قضايا

خالد اليماني: معنى أن نكون.. ولادة الأصالة من رحم السؤال

أن يُفكّر المرء لنفسه، وبنفسه، يعني أنه إنسان. إنسانٌ مُتحقّق الوجود! حتى وإن لم يُصِب الحقيقة في أيّ بحثٍ يقوم به أو تأمّلٍ عام. الإنسان من حيث هو كائنٌ مُفكّر، أو كما يقال "حيوان ناطق"؛ أي ينطق من منبع المنطق (Reason)، وهو بهذا يختلف كل الاختلاف عن باقي الدواب. وبالقدر الذي يكون به هذا امتيازًا أنطولوجياً لبني آدم، بقدر ما هو مسؤولية وجودية يحملها على عاتقه. وهذه المسؤولية، على وجه التحديد، هي التي تضفي على حياته قيمةً ومعنى. وبدونها، يأكله العدم الفكري والمعنوي.
ومِمّا هو طريفٌ وحزينٌ في الوقت نفسه، أن الإنسان يُفكّر على كل حال، ولكن أغلبنا – وللأسف – يُفكّر ضمن أحد خيارين: أما أن يُفكّر في أفكار القدماء، أفكارٌ قديمة الأثر، مولودةٌ من رحم سياقها التاريخي، ثم نُصّر على أنها لنا ولهم، ولكل زمانٍ ومكان.
ثانياً، أن يتبنّى أفكار من هم حوله.. أي يقبل الفكر الذي تسري عليه ثقافته، وبهذا يُعطل ملكاته العقلية، ثقةً منه بأن الناس من حوله، وفهم الثقافة لأي مسألة، بالضرورة، أعمق مما قد يأتي به من تفكُرٍ وتحليلٍ فردي. وبذلك، يكفُر بقيمة العقل، الذي من المفترض أن يتساءل ويشكّ في حقيقة أو جدوى المعتقدات السائدة وأساليب العيش، من حيث تماسكها المعرفي من جهة، ومشروعيتها الأخلاقية من الجهة الأخرى. ما قدر التسامح أو عدم التسامح الذي تنطوي عليه هذه الثقافة؟ من يستحق التسامح؟ كل هذه أسئلة فلسفية عميقة، تُعيد الإنسان إلى ذاته، وتُعرّفه بنفسه، وبالآخرين على حد سواء. لأن الإنسان هو الإنسان؛ أي أنه عبر التفكّر، والتأمل والتساؤل، سيصل إلى ما توصل إليه أيّ متأملٌ آخر؛ وكما يقول المثل الشعبي: "لا جديد تحت الشمس!"
أن يُفكر الإنسان لنفسه، يعني أن يُعيد النظر في كل شيء، في حقيقة كونه فاضلًا أم لا، ويختبر هذا، ويكون سلاحه في هذه الرحلة: الشكّ المنهجي الديكارتي، حتى يثبت عكس الفرضية. وبهذا، يتّسع الإنسان يومًا بعد يوم، حتى يُصبح أقرب إلى ذاته، وتكون له فلسفةٌ أصيلة، خاصةٌ به، تُعينه على أمر الدنيا وحقائقها.
ولا يحتاج الإنسان أن يكون فيلسوفًا أو عبقريًا حتى يتمكن من التفكير لنفسه والاعتماد على ملكاته العقلية. كُل ما يحتاجه المرء: سؤال وتأمل حول هذا السؤال. هكذا بدأ كل الفلاسفة: بالسؤال بـ"لماذا" قبل "كيف". لأن السبب هو الجوهر، و"الكيف" لا توصلك دائماً إلى الـ"لماذا". ولا فرادة إلا باستقلالٍ عقليّ، يضمن فيه الإنسان حقّه في العيش، والفهم، والكرامة.
***
خالد اليماني

في المثقف اليوم