قضايا
ثامر عباس: ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغاثة)
للدكتور عبد العظيم السلطاني
ان القارئ لمقال الأستاذ (عبد العظيم السلطاني) المذكور في أعلاه، لا يملك إلاّ أن يشاطره الآراء والتصورات التي أثارها حول هذا الموضوع الشائك، لاسيما وأنه – كما قال – على اطلاع كاف ودراية وافية بكل ما شاب الموضوع من سلبيات علمية وانتكاسات أدبية، ما كان ينبغي لها أن تشيع في مثل هذا الوسط العلمي / المعرفي. ولعل ما أعطى لمقال الأستاذ (السلطاني) أهمية خاصة، ليس فقط كونه يتناول قضية خطيرة باتت تشغل بال الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية، دون أن يصار الى وضع الحلول والمعالجات المناسبة لها فحسب، وإنما لكون المقال كتب بيراع أستاذ (جامعي) ينتمي لذات الوسط الأكاديمي الذي يعيب عليه أخطائه وهفواته وانحرافاته !.
وبادئ ذي بدء نقول؛ أنه من حيث المبدأ ليس هناك ما يعيب صاحب الأطروحة الأكاديمية (الطالب) أن تتضمن رسالته بعض الأخطاء والهفوات والهنات، التي هي حاصل تحصيل (قصور المعرفة) لدى كل إنسان هو في طور التعليم، طالما كان ما يقدمه بين دفتي الأطروحة هو من نتاج جهده الخاص واجتهاده الذاتي. هذا من جهة، أما من جهة ثانية، لا تثريب على (الأستاذ) في عضوية لجان مناقشة الأطاريح من الإشارة الى أخطاء الطلبة المتقدمين لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه، مثلما لا ضير من تقديم النصائح والإرشادات التي تستهدف تصويب الأخطاء وتقويم الخلل فيما ذهبوا إليه، سواء ما يتعلق بالمعلومات أو الأفكار أو التصورات ذات الصلة، فتلك هي من واجبات (الأساتذة) تجاه (الطلبة) لاسيما ضمن المستوى التعليمي الجامعي. هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار ضرورة تضمين تلك الإضافات (العلمية والمعرفية) التي يدلي بها (الأستاذ) على هامش الأطروحة، الى متن رسالة (الطالب) باعتبار كونها مصدر من مصادر البحث أو الدراسة قيد المناقشة، وذلك لضمان حق الأستاذ المناقش في أرشفة رصيده العلمي والمعرفي لاستخدامه عند إجراءات الترقية، وهو ما استحسن حصوله الأستاذ (السلطاني) في مقاله.
وفي إطار خشية الأستاذ (السلطاني) من تأثيرات الوسط الاجتماعي وما ينطوي عليه من قيم وأعراف وتقاليد قبلية وطائفية، قد تسيء الى هيبة المؤسسات الأكاديمية / الجامعية من جانب، وتقلل من جانب ثان، من رصانة المحتوى العلمي والمعرفي للأطاريح قيد المناقشة. لاسيما بالاعتماد على ما أسماه بثقافة (الخطية) و(الفزعة) الشائعتا التعاطي بين الكيانات والجماعات العراقية، سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية أو التواضعات العرفية. حيث سبق الأستاذ (السلطاني) العديد من الكتاب والباحثين والأكاديميين (ومنهم كاتب هذه السطور) في الإفاضة بتبعات تلك التأثيرات السلبية، ليس فقط على سمعة الجامعات والأساتذة المنسوبين إليها، فضلا "عن المستوى العلمي والقيمة المعرفية لأطاريح الطلبة فحسب، بل وكذلك الى مصير العملية التعليمية والتربوية بمختلف مراحلها ومستوياته. والحقيقة ان الأستاذ (السلطاني) يتواضع جدا "حين يوصم ما يجري داخل قاعات المناقشة بين (طالب) الدراسات العليا، وبين (اللجنة) المسؤولة عن منح هذه الدرجة العلمية بثقافة (الخطية) و(الفزعة)، اللتان تندرجان ضمن مصفوفة القيم والأعراف (القبلية – العشائرية) السائدة في المجتمع العراقي حاليا"، حيث أن هناك الكثير من العيوب والمثالب مما لم يقله أو يتطرق إليه.
والغريب في الأمر حقا "ان الذي أثار حفيظة الأستاذ (السلطاني) قضية جانبية تكاد تكون (ثانوية) أو (هامشية)، ضمن مسار (التراجع) العلمي و(الانحطاط) المعرفي المستشري في جامعاتنا العراقية بصورة تثير الفزع، في حين تجنب الإشارة الى قضية هي أسّ المصائب والنوائب في هذا المجال، ألا وهي (البازار الأكاديمي) الذي أضحى سوقه رائجا "ويدر الملايين من الدنانير على تجاره ورواده، حيث (تباع) و(تشترى) الأطروحات الجامعية مثلما تباع وتشترى البضائع والسلع من الأسواق التجارية، وان قيمة هذه البضاعة / السلعة تتحدد بنوع تخصصها (العلمي) و(الإنساني). وهنا يغدو الحديث عن دور المسائل (القانونية) و(الأخلاقية) ضربا"من سفسطة خطابية لا معنى لها.
وأخيرا"فان دعوة الأستاذ (السلطاني) الى (إزاحة) القيم والأعراف والتقاليد ذات المنزع العصبوي عن (حرمة) هذا المجال، وعدم زجه في أتون التأثيرات (العاطفية) والمساومات (السياسية) والتوافقات (المصلحية)، هي دعوى أقرب الى اليوتوبيا منها الى الواقع. إذ كيف يتسنى لمؤسسة، هي جزء من منظومة اجتماعية وسياسية عامة نخر بنيتها الفساد وعمّت أرجائها الفوضى، ان تتغلب على أمراض وعوارض دولة كسيحة الإرادة ومستباحة القدرة فقدت زمام أمورها وأضحت أسم على غير مسمى، حيث تقاسمت مؤسساتها العصبيات القبلية والأصوليات الطائفية.
***
ثامر عباس