قضايا
علي عمرون: محنة أبو الفضل ابن النحوي.. سلطة المتصوف في مواجهة السلطة
(إن الإيمان والحب يخلقان الناس، لكن السيف ومئة رغبة نهمة تخلق الدولة!!)... نیتشه، هكذا تكلم زرادشت
انها الكلمة
جاء في قصيدة عبد الرحمن الشرقاوي ان (الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاعاً شامخات يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان ما بين نبيٍ وبغي، الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية إن الكلمة مسؤولية) وبالعودة الى متن هذا النص المختصر والنظر مدلولات الفاظه مع ضرورة تجاوز سياقه التاريخي يمكن الجزم دون تردد ان تاريخ الرجال العظماء بقطع النظر عن الانتماء العرقي والديني يمكن التماسه في تلك الكلمات الخالدة التي حررت النفوس المستعبدة من عقال الجهل والذل والخوف وزلزلت بصدقها اركان دولة الظلم في مشارق الأرض ومغاربها قديمها وحديثها ولكن يجب ان نتفق أيضا نتفق أيضا على ان هذه الكلمات التي اختزلت حياة هؤلاء العظماء كانت في نفس الوقت سبب محنهم سواء تعلق الامر بالفلاسفة أو العلماء والشعراء و محنة العلامة الفقيه المتكلم الشاعر الصوفي أبو الفضل ابن النحوي والذي ولد سنة 513هجري هي بلا شك حلقة بارزة في تاريخ النبل البشري فهي محنة المؤمن المبتلى في عقيدته والمثقف الملتزم الثائر المنتصر للحق الذي تذوق الحقيقة بقلبه وجرؤ على استخدام عقله وأدرك بنور الله ان العقل حق والشريعة حق والحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له،محنته بدأت عندما عاين واقع الظلم ببصره وادرك ضرورة قيام دولة الحق والعدل بنور الوحي ومنطق العقل فانكشفت له انوار الحقيقة بعين بصيرته.
وبين ظلم الولي وحسرة المظلوم أمسى ابن النحوي في محنته غريبا بين من لَهُ دِينٌ بِلَا أَدَبِ وَمَنْ لَهُ أَدَبُ عارٍ مِنَ الدِّينِ. واشتدت محنه حينما حاصره بعض الفقهاء و ساسة عصره الذين صادروا الحق في التفكير والصقوا بكل مجتهد وثائر تهمة التكفير في مغرب القرن الخامس الهجري،ضيق عليه الكثير من المنتفعين من جهل العوام وأصحاب المال وجلساء موائد السلطان فعاش أبو الفضل غريبا غربة الجسد والروح ومات ودفن غريبا غربة الوطن .
في مسببات المحنة ومستوياتها
يوسف بن محمد بن يوسف أبو الفضل المعروف بابن النحوي التوزري الحمادي، أصله من توزر وهي احدى مدن الجنوب التونسي ومسقط الشاعر ابي القاسم الشابي بها تلقى تعليمه الأول على يد والده ثم على يد شيخه اللخمي والمازري وغيرهما من علماء وفقهاء القيروان عرف بكثرة اسفاره وعشقه للحرية كان صاحب إرادة قوية وطموح وفراسة عاش بتلمسان مدة وزار المغرب فدخل سجلماسة وفاس ووجد فيهما من أهل الحكم مقاومة لآرائه الكلامية فرحل إلى قلعة بني حماد بالمغرب الأوسط، وعاصر الدولة الحمادية بالقلعة وبجاية والزيرية بالمهدية والمرابطية بمراكز مراكش، دخل سجلماسة وأقرأ بها الأصلين: علم الكلام وأصول الفقه فتضايق منه احد اعيان البلاد من ذوي الجاه والمال وهو ابن بسام فأمر بإخراجه من المسجد، ثم انتقل إلى فاس وانتصب بها للإقراء والتعليم فضايقه ابن دبوس وهنا تجلت محنته فرجع الى قلعة بني حماد وأخذ نفسه فيها بالتقشف وليس الخشن من الصوف وأقام بها إلى أن توفي .
بالمسجد الجامع داخل اسوار قلعة بني حماد والذي تمد جدرانه الى مسافة 7 كلم تقريبا كان يدرس ابن النحوي،وداخل ساحة المسجد لايزال بالإمكان رؤية مكان المحراب والمنبر ولاتزال مئذنته واقفة بشموخ وهناك بالقرب من قصر المنار مكتبته واسفل القلعة بقرية الفضل مسجده وضريحه درس الفقه وعلم الحديث وعلم أصول الفقه وعلم الكلام وكان على دراية بالفلسفة والمنطق واذا كان الفقه غايته معرفة النفس مالها وماعليها وكان علم أصول الفقه يرمي الى بيان مجموعة القواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية فان علم الكلام هو علم يدافع عن العقائد الايمانية بالادلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في العقائد . رسالته التعليمية تجسدت قولا وفعلا في قلعة بني حماد وامتدت الى أماكن أخرى .
وبناء قلعة أميرية بجانب المدينة الشعبية كما يشير الى ذلك صاحب كتاب دراسات في العصر الوسيط في الجزائر والغرب الإسلامي الدكتور علاوة عمارة هي ظاهرة عامة في التاريخ العمراني والتي نجد بعض مراحلها في نموذج مدينة قلعة بني حماد. فبعد مرحلة أولى اتسمت ببناء دار بني الإمارة بجانب الجامع الأعظم، نجد أنّ أهم المدن الإسلامية عرفت ما نسميه بظاهرة عسكرة المدينة من خلال بناء "قصبة" في أعلى المدينة الشعبية مخصصة للأمير وحاشيته، ويتجلى هذا بالنسبة لمدينة القلعة في البناءات الواقعة في سفح الجبل مباشرة، والتي نجد فيها خصوصا قصر الملك وقصر الكوكب الذي ما زالت بعض أجزائه السفلية قائمة. وفي المرحلة الثانية المتممة لنموذج المدينة العسكرية نجد بأن النخب العسكرية التي شکلت کیانات سياسية، بربرية في بلاد المغرب أو تركية في بلاد المشرق، عملت على بناء قلعة عسكرية متصلة بمحيط المدينة مهمتها حماية البلاط من خطر تمرد الرعية، تكون مقرا لإدارة الحكم. ويتجلى لنا هذا بوضوح في قلعة تقربوست بجانب مدينة القلعة، وبحي المنظرة بالنسبة لبجاية، وفي بلاد المشرق نجد خصوصا قلعة الجبل المطلة على مدينة القاهرة. وقد تمركزت جهود العلماء التعليمية والإنتاجية في قلعة بني حماد وبجاية بإستقطابهما لـ 120 شخصية علمية من مجموع 243 الذين عرفتهم الجزائر الحمادية. بالرغم من سابقة القلعة التاريخية والسياسية واستقطابها لاكثر من 50 شخصية، الا ان بجاية سرعان ما تمكنت من تحقيق تقدمها العلمي بفضل استقطابها لأكثر من 74 شخصية علمية، ويرجع هذا إلى استقرار بلاط الإمارة الحمادية بها وإلى تشجيع الأمير العزيز بالله (498-1105/515-1121) للإنتاج المعرفي. بعد بجاية،والقلعة تحتل وارجلان المرتبة الثالثة من حيث الأهمية من خلال حضور أكثر من 18 شخصية علمية كلها إباضية، على اعتبار أنّ هذه المدينة بواحاتها قد أصبحت المعقل الرئيسي للمجموعات الإباضية الوهبية.
وهكذا يمكن القول ان محنة ابن النحوي لم تكن وليدة تعصب اعيان سلجماسة من امثال ابن بسام او قاضي فاس ابن دبوس او حرق كتاب احياء علوم الدين لابي حامد الغزالي وانما هي امتداد لمحنة امة مزقتها الفتن والصراع بين الامراء حول امتلاك السلطة والمنفرجة كقصيدة خالدة مثلا لم تكن تستهدف في متنها ونغمها،ظاهرها وباطنها الخلاص الفردي لكاتبها وناظم ابياتها بل هي ابعد من ذلك إنها ترجمان ازمة ضمير تم تخديره، وانسان خلق للعبادة بأوسع معانيها امسى في عطالة فكرية وحضارية .والايمان بانفراج الازمة بعد اشتدادها يعني الايمان بسنن الله في خلقه. فالأزمة كما كان يقول جمال الدين الافغاني:" تلد الهمة، ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق، ولا يظهر فضل الفجر إلا بعد الظلام الحالك"
وفي اعتقادي ان هذه الازمة التي امتحن بها ابن النحوي لها مستويات:
أولا: هي ازمة تعكس التوتر بين المثقف الملتزم بقضايا امته والحاكم المستبد فالأول عاشق للحرية يواجه السلطة السياسية بثبات وحكمة الانبياء يزاوج في معركته بين سلاح الكلمة ورهبة الصمت و الثاني ظالم مستبد يشيع الخوف ويشتغل على كسر ارادة الحياة لدى شعبه وهنا نفهم ان كثرة اسفار ابن النحوي هي تحرر من قيود المكان وجور السلطان وجهل العوام وتتجلى قدسية الحرية في اسراء الروح ومعارجها نحو ما يحيي الروح، ومن سجن الجسد الى عوالم النفس الخفية من خلال قول كلمة الحق نثرا وشعرا وامثالها سلوكا .
ثانيا: هي ازمة فكرية تعكس مخاوف بعض الفقهاء من فقد المكاسب المادية وقربهم من حاشية السلطان وهذا الامتياز المادي والمعنوي مشروط بقدرتهم على سحر العوام بخطاب الولاء المطلق لولي الامر والتركيز على رغبات الناس اللاشعورية ومخاوفهم من خلال خطاب الوعد والوعيد.
ثالثا: هي ازمة لها علاقة برسالة الولي الصالح فالعالم الرباني الزاهد في الدنيا والذي اقترب من مقام التقوى هو على الدوام لسان [حال] المظلومين وناطقهم المفوض، ومنذر العلماء والمنبه لضمائر الملوك..وحزنه والمه مرتبط بمدى تحقيق هذه الغاية ..زمن هنا، كان الزهد في ما يمتلكه السلطان من مال وجاه يجعل المتصوف أكثر قوة في مواجهته وأعلى قدرة في التمرد عليه لذا كان رفض رشوة السلطان مقابل التخلي عن قضايا الجماهير أو مباركة التصرفات السلطوية ضد مصلحة الأمة، خياراً استراتيجياً لمعظم المتصوفة.
رابعا: هي ازمة روحية المتصوفة أشد الناس شعوراً بغربة الإسلام، بعكس معظم الفقهاء الذين كانوا يمضون في ركاب السلطة، وكان أول أدواره «الزهد» ثورة ضد كل من سلطة الدولة وسلطة رجال الدين وسلطة المال، باحتكامه إلى الضمير الإنساني. وقد يخيل للبعض أن السلطة والتصوف خصمان لا يلتقيان، فالسلطة عملية اجتماعية حركية، فيما التصوف، بزعمهم تجربة انكفائية، تنأى عن الحياة وشواغلها وعن السياسة وتوابعها بصفة خاصة. لكن مثل هذا الادعاء قد يصدق على التصوف الفردي أو على الزهد في جانبه السلبي، أما التصوف الإسلامي فقد كان منذ البدء بمثابة رد فعل على الأوضاع السياسية والاجتماعية المتردية، ومنحى معارضة ضد السلطات الزمنية القائمة بكل أنواعها. التساؤلات التي تطرح نفسها، وبشدة هنا، هي: هل لدى المتصوفة السلطة أم لا؟ وما حدود ما ينسب إليهم من أو مفهوم عن كانت السلطات الأخرى، على أساسها ووفق إملاءاتها تعمل على استمالتهم أو اضطهادهم، فيما كانوا يخوضون غمار هذا الصراع استناداً إلى موقعهم من موازين القوى السياسية والاجتماعية والدينية في المجتمع؟
ثنائية السلطة والعقل
يجب ان ننبه هنا انه لايمكن باي حال من الأحوال ربط مفهوم السلطة بالسلطة السياسية او هيمنة الدولة فهناك دائما اشكال مختلفة للسلطة بداية من سلطة العادات و التقاليد مرورا بسلطة المال و السلطة الابوية ووصولا الى سلطة الاعلام والسلطة الدين وغيرها من الاشكال الأخرى لذلك نجد ميشال فوكو يعتبر الدولة جزءا من السلطة وليست كل السلطة وبالنسبة لمحنة ابن النحوي سنتحدث عن سلطة الدولة في اطارها التاريخي القرن الخامس الهجري وكيف تم توظيف الدين في دولة المرابطين والسلاجقة وحتى الحماديين لخدمة السلطة وحمايتها والدفاع عنهاوهنا نلمس بعض القواسم المشتركة ومنها اشتغال السلطة في هذه الدول على ضمان (الاستقرار والاستمرار في السلطة والرغبة في الإخضاع وضمان الولاء، ودفع المعارضين وإزاحتهم عن الساحة وإقصاء المناوئين والخارجين على طاعة السلطة، والحفاظ على أمنها ومصالحها والسعي في تحقيق أهدافها الخفية والمعلنة.. الخ). وهذا ما اكد عليه صاحب كتاب ولاة و أولياء السلطة و المتصوّفة في إسلام العصر الوسيط للدكتور محمد حلمي عبد الوهاب وكتخريج لكتابه أشار الى نقاط مهمة نوردها على النحو التالي :
1- في اعتقادي- وهذا الكلام للكاتب- يصلح التصوف قاعدة لمشروع سياسي، أو على الأقل أن يشكل إطاراً عاماً لمشروع سياسي ناجع، إذ يُنتج التصوف من ناحية، قيماً ذات مدلولات سياسية بينة، يأخذ بعضها معنى سياسياً محضاً، أو ينطوي في جانبه الفلسفي واللغوي العام على جوانب تمس ظاهرة السلطة، كمقومات الإمامة في الولاية الصوفية وعناصرها الرئيسة : العصمة - الشفاعة ـ الكرامة. كما يؤسس التصوف لقيم أخلاقية - سياسية، مثل التسامح والانفتاح والانخراط والمشاركة ومقاومة التسلط آخذين بالاعتبار أن التصوف ينتج ما يطلق عليه علماء النفس والاجتماع مبدأ الثناقيمية» أي قيماً متعارضة أو متضادة، فاللغة الصوفية على سبيل المثال تُعلي في رمزيتها استغلاقها على الأفهام من قيم التمسك والتعاون ووحدة الهدف والمصير والانتماء للجماعة داخل مجتمع المتصوفة.
2- في قراءتنا لموقف المتصوفة من السلطة بدا واضحاً أن الاتجاه لدى المتصوفة تمثل في معارضة السلطة على تنوعها، فالزهد في ما يمتلكه السلطان من مال وجاه يجعل المتصوف أكثر قوة في مواجهته وأعلى قدرة في التمرد عليه لذا كان رفض رشوة السلطان مقابل التخلي عن قضايا الجماهير أو مباركة التصرفات السلطوية ضد مصلحة الأمة، خياراً استراتيجياً لمعظم المتصوفة.
3- يقودنا هذا إلى حقيقة مفادها أن اهتمام المتصوفة بالسياسة لم يكن اهتماماً سياسياً أو تاريخياً فحسب، كما خُيّل للبعض، وإنما كان، إضافة إلى ذلك، اهتماماً صوفياً، ينبع من مقام «التقوى»، ويدور حول معاني العظة والاعتبار بالمعنى الصوفي، ففي الوقت الذي تلهج فيه العامة بحديث ساستها بغية «الحظوة»، يولع المتصوفة أيضاً بحديث الأمراء والجبابرة، ليقفوا على تصاريف قدرة الله فيهم. ينبع اهتمامهم من إيمانهم بمسؤولية الإنسان اتجاه مجتمعه ووطنه وامته.
4- بديهي أن يعارض المتصوف واقع الظلم الذي يتكشف له بعين بصيرته، وأن يلتزم الحق والعدل والصدق، فهم أهل الحق يتوقون إلى معانقة الحق وسيلة للخلاص من الواقع المرفوض، إذ يرون السلطة في أيدي من لا يفقه شيئاً غير التلذذ بامتيازاتها، بينما يريدونها سلطة مثقف، يحس في ذاته بما يزيد على المطالب الخسيسة للحكام مثالاً للقطب الذي يرى بنور الله ويتصرف وفق إرادته. وحقيقة القول، إن اتخاذ المتصوفة مقاطعة السلطة مبدأ لا يعني عدم اهتمامهم بشؤون الخلق، وإنما على العكس من ذلك، يعد موقفهم هذا امتداداً لموقف بعض الصحابة والتابعين الذين اعتزلوا الساحة السياسية، معلنين رفضهم القاطع الدخول في سجالات سياسية ذات صبغة دينية،
5- يرفض المتصوف سلطة الدين التي وظفت في خدمة السلاطين جاهداً، ويسعى عن السلطة السياسية بارتفاعه المحايد عن هوى المتصارعين على السلطة، وبخاصة بعدما بدا لهم واضحاً أن الأمة ماضية في طريقها إلى التضحية بالشريعة لصالح السياسة، ومن ثم كان موقف المتصوفة شديداً تجاه فقهاء السلطة الذين تحالفوا مع ممثلي السلطة السياسية، مؤسسين لأقوى أنواع التسلط والقهر والاستبداد، حيث لم تتوقف أولوية السياسي على الديني والحال هذه ـ على جانب دون آخر وإنما تشمل كل الحقول التي تمارس فيها السلطة،فعلها فمن تبنّي منهج تصفية الخصوم وقمع المعارضين والمناوئين باسم الدين، إلى تبرير الاستعانة بالأعداء في مجابهة الثورات الداخلية، إلى إزاحة الأنداد داخل محيط الأسرة الحاكمة... إلخ، في كل الأحوال كان واقع ممارسة السلطة المستغلة للدين هو مصدر الداء.
ومن ناحية أخرى يتجاوز خطر الممارسة الصوفية نطاق المريد ليشمل
6- أشد ما تخشاه السلطة السياسية هو التأييد الجماهيري الذي يحظى به فقيه أو ولي أو أي ممثل لسلطة دينية على الأخص وفكرية عامة، فبإمكان من يستحوذ على هذا التأييد أن يحوله إلى ثورة لا تبقي ولا تذر، وبخاصة في الأوقات التي تكون فيها تلك الجماهير مصابة بحالة من الاحتقان السياسي رافضة السلطة وسياستها، وبدلاً أن من خليفة يوصي لوصيه قائلاً الله الله في الناس، نجد بعض الوصايا تحذر: العامة العامة!
وكأنها وباء.
7- تنظر السلطة، كل سلطة، إلى الناس عموماً بوصفهم أدوات، أو عقبة،
أو عبئاً : أما الناس الأدوات، فهم مادة بتصرف سلطات مثلث الحصار والهدر والغبن، يتم التلاعب بهم وبمصيرهم لخدمة سطوة السلطة وتوطيد أركانها، أو تأزيل وجودها في صراعها مع السلطات الأخرى [كتوظيف الفقهاء قديماً والمثقفين حديثا)
وأما الناس العقبة ومصدر التهديد فهم الخصوم الذين يشككون في شرعية المستبد [ كالمتصوفة والعلماء المستقلين والمعارضين السياسيين ] . . .
وأما الناس العبء فهم تلك الشرائح الزائدة عن الحاجة . . . إنها تلك الكتلة البشرية المكررة والتي لا لزوم لها [ ممن تسميهم السلطة، كل سلطة، العوام - الغوغاء - الرعاع .
وتكشف رسائل المأمون المتعلقة بمحنة خلق القرآن عن تصور السلطة
للرعية المحكومة أو العوام، يقول في واحدة منها: «وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة[!!]، ممن لا نظر له ولا روية (...) أهل جهالة بالله (...) وقصور لضعف آرائهم ونقص عقولهم
***
علي عمرون - أستاذ مادة الفلسفة
......................
الهوامش
* هو محمد بن علي بن عمر بن محمد، أبو عبد الله التميمي المازري، عرف بالإمام الفقيه المالكي، ولد في عام 453هـ في مدينة المهدية في تونس، برع هذا الفقيه في العديد من العلوم منها؛ الأدب والطب والرياضيات، وبات يعرف بأحد أشهر فقهاء عصره في حفظ الأحاديث وشرحها، كما عرف بعلمه الغزير وورعه وتواضعه
02* جاءت وفاة الإمام المازري في يوم 8 من ربيع الأول عام 530هـ، الموافق 12 تشرين الأول لعام 1141م، عن عمر ناهز الثالثة والثمانين، قضاها هذا العالم الجليل في العلم والعمل، وكانت الوفاة في مدينة المهدية، في عهد الحسن بن علي بن يحيى بن تميم المعز، وقد كان لموت الإمام المازري أثراً عظيما لدى نفوس الناس حيث حزن عليه الجميع.
03* يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بابن النحوي (513هـ/1119م):
ومن اثار ابن النحوي :
التذكرة في علوم الدين، قال عنه الغبريني: "هو كتاب،حسن طالعته وكررت النظر فيه فرأيته من أجل الموضوعات في هذا الفن.
2- النبراس في الرد على منكر القياس، قال عنه الغبريني: "هو كتاب مليح على ما أخبرت عنه ولم أره، وأنا شديد الحرص عليه".
3- له كتاب في علم التذكير: "التفكير فيما تشتمل عليه السور والآيات من المبادئ والغيايات"، قال عنه الغبريني: هو كتاب جليل سلك فيه مسلك أبي حامد في كتاب الأحياء، وبه سمي أبي حامد الصغير .