويُعيق مسيرتها، لأن الطفل يحتاج فعلاً إلى معرفة سبب التفكير بايجابية واستقلالية، ومن ثُمّ الوصول إلى أحكامٍ سليمة.
عندما نستخدم المنطق مع الأطفال والتفكير المنطقي وشرح ما نطلب منهم، فإن ذلك يُمارس دوراً إيجابياً ومهماً في الانضباط الاستقرائي، الذي يُعتبر أفضل طريقة للتأديب والتربية بعيداً عن العنف والقوة والعقاب.
وبهذه الحالة تتضاءل المشاكل السلوكية عند الأطفال، وتنتظم العاطفة أكثر، وتتوضّح مهارات أكثر، عندما يتعلمون التفكير النقدي.
إن التفكير النقدي هو بمثابة تحليل منطقي ونقدي لأي فكرة، عوضاً عن أي استجابةٍ عاطفية، أو ذاتية الفهم، حيث أن التفكير النقدي هو أساساً بمثابة أن يكون الإنسان على استعداد فعلي لتحدي ذاته وتحدي آرائه، من خلال معلوماتٍ وآراء مختلفة، لذا عليك أن تسمح لأطفالك أن يتوجّهوا بتساؤلاتهم، وبالتالي مناقشة شرعية ما تقول، بهدف إحياء الفضول الفكري لديهم والمهارات التحليلية.
إن التفكير غير المغلق والمرن أو السلس عند التعامل مع أي مشكلة طارئة، هو أمر ضروري في ثقافة التفكير النقدي، وبذلك نعلم أطفالنا أن يكونوا منفتحين من خلال وجهات نظرهم المختلفة أو البديلة لحل أي مشكلة، وجميل أن نشجع الأطفال على حلّ أي مشكلة بطرقٍ جديدة ومختلفة من خلال ترابط الأفكار، فهذه هي بمثابة الابداع والمهارة والابتكار.
ولعلّنا نؤكّد في نهاية المطاف أن التفكير النقدي ليس مهماً للأطفال وحسب، بل أيضاً للكبار، حيث أن تعليم الأطفال كيفية التفكير المنطقي لا يكفي، لأننا نحن أيضاً بحاجةٍ إلى تعلّم اسلوب هذه المهارة المبدعة والثمينة والأساسية في التربية، كما أن التفكير التأملي هو أيضاً من أساسيات الحد من التربية السيئة.
***
د. أنور ساطع أصفري