قضايا

غريب دوحي: أيسوب.. الفيلسوف الصعلوك

نحن أمام صعلوك أسطوري أغريقي الأصل يدعى (أيسوب) رضع العبودية مع حليب أمه وعاش مفردات الظلم والقهر طيلة حياته. فقد قال يوماً ما: إن بطني لم تشبع ولو لمرة واحدة.

ناضل منذ نعومة أظفاره من أجل حريته فقد كان عبداً مملوكاً لأحد الإقطاعيين يعمل في حديقة قصره وكان مجرداً من كل حقوق المواطنة.

ولد أيسوب عام 700 قبل الميلاد وبدأ بكتابة خرافاته الشهيرة عام 620 قبل الميلاد. وقد تضمنت الكثير من الحكمة في الحياة والنصائح في السلوك وهي على بساطتها تعد من روائع الأدب العالمي وترجمت إلى مختلف لغات العالم. كتب أيسوب خرافاته على لسان الحيوانات وذلك بسبب طبيعة النظام الدكتاتوري السائد في اليونان في ذلك الوقت الذي يقوم على سياسة كم الأفواه فكان الناس يخشون التحدث صراحة خوفاً من العقاب. وقد نشأ نفس هذا النوع من القصص الحيواني في بلاد سومر وبابل والهند لنفس الأسباب. ولهذا نجد أصداء خرافات أيسوب في كتاب كليلة ودمنة الذي كتب في القرن الثالث الميلادي وهو عبارة عن كتاب في الإرشاد وفن السياسة ألفه حكيم هندي يدعى (بيدبا) وأهداه إلى ملك الهند وقد ترجمه ابن المقفع إلى الفارسية ومن ثم إلى العربية. كما نجد صدى خرافات أيسوب في الأدب الأوربي كما في رواية الكاتب (جورج أورويل) (1903-1950) وهو كاتب أنكليزي في روايته (مزرعة الحيوانات) وهي رواية ابطالها من الحيوانات التي تثور على الإنسان وتقوم بتاسيس مزرعة تديرها ذاتياً وقد أتخذت طابعاُ سياسياً حيث نجد أورويل قد أتخذ من الحيوانات جسراً إلى النقد السياسي.

لقد أصبح أيسوب شخصية عالمية حتى إن ملك بابل والذي يبدو إنه الملك الفارسي (كورش) الذي قام بإحتلال بابل عام 539 قبل الميلاد واصبح حاكماً عليها (طلبه ليكون مستشاراً وظل مدة (20) عاماً مستشاراً حتى تأمر عليه حاشية الملك فأضطر إلى الرجوع إلى اليونان) هذا ما ذكره كتاب (أيسوبوس الحكيم المظلوم) لمؤلفه (رعد صادق الحلي) (ثم اشتراه أحد فلاسفة اليونان فأعتبر هذا الحدث ميلاده الجديد وأخذ يحضر الجلسات الفلسفية والفكرية التي كان يقيمها هذا الفيلسوف وأصبح بمثابة صديق له وليس خادماً). نفس المصدر.

إن تاريخ العبودية يرجع إلى زمن بعيد وعرفته معظم المجتمعات كمرحلة من مراحل التطور المجتمع الإنساني فقد أدى تقدم الصناعة والعمل في بلاد الأغريق إلى الأيدي العاملة فأستوردوا الرقيق بأعداد كبيرة من آسيا وأفريقيا وأصبحت تجارة النخاسة مصدراً للربح وعلى الرغم من تقدم الديموقراطية اليونانية في القرن الخامس إلا إن الأنظمة السياسية بما فيها أفكار الفلاسفة تعتبر الرقيق أداة مهمة لرفاهية المواطن الأغريقي.

أما في روما فقد شهدت أكبر ثورة قام بها العبيد عام 73 قبل الميلاد حيث تصدى لزعامتهم رجل يدعى (سبارتاكوس) فقد كان جندياً في الجيش الروماني وقد ذاق مرارة العبودية وتعرض للإضطهاد والتعذيب في مستعمرات العبيد المصارعين ذلك إن أباطرة روما كانوا يدربون العبيد ويستخدمونهم في مصارعة الحيوانات المفترسة ليتسلوا بمنظر الدماء وهي تراق في ملاعب روما غير إن هذه الثورة أجهضت بعد حصار أستمر ستة أشهر وأنتهت بمقتل قائدها (سبارتاكوس) عام 72 قبل الميلاد.

كما عرف ألإسلام نظام الرق وورثه من العصر الجاهلي ولم يضع الإسلام حداً له وكان مصدره الحروب والشراء حيث أسواق النخاسة. كما أعتبر الرق في العصرين الأموي والعباسي مصدراً للرفاهية والجاه حيث أنتشر الرقيق الأبيض من الروم وغيرها في قصور الخلفاء والامراء الأغنياء.

مصرع أيسوب

بعد أن غادر ايسوب بابل توجه إلى مدينة (دلفي) اليونانية التي يوجد فيها معبد (دلفي) الشهير وحيث الكاهنة العذراء التي تقرأ طوالع الناس. في هذا المعبد الذي يحج إليه سنوياً آلاف الحجيج من مختلف أنحاء بلاد اليونان يوجد مئات من الكهنة الدجالين الذين يستغلون الناس بتعاويذهم وحركاتهم البهلوانية من أجل كسب الأموال من الناس البسطاء كما يحدث اليوم. ثار أيسوب ضد هؤلاء الكهنة وفضح أعمالهم فما كان منهم إلا أن تآمروا عليه فدبروا له مؤامرة وهي سرقة الكأس المقدس من ذلك المعبد وقد أخفوه في حاجاته بدون علمه وتنص عقوبة هذه السرقة على أعدام من يرتكبها وبذلك إودع أيسوب السجن ثم حكم عليه بالإعدام وكان إثناء مكوثه في السجن يقص على السجناء قصصه ومواعظه وعندما حانت ساعة إعدامه رماه أحد الكهنة من مبنى شاهق وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة تفوه قائلاً:

(أن بابل سوف تنتقم منكم لقتلي)

وأخيراً، فأن بعض المؤرخين من يقول إنه شخصية خيالية لا وجود لها رغم إن أسمه كان قد ذكر في كتابات المؤرخ اليوناني (هيروتدت) 484-425 قبل الميلاد. ولم تجمع أساطير أيسوب في كتاب واحد إلا بعد أربعة قرون من وفاته حيث جمعها أحد الفلاسفة اليونان وكتب سيرة حياته في كتاب واحد أودعه في مكتبة الأسكندرية ونشر في أيطاليا عام 1479 ميلادية باللغة الإيطالية.

***

غريب دوحي

في المثقف اليوم