قضايا
علجية عيش: الدين والبراغماتية
المبشرون كانت لهم فلسفة براغماتية لتنصير الشعوب
كانت البراغماتية ولا تزال، تهدد الشعوب والأمم للهيمنة عليهم وطمس هوياتهم، كونها وظفت سياسيا ودينيا، وهو ما نلاحظه في الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي توقع بين الحكومات والتحالفات في مختلف المجالات بما فيها مجال التسليح فقد جمعت بينهما البراغماتية، أي سياسة مصلحية، كلٌّ من موقعه ووفق حساباته حيث وصلت الأمور الى حد التطبيع مع إسرائيل، لولا ظهور جماعة من الإصلاحيين المسلمين الذي تطرقوا الى مفهوم البراغماتية في الإسلام ونشر الوعي محددين واجب الفرد والجماعة داخل المجتمع الإسلامي وتحقيق المعادلة بين الوسيلة والغاية.
كيف نفكر وفي ماذا نفكر وهل افكارنا سليمة أم يشبوها الغموض والضبابية؟، هل افكارنا سلبية أم إيجابية؟، هل هي حيّة أم ميّتة؟ هل تفكيرنا تفكيرٌ علميٌّ أم إصلاحي أم حداثي؟ وهل تفكيرنا نورانيٌّ؟، هي مفاهيم خاض فيها كثير من المفكرين والفلاسفة عرب وأجانب، ثم نتساءل إن كانت الفكرة إبداع أم هي مجرد فكرة تظهر في لحظة تأمل ليس لها ما يطابقها في الواقع، ودون أن نعرف ماهي فائدتها العلمية، كلنا يفكر ولكل واحد منّا طريقة تفكيره، لكن هناك هدف ما نريد الوصول إليه عن طريق تفكيرنا، وكم استغرق تفكيرنا من زمن للوصول إلى هذا الهدف، العالم طبعا مليئ بالمشكلات والتناقضات وهناك مشكلات معقدة، مستعصية، فأحيانا نجد من يقول لقد فكرت طويلا ولم أجد حلا لهذه المشكلة، يقول بعض المفكرين أن تفكيرنا مرتبط بالبراغماتية، إلا أنه ليس كل الناس براغماتيين، قليل من التأمل فقط نجد أن هناك فكر فردي وفكر جماعي.
ليس الغرض هنا الحديث عن الفلسفة البراغماتية، وإنما إلفات النظر الى الخطر التي يهدد الشعوب والأمم ومساعي البراغماتيين في طمس هويات الشعوب، كونها وظفت سياسيا ودينيا، ولعل السبب هو لما أثارته الفردية والجماعية من جدل بين المفكرين، ولكل واحد كان له رأي خاص لاسيما وأن هذا المفهوم لعب دورا خاصا في تسيير الحياة اليومية للفرد والجماعة، بل هيمن على منظومتنا السياسية، الإقتصادية، الفكرية الثقافية والتربوية وحتى المنظومة الدينية، فمصطلح البراغماتية مشتق من الكلمة اليونانية "براغما" ومعناه العمل وهي مذهب فلسفي يرتكز على أن معنى فكرة ما، تتحد بتأثير فكرة أخرى على الممارسة والسلوك وأن حقيقة المفاهيم لا تثبت إلا بالتجربة، والبراغماتية ارتبطت بالفيلسوف الأمريكي تشارلز بيرس وهو أول من صاغ هذا المفهوم في مقال له نشره عام 1878 بعنوان: " كيف نوضح أفكارنا؟" ووضع فيه أسس فلسفة البراغماتية، وهي من الناحية الفكرية تعني أن الإنسان مُكْرَهٌ على العيش في عالم لا عقلاني يتعذر فهمه، لأن كل محاولة لمعرفة الحقيقة تبوء بالفشل، والدليل ما نقرأه عن صراع الحضارات والثقافات وصراع الأديان.
فلا يزال النقاش حوله (أي الصراع) مفتوحا ولم ترفع الجلسات عنه الى يومنا هذا إلى أن ذهب البعض بالقول أنه لا يوجد صراع حضارات أو ثقافات أو أديان، وعلى الجميع أن يتعايش ليحقق كل واحد منفعته، وبالتالي عليه أن يتخلص من الشكوك التي تعرقل حياته طالما هو يريد أن يحقق منفعته حتى لو أدى ذلك انفصامه عن الدين أو بعده عن الأصالة وضربه قوانين الجمهورية في كل المعاملات، ونلاحظ ذلك حتى في المجال الديني، عندما عمل المبشرون على نشر عقيدتهم (المسيحية) بأسلوب براغماتي عن طريق مساعدة الشعوب وتقديم لهم الخدمات خاصة تلك التي تعيش الحروب وتعاني من المجاعة والجفاف والأمراض من أجل تنصيرهم ومحاربة الإسلام وتمكنوا من تعلم اللغة العربية نطقا وكتابة، مثلما حدث في الجزائر أيام الإحتلال، فهم آمنوا بدعوة البراغماتية إلى الاعتقاد بفكرة وإخضاعها إلى التجربة وما تقدمه هذه التجربة من فائدة عملية، وقد تمكن التيار التبشيري من طمس هوية المسلمين وإهدار كرامتهم، فلا تهمهم إن كانت الفكرة صحيحة أو غير صحيحة بقدر ما تحقق للإنسان المنفعة في حياته العملية، حيث ربطوها بالميكيافيلية التي تقول أن الغاية تبرر الوسيلة، لولا ظهور جماعة من الإصلاحيين المسلمين ومفكرين إسلاميين الذين تطرقوا الى مفهوم البراغماتية في الإسلام وراحوا بفكرهم ينشرون الوعي في الوسط الإسلامي محددين واجب الفرد والجماعة داخل المجتمع الإسلامي وعملوا بمقولة " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" أرادوا أن يحققوا المعادلة بين الوسيلة والغاية، وما الصراع الدائر حاليا بين الأصوليين والعقلانيين التنويريين وفي مجال الخطاب الديني لدليل على أن هناك حرب حول الثابت والمتغير وبين المقدس والمدنس.
***
علجية عيش