قضايا

غالب المسعودي: الاحتباس الثقافي ودور السياق

سرمدية هي المسافات من العماء الأول الى الانتشار الزماني، من خلال الكلمة أيدينا تكتب وليس هناك فاصل بين عصر المدافن وعصر الانحطاط، تصورنا عن ماهية الاسبقيات ...! اللغة هل هي صوت ام كتابة...؟ هل كانت اللغة واحدة تكب بحروف مختلفة ام كانت هناك لغة السلطة ولغة العامة...؟ الكلمات لا تتطابق لكن اللغة تبقى تأويلية في الخطاب المنقول، كون البناء الفني للغة يحمل طاقة الغموض ويعلن تدخلاته في فضاء اللغة، يحترم استقلالية القارئ، بذلك يكون الاحتباس الثقافي ظاهرة يتم فيها تقييد الثقافة داخل حدود معينة، مما يؤثر على تطورها وتفاعلها مع ثقافات أخرى موازية. على الاغلب يكون الاحتباس ناتجًا عن عوامل اجتماعية، سياسية، أو اقتصادية، تُفرض قيود على التعبير الثقافي والفني تؤدي إلى طغيان ثقافة معينة على أخرى، مما يهدد التنوع الثقافي الذي بدوره يمنع التبادل الثقافي ويعزز الانغلاق وتنشا عنه سيادة ثقافية محددة، بالتالي عقدة بروكوست المستمدة من الأسطورة اليونانية، بروكوست كان يقوم بتعديل طول ضيوفه لتناسب سريره، سواء بتطويلهم أو بقطع أطرافهم ويعمل على إعادة الترتيب طبقا لمقارباته الخاصة ، هذا المفهوم يُستخدم للدلالة على التكييف القسري، حيث يُجبر الأفراد أو الثقافات على التكيف مع معايير أو أفكار محددة، مما يعوق التنوع والاختلاف ويؤدي إلى رفض الأفكار أو التوجهات الجديدة لمجرد أنها لا تتناسب مع المعايير السائدة ،هذا المفهوم يعكس الصراعات الثقافية والفكرية في المجتمعات ذات الثقافة المؤد لجة فكريا ،هذه المفاهيم تتطلب التفكير نقديا حول كيفية تعزيز الحوار الثقافي وتقبل الاختلافات، مما يسهم في تطوير المجتمع بشكل أكثر شمولية وحرية.
العوامل والأسباب
الرقابة والقمع، فرض قيود على حرية التعبير والإبداع، يمنع ظهور أفكار جديدة ،أنظمة الحكم التي تروج لفكر واحد تمنع التنوع، التعصب الديني أو القومي والتحامل ضد ثقافات أو ديانات أخرى، يؤدي إلى تهميشها ،فرض قيود على الممارسات الثقافية للأقليات تؤدي إلى طغيان ثقافة معينة على اخرى، مما يؤثر سلبًا على التنوع الثقافي، تحويل الثقافة إلى منتج تجاري تحت تأثير نظام التفاهة، مما يقلل من عمقها ومعناتها، نقص الوعي الثقافي النقدي يؤدي إلى عدم تقدير الثقافات الأخرى وفهمها، التعليم المحدود و عدم وجود فرص للتعليم الشامل ،التحيز الإعلامي يروج صور نمطية أو أحادية الجانب عن ثقافات معينة، مما يسهم في تعزيز الاحتباس، الرقابة على المحتوى ومنع نشر الأفكار أو الثقافات التي لا تتناسب مع قيم السلطة السائدة ،الصراعات والحروب تؤدي أيضا إلى تدمير التراث الثقافي وتعطيل التبادل الثقافي، كذلك النزوح القسري يمكن أن يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية. تتفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض، مما يؤدي إلى حدوث الاحتباس الثقافي ويؤثر على تطور المجتمعات.
عقدة بروكوست وتعددية الدلالة
عقدة بروكوست رمزيا تشير إلى فرض نموذج واحد أو معيار معين على الأفراد أو الثقافات، مما يؤدي إلى تقييد التنوع والاختلاف، السياق الثقافي يمكن أن يعني فرض أسلوب أو نوع معين من الكتابة على جميع الكتّاب ونمذجة النصوص، مما يحد من التعبير الأدبي. السيمائيات الكتابية التي تهتم بدراسة العلامات والدلالات في النصوص وتعددية الدلالة تشير إلى وجود تفسيرات ومعاني متعددة لنفس النص ، هذه التعددية تعكس كيف يمكن لنص واحد أن يُفهم بطرق مختلفة حسب خلفية القارئ، تجربته، وسياقه الثقافي ،عقدة بروكوست تعكس محاولة فرض نموذج أحادي على التفسير، بينما تعددية الدلالة تدعو إلى الاحتفاء بالتنوع والتعدد في الفهم والتفسير ،هذا يبرز أهمية تنوع الأصوات والأساليب الأدبية في تعزيز الفهم الثقافي.
توسيع الأفق الثقافي
من خلال التفاعل مع النصوص متعددة الدلالات، يمكن للقارئ أو الكاتب تجاوز القيود التي تفرضها عقدة بروكوست، ما يعزز الحرية الإبداعية ويدعو إلى استكشاف معاني جديدة قد تكون غير متوقعة ،كما تؤدي الى إعادة تعريف الهوية الثقافية ،النصوص التي تحتمل تعددية الدلالة تسمح للأفراد بإعادة تعريف هويتهم الثقافية بناءً على تجاربهم الشخصية ودراسة النصوص من منظور سيميائي وفهم التعددية الثقافية وتحدي النماذج السائدة ، تعزيز التفكير النقدي في كيفية قراءة النصوص وتفسيرها بناءً على الخلفيات المتباينة تمثل تفاعلًا معقدًا بين القيود الثقافية وحرية التعبير من خلال فهم هذا التفاعل، يمكن تعزيز ثقافة تعكس التنوع وتحتفل بالاختلاف.
تاريخ الاحتباس الثقافي
الأحداث الكبرى مثل الحروب والثورات تؤثر على كيفية كتابة النصوص وتفسيرها. قد تعكس النصوص مشاعر الخوف، المقاومة، أو الأمل المرتبطة بتلك الأحداث، التحولات في القيم والمعتقدات نتيجة للتغيرات التاريخية تؤثر على كيفية فهم النصوص، الكلمات والمعاني تتغير مع الزمن. فهم السياق التاريخي يساعد في إدراك المعاني الأصلية والتغيرات التي طرأت عليها، بعض التعبيرات قد تكون لها معانٍ خاصة في فترات زمنية معينة، مما يتطلب فهماً دقيقاً للسياق النصوص قد تحتوي على إشارات إلى شخصيات تاريخية، أحداث، أو مفاهيم فلسفية، فهم هذه الإشارات يساعد في تفسير المعاني المتعددة والتأثيرات الأدبية السابقة التي تلعب دوراً في تشكيل النصوص الجديدة، مما يعزز من تعددية الدلالات، الفهم المعاصر للنصوص يمكن أن يختلف اعتمادًا على السياقات التاريخية. القارئ اليوم يتفاعل مع النصوص بشكل مختلف عما كان عليه في الماضي ،القيم والمعتقدات المعاصرة تؤثر على كيفية تفسير النصوص الأدبية، مما يفتح المجال لتفسيرات جديدة، السياق التاريخي يمكن أن يساهم في تشكيل هوية جماعية أو فردية، مما يؤثر على كيفية فهم النصوص، الأفراد من خلفيات ثقافية مختلفة قد يفسرون النصوص بطرق متباينة .تلعب التأثيرات الاستعمارية أو الثقافات المهيمنة دورا مهما في تعقيد فهم النصوص وتضيف طبقات من الدلالة، منها تعددية الدلالة في النصوص من خلال تزويد القارئ بأبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية التي ترسخ دلالات النصوص. هذا الفهم يساعد في استكشاف المعاني العميقة والمتعددة، مما يثري التجربة القرائية ويعزز من التفاعل مع النصوص، دراسة الخطاب التاريخي أداة مهمة لفهم تعددية الدلالة في النصوص، حيث تسلط الضوء على العلاقة بين النص، والسياقات التاريخية، والاجتماعية، والثقافية. التحليل الأيديولوجي، يكشف عن كيف تعكس النصوص الأيديولوجيات السائدة وكيف يمكن أن تُستخدم لتعزيز أو تحدي التفاعل بين النص والسياق. ما يعزز من تعددية الدلالة في دراسة الخطاب التاريخي توفر إطارًا لفهم السياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تشكل النصوص. التحليل التاريخي للخطاب التاريخي يوفر إطارًا لفهم النصوص ضمن سياقاتها، بينما التأويل يعزز من إمكانية قراءة تلك النصوص بطرق متعددة، معًا، تساهم هذه الأدوات في توفير فهما أعمق للمعاني الثقافية والتاريخية التي تحملها النصوص. يتطلب هذا مواجهة العديد من التحديات، بما في ذلك المقاومة الثقافية، نقص الموارد، تحديات التواصل، والسياسات الحكومية. التغلب على هذه التحديات يتطلب تعاونًا لتطوير استراتيجيات فعالة ومتكاملة.
التاريخ يمكن أن يتضمن لحظات من الصراع والمنافسة بين الثقافات المختلفة، مما يساهم في تشكيل الهوية الثقافية، تلعب العلاقات الاجتماعية والطبقات الاجتماعية دورًا كبيرًا في الاحتباس الثقافي، الأقليات قد تواجه تحديات في التفاعل مع الثقافة السائدة، مما يؤدي إلى احتباس بعض التعبيرات الثقافية، يمكن أن يؤثر المكان الذي تعيش فيه مجموعة معينة على كيفية تطوير ثقافتها. فالثقافات التي تعيش في مناطق نائية قد تحتفظ بتقاليد معينة، بينما تتأثر الثقافات الحضرية بالتنوع والتغير السريع، الاقتصاد له تأثير مباشر على الثقافة. الموارد المتاحة أو نقصها يمكن أن تحدد ما إذا كانت ثقافة معينة قادرة على البقاء أو التطور، الاحتباس الثقافي هو ظاهرة معقدة تتأثر بعدة سياقات فلسفية. الفهم العميق لهذه العوامل يساعد على تعزيز الحوار الثقافي والتسامح، مما يتيح للثقافات المختلفة التعبير عن نفسها بشكل أكثر حرية والذي يستدعي عدم الاستبعاد وإبقاء ما هو مرتب كرونولوجيا واركيولوجيا وان كان النص لا يستجيب يجب استبعاده الى حطام الغرور.
***
غالب المسعودي

في المثقف اليوم