قضايا

عصمت نصّار: تجديد البنية المعرفية وتحديث مقرراتها الدراسية

استكمالًا للمشروع الذي عرضنا جانبًا منه في المقالة السابقة؛ ها نحن نكمل ما بدأناه:

(٦) العمل على إعداد مصفوفة واحدة للمقررات الدراسية (في مرحلة الليسانس، أي ما قبل الدراسات العليا)، تشتمل على المباحث الرئيسة والمعارف الفرعية للبنية الفلسفية، على نحو يسهل تطبيقها في كل الجامعات، وتتيح في الوقت نفسه الحرية لكل قسم من الأقسام المعنية بنسبة 20% من كل المقررات الدراسية في الفرق الأربعة بالحذف والإضافة؛ حتي يتناسب المحتوى الأكاديمي مع الأقسام الأخرى ليسهل تكاملها من جهة، وتوافقها مع الخطة البحثية للجامعة التي تنتمي إليها من جهة ثانية، وما يميز وجهة القسم في ابتكار وتحديث وإضافة ما يراه من مقررات أو موضوعات ملحقة بالمعارف الأساسية من جهة ثالثة. أضف إلى ذلك تيسير عملية نقل الطلاب من جامعة إلى أخرى، ومن قسم مناظر إلى آخر، في إطار القواعد المعمول بها في انتقال الطلاب. مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالمحتوى العلمي بالمقرر الدراسي الوارد في لائحة القسم، على ألا يسمح للقائم على تدريس المقرر بالإضافة أو الحذف إلا بعد استشارة الأستاذ المتخصص الذي يبلغ بدوره أستاذ الكرسي، الأمر الذي يمكننا من معالجة العديد من السلبيات القائمة فيما نطلق عليه (الكتاب المقرر).

(7) تحديث وتطوير الخطاب الشارح الذي يجريه الأستاذ القائم بالتدريس مع طلابه على نحو يجعله أقرب للحوار الفلسفي في التعقيب والنقد والمعالجة، ثم حث الطلاب على نقد الخطاب المرسل وما يحويه من آراء، وذلك لتعويدهم على منهجية التثاقف وآداب التناظر وعقلانية والجدل والمحاجاة.

(٨) تخصيص آلية للتواصل مع المعنيين بالبحث الفلسفي؛ وذلك بتطوير وتحديث موقع الجمعية الفلسفية كي يتثنى له القيام بأربع مهام:

أولها: تبادل الخبرات مع المراكز البحثية العربية والعالمية ذات الصلة بالبحث الفلسفي للتنسيق والتشاور حول القضايا المشتركة.

وثانيها: التواصل مع جمهور المثقفين بمختلف مستوياتهم للإجابة عن استفساراتهم التي تخص الحكمة العقلية، وكيفية الاستفادة منها في شئونهم اليومية.

وثالثها: التحاور مع قادة الرأي حول القضايا التي تشغل المجتمع لتوضيح الرؤية الفلسفية والحلول المنطقية للأزمات وتحليل أثر القرارات السيادية قبل تفعليها، والخطط الاستراتيجية والتكتيكية قبل تطبيقها، وذلك ليتثنى للقيادات التعرف على إحدى الرؤى العقلية التي لا ينبغي استبعادها من مشهد التحاور والتشاور حول قضايا الرأي العام.

ورابعها: المشاركة في وضع الضوابط الأخلاقية والذوقية لحماية الهويّة والمشخصات الثقافية من جهة، والدفاع عن حرية الرأي والبوح والنقد والاعتراض والفكر والاعتقاد بالقدر الذي لا يعود بالضرر على الأمن العام والسلم الاجتماعي، والأغيار الغرباء في المجتمع من جهة أخرى. 

(٩) ابتداع مقررات دراسية معاصرة لخدمة احتياجات المجتمع والبحث العلمي والتصدي للمشكلات الحياتية، وذلك في المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية، على أن تتسم هذه المقررات بالطابع العلمي والعملي، لتقوم بضبط منهجية أذهان الطلاب وتهذيب قيمهم والارتقاء بأذواقهم، وتدريبهم على الابتكار وتحديث مهاراتهم، وتنمية روح الولاء والانتماء في وجدانهم وسلوكهم، وترغيبهم في النظر العقلي ليتثنى لهم الانتقال من طور الاستيعاب إلى طور الابداع، والمناهج التي تمكنهم من الوقوف على حقائق الأمور الملتبسة والأخبار المشوشة.

ذلك فضلًا عن فتح مجالات أوسع للمباحث الفلسفية الفرعية. التي تمكن دارسي الفلسفة من المشاركة في منظومة المعارف المتكاملة (المقررات البينية).

ويساهم هذا التوجه في حل أزمة الفلسفة، ويثري تواجدها في المنظومة التعليمية التي نحن بصددها.

ثالثًا: أهم البرامج والمقررات الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة

أ) المرحلة الإعدادية أو ما قبل البكالوريا:

مادة مبادئ الأخلاق وعلم الجمال (الفرقة الثانية إعدادي).

وتسهم في ضبط سلوك الطالب وأخلاقياته في هذه المرحلة السنية، والارتقاء بذوقه وحسه الفني والجمالي، وتوجيه وجدانه وجهة روحية بعيدة عن اللذات المادية والرغبات النفعية، وتعينه على التفرقة بين (الحرية والجموح والهمجية). (والفضائل اللزومية والالتزام بالواجبات)، (والأثرة والإيثار). (والأنانية والمنفعة العامة) (والاعتزاز بالكرامة الشخصية والعذر والتسامح). (والتدين والتعصب).

مادة الولاء والانتماء (الفرقة الثالثة إعدادي):

وتعمل على تأصيل مفهوم الوطنية واحترام المشخصات الثقافية السائدة، والعزوف عن التقليد الأعمى والابتعاد عن العادات الجامحة والتعصب والأجتراء على الثوابت التي تحمي الفرد والمجتمع من الشطط والانحراف. 

ب. المرحلة الثانوية

مادة الهوية المصرية والمشخصات الحضارية (الفرقة الأولي في المرحلة الثانوية)

وهذه المادة تعمل على توسيع مدركات الطالب، وتحديد ميوله ووجهته، وتمكنه من إدراك المعاني والمفاهيم للعلاقات المتشابكة، وتبصره بالحلقات المتداخلة؛ مثل (الهوية والغيرية، والاغتراب والاستغراب)، (والوطنية والقومية والوحدة الإنسانية) والفارق بين (الميول والأهواء والمعتقدات)، (والمشاركة الحسبية وعضوية الجماعات والمنتديات والانتساب إلى الهيئات)، (والشيفونية والراديكالية والفوضوية والإباحية)... وغيرها.

مادة آداب الحوار وأخلاقيات التناظر (الفرقة الثانية في المرحلة الثانوية)

وترمي إلى تدريب ذهن الطالب على التمييز بين المصطلحات والمفاهيم التالية:

(تقديم التحليل على النقض في الحوار)، (وغربلة الأفكار قبل قبولها في التوجه والحكم)، (والتفرقة بين الكبر والإكبار في المثاقفة والتصاول)، (والتبعية والموافقة في النصح والتوجيه)، والتمييز بين (الانتقاد والقدح والتبذل في التهكم في المخالفة)، (والمداهنة والرياء والمداراة والمجاراة، والعزوف عن الغلو في المدح والاستحسان في التأييد).

مادة مناهج البحث وخصائص التفكير الفلسفي (الفرقة الثالثة في المرحلة الثانوية أدبي)

مادة المنطق الرمزي والذكاء الاصطناعي (الفرقة الثالثة علمي رياضة علمي رياضة)، مادة فلسفة العلوم والبيئة (الفرقة الثالثة علمي علوم).

مادة القيم التطبيقية وأخلاقيات المهنة (الفرقة الثالثة ثانوي صناعي).

مادة الفن والإبداع (الفرقة الثالثة الثانوية المعمارية).

مادة فلسفة الرياضيات ومنطق متعدد القيم (الفرقة الثالثة الثانوية التجارية).

ذلك بالإضافة إلى استحداث مقرر الأخلاق الإنسانية، والمقاصد الإلهية، وذلك عوضًا عن التربية الدينية للمنتمين للإسلام والمسيحية، على أن تشتمل بنية المقرر على فضائل الأخلاق :(الحب والحياء)، (والصدق والتعاون)، (والرحمة والأمانة)، (والسلم والتسامح). والحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والعقل والعدالة والحرية. وذلك لحماية المجتمع من الفتن الطائفية، والتأكيد على مشخصات الهوية الواحدة، والحد من ظاهرة الإلحاد، والشطط والشطح العقدي، والاجتراء على المقدسات.

ج. المرحلة الجامعية:

ضرورة الاهتمام بمراجعة المقررات الفلسفية ومحتوياتها المعرفية الأتية:

الفصل بين (الفلسفة الحديثة والفلسفة المعاصرة)، (وفلسفة الشرق القديم، وفلسفة الأسطورة والخرافة)، (وفلسفة النقض، ونهج قراءة القراءة)، (وفلسفة الثقافة، وفلسفة التربية) (وفلسفة الدين، وفلسفة اللاهوت وعلم مقارنة الأديان)، (وعلم الجمال وفلسفة الفن)، (وتاريخ الفلسفة، وعلم تاريخ الأفكار)، والتمييز بين (فلسفة الأخلاق، وفلسفة القيم، والأخلاق التطبيقية).

(التصوف الملي -التصوف الإسلامي والرهبنة والحسيدية-، التصوف الفلسفي، الرياضات الروحية والتصوف العملي -الفيوسفوية)، (فلسفة اللذة، وفلسفة المتعة الغريزية)، وذلك لتباين بنية تلك المعارف والمناهج التي تعالج قضاياها.

وجوب استحداث هذه المقررات لمواكبة الدراسات الفلسفية المعاصرة الاتية:

فلسفة الاستشراق والتغريب، وذلك لدراسة دوائر الاستشراق المختلفة، وتجنب الخلط بين الاستشراق السياسي، والاستشراق العقدي، والاستشراق العلمي، والنظريات والملل العقدية المعاصرة، مثل ما بعد الدين، ونظرية الدين الإبراهيمي ووحدة الأديان، والدين السائل، ونظرية الناسخ والمنسوخ المعاصرة، والديانة المارمونية (الصهو أمريكية)، وأبعاد نظرية المؤامرة وعلاقتها بالحروب المعاصرة.

(فلسفة الكذب وحرافية التزييف الإلكتروني)، (فلسفة الحرب الإلكترونية، وتفكيك المجتمعات، وخرق الثوابت الدينية والأخلاقية)، (فلسفة اللعب والطفل والعصف الذهني)، (فلسفة التأويل والإحالات: الإشارية- الرمزية المشفرة- الدلالية)، (فلسفة الروح والعوالم المتوازية والكائنات الغيبية)، (كمياء الفكر وتحليل بنية الأيديولوجيات)، (فلسفة التأمل والفيوسوفية العلمية، والروحية الحديثة)، (فلسفة المستقبل واستشراف الما بعديات)، (فلسفة الإلحاد النظري والتطبيقي)، (فلسفة الضحك والملهاه والكوميديا الراقية).

على أن تفعل هذه المقررات والمعارف المستحدثة في تطوير المناهج الدراسية، أو في الدبلومات المهنية أو توظيفها في المقررات المتكاملة (البينية)، علمًا أن جميع هذه الإضافات المعرفية لها مرجعيات فلسفية، يسهل مطالعتها في الدوائر البحثية والموسوعات المتخصصة.

تلك كانت أهم الموضوعات التي طرحتها في ندوة الجمعية الفلسفية –التي أشرت إليها سلفا في الشهر الماضي-، آملا منكم وضعها على مائدة التثاقف والتحاور، واستخلاص منها ما عساه يصلح أن يكون دافعا لنا لمخاطبة قادة الرأي فينا، للعدول عن ذلك التبديد الذي ينعته بعض المتشدقين والمتعالمين بالتجديد، وما أكثر القرارات المتعجلة التي تحمل بين طياتها كوارث وأزمات؛ أرجو ألا تكون عاجلة، وويل لمن يجهل فن اقتفاء الأثر، ويعجز عن فهم ما جاء في العبر وديوان المبتدأ والخبر.

وليس للحديث بقية في هذا المختبر

***

أ. د. عصمت نصار

 

في المثقف اليوم