قضايا
حيدر كريم: اثر البروباغندا في الفكر المعاصر

تُعدّ البروباغندا إحدى أبرز أدوات التأثير في الرأي العام، حيث تعتمد على توجيه المعلومات بأساليب مدروسة لتحقيق أهداف محددة.
وعلى الرغم من ارتباطها بحرية التعبير، إلا أنها تثير جدلاً واسعًا حول حدود استخدامها، خاصة عندما تتحول إلى وسيلة للتضليل أو التحكم في العقول.
في هذا المقال، سنتناول مفهوم البروباغندا، ونتتبع تأثيرها على المجتمعات، مع محاولة الإجابة على سؤال جوهري: هل البروباغندا شكل من أشكال الحرية، أم أنها نقيض لها؟
في عالم اليوم لا تكتفي البروباغندا بتقديم الأفكار، بل تتلبس عباءة الحرية لتروّج لما يخدم مصالحها. مستخدمة الراي العام كوسيلة وهكذا أصبحت الحرية واجهة لتمرير رسائل موجهة يصعب أحيانا تمييزها عن الحقيقة.
ولا يمكن ايقاف هذا البعبع - اي البروباغندا - الا بوضع القيود على مفهوم الحرية بحد ذاتها؛ فالقيد يضمن ازاحة الستار على الحرية وكشف ما يقبع ورائها، وتضييق الخناق على مستخدمي هذا المفهوم.
ففي خضم الثورة المعلوماتية والشبكة العنكبوتية؛ كُل المعلومات مباحة وسهلة الحصول عليها؛ لكن ليس كل المعلومات صحيحة ودقيقة؛ والإنسان ما أن يقرأ المعلومة اليوم نادرا ما ان يشكك بها ويذهب لتدقيقها، مما يتيح لها فرصة ذهبية لصنع ما تشاء من مفاهيم في عقول الناس.
انها الشيطان - اي البروباغندا
وويرى الدكتور حيدر عبد السادة جودة في مقال له على (جريدة الصباح العراقية) بعنوان (الحرية المفهوم العائم - العدد 6135 لسنة 2025) ان من الضرورة وضع القيود على مفهوم الحرية العائم فيجب أن تخضع لقيد؛ ويجب أن يكون القيد كما في مفهوم الفضيلة لدى ارسطو - الوسطية - وكما في الوسط الذهبي لكونفوشيوس فلا افراط ولا تفريط؛ فيجب سلب الحرية عن الحرية ذاتها لتلقين هذا المفهوم.
ويؤكد فيليب زيمباردو عالم النفس الشهير في كتابه ( تأثير الشيطان) على فاعلية ودور البروباغندا في أداء عملها حيث يقول : لا يقوم أصحاب النفوذ والسلطة عادة بتنفيذ الأعمال القذرة بأنفسهم، لكن - كسادة المافيا - يتركون الأعمال الكبيرة لمرؤوسيهم.
تخلق الانظمة هرميات للسيطرة بخط نفوذ واتصال نازل، ونادرا بالعكس.
عندما يرغب أحدا أفراد نخبة السلطة في تدمير دولة عدوً ما؛ فإنه يلجأ إلى خبراء - الدعاية - ليصنعوا خطة كراهية، ما المطلوب لجعل مواطني مجتمع ما يكرهون مواطني مجتمع آخر إلى الحد الذي يجعلهم راغبين في الانفصال عنهم أو في تعذيبهم بل وفي قتلهم؟ يتطلب الأمر مخيلة عدائية وبناء نفسيا مدمجا بعمق في عقولهم عن طريق الدعاية التي تحوّل هذا الآخر إلى العدو». هذه الصورة هي أكبر دافع للجندي الذي يذخر سلاحه الناري أول ما يذخره بالكراهية والخوف صورة العدو المخيف الذي يهدد سعادة الفرد ويهدد الأمن القومي للمجتمع، تدفع الآباء والأمهات إلى الزج بأبنائهم في أتون الحرب ودعم الحكومات في إعادة ترتيب الأولويات وتحويل أبسط الأدوات إلى آلات للقتل. كل هذا يتم إنجازه بالكلمات والصور، وبتصرف في أحد الأقوال المأثورة نقول:
قد تكسر العصي والحجارة عظامك، لكن التسميات يمكن أن تقتلك في بعض الأحيان.. تبدأ العملية بتنميط الآخر، تجريده من إنسانيته (حيونته)؛ فالآخر لا.
قيمة له، الآخر بالغ القوة الآخر شيطاني الآخر مطلق التوحش الآخر خطر رئيس يهدد قيمنا ومعتقداتنا الغالية، ومع تصاعد الرهاب العام واقتراب خطر العدو يتصرف
العقلانيون بلا عقل ويذعن أصحاب التفكير المستقل ويتصرف المسالمون كما لو كانوا محاربين، نجد صورا درامية للعدو على الملصقات وفي التلفاز وعلى أغلفة المجلات وفي الأفلام والإنترنت، حيث تغرس عميقاً مشاعر الخوف والكراهية في أعماق الدماغ.
و يشير الى عدة قرائن وابادات جماعية قد ارتكبت؛ فيقول اننا في- عصر القتل الجماعي -
فكما عمل هتلر على إبادة اليهود.
وكما قتل العثمانيون ١.٥ مليون من الارمن ويمر بالاتحاد السوفيتي وماو زيدونج لينتهي القول بصدام حسين.
أنها قوة طليقة قادرة على قلب الصالح طالح والعكس تماماً؛ انها قوة طليقة إن اساءنا استخدامها انقضّت علينا.
فالفعل الاجدر لا يقوم بنفيها بل تحييدها وتحييد دورها وفاعليتها قدر الإمكان، كما عبر عنها عبد السادة فلا افراط ولا تفريط.
***
حيدر كريم