قضايا

طه جزّاع: محنة فيلسوف

يقدم مؤرخو الفلسفة الإسلامية اسباباً عديدة لمحنة ابن رشد أو نكبته التي تعرض لها عام 1196 م، فيذهب البعض الى أنَّه تحدث بما لا يليق ومقام الملوك في شرحه لكتاب الحيوان لأرسطو، بينما يذهب البعض الاَخر الى ان سببها هو ما تحدث به عن كوكب الزهرة بما جرى العرف عليه عند اليونان، إذ اعتبرها من الاَلهة، ويبدو ان كل هذه الاسباب كانت اسباباً ظاهرة، أما السبب الحقيقي فهو هجومه الشديد على علماء الكلام مما دفعهم الى الوشاية به والانتقام منه، وتلك ظاهرة طالما تكررت في مشرق الإسلام ومغربه.

تنوعت مؤلفات ابن رشد، بين الفلسفة، وتلخيص أو شرح مؤلفات أرسطو، فضلاً عن المصنفات الطبية والفقهية والادبية واللغوية، ويمكن تصنيف مؤلفاته الى تفسيرات أو شروح لكتب أرسطو، وتلخيصات لهذه الكتب، وجوامع صغار يتحرر فيها من نص أرسطو وسطوته، لينتج مؤلفات أصيلة، في مقدمتها كتبه الشهيرة " تهافت التهافت" وهو رد على كتاب " تهافت الفلاسفة " لأبي حامد للغزالي، و" فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، و" الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الملة"، و" ومقالة في اتصال العقل بالإنسان"، ناهيك عن كتابه " بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه" الذي طبع مرات عديدة.

كان ابن رشد أكثر من شارح لأرسطو، اذ اضاف الجديد ليكمل نظريات المعلم الأول التي تركها معلقة دون ان يقول فيها الكلمة الأخيرة، أو ليوضح مواطن الغموض فيها. لكن حياته لم تطل بعد تلك المحنة، فتوفي بعدها بسنتين ودفن في مراكش قبل أن يتم نقل رفاته إلى قرطبة ليدفن بجوار أبيه .

صورة متخيلة تجمع بين ارسطو وابن رشد أنشأها الذكاء الاصطناعي بحسب طلبي

***

د. طه جزّاع – كاتب أكاديمي

 

في المثقف اليوم