آراء
عبد الأمير الركابي: علم الثورات اللاارضوية الكبرى (3)

لاتحتاج اللاارضوية الى التمايز الطبقي والفوارق في الملكية والموقع لكي تمتلك اسبا ب الفعالية والديناميه الضرورية، فتحقق الاختراقية المجتمعية كما حصل اوربيا وشرقيا انطلاقا من الشرق المتوسطي وتعبيريته الاولى الحدسية النبوية الابراهيميه، ذلك لانها كينونة وجودية بشرية ومجتمعية ركيزة فعاليتها، لا التمايزات الاجتماعية بذاتها، ولا المواضع والبدان المختلفة، بل الكائن البشري نفسه باعتباره (عقل / جسد) وهو كينونه اصطراعية مضاده للاشتراطات اليدوية الجسدية الحاجاتيه، لها اشكال فعلها وقوانينها غير المنظورة على مدى الطور اليدوي من التاريخ المجتمعي:
ولعله من اللازم عند هذه النقطة من التحري، التعرض لماقد ميز الانجاز العقلي الاهم اوربيا بعد ماقد ولده الانقلاب الالي من تسريع غير عادي للاليات المجتمعية، وفي مقدمها العقلية لينتج ثلاث موضوعات انقلابيه كبرى ابتدائية، وجدت على خطورتها ناقصة نقصا مصدره الارضوية الاحاديه وحدودها، برغم الازدواج الطبقي، العامل الدينامي الخاص والمتقدم على غيره ضمن صنفه.
الاول: هو المنظور المتعلق باخر العلوم، "علم الاجتماع"، وهو من دون شك قفزة حصلت في حينه على مستوى محاولة نفي القصورية الادراكية البشرية بعلاقتها بالظاهرة المجتمعية على مدى الطور اليدوي السابق، الاان هذا الانقلاب العقلي لم يكن ليتعدى من حيث نطاق الاحاطة، حدود المجتمعية "الارضوية"، من دون مقاربة هي الاهم والمطلوب، كان المفترض ان تتناول طبيعة المجتمعية، ونوعها، او انواعها، وهل هي واحد ام غير ذلك، ماقد ابقى المسالة الاخطر والاهم خارج التناول والبحث، فظل "الازدواج المجتمعي" خارج الانشغال، بما يخرج مايسمى "علم الاجتماع" كما وجد في حينه والى الان، عن دائرة ماكان من المفترض انه قد وجد لازالة النقاب الاخطر عنه، فظلت القصورية لهذه الجهه تمارس فعلها كما كانت خلال الطور الاسبق اليدوي.
الثاني :هو نظرية الاصطراع الطبقي وماقد ترتب عليها، وارسي بناء على ركائزها من مفهوم "مادي" للتاريخ البشري، وعدا عن الافتراضية المبالغة الخاطئة عن كون المجتمعات او الظاهرة المجتمعية محكومة كينونه بالطبقية، وهو فرض للخاصية الذاتية الاوربيه على المعمورة لااساس له، فان ماركس تصرف في حينه كمواطن يدوي، وهو يصر على انه معبر عن شروط لايدوية آليه، فلم يحاول النظر الى المجتمع بناء على تبدل اشتراطات التفاعلية المجتمعية، وماينتج عن وجود الالة من تغير في الكينونة المجتمعية من المرحلة الاولى اليدوية (البيئية/ البشرية)، الى (البشرية + متبقايت البيئية + الاله)، والعنصر الاخير من غير طبيعة ونوع العنصرين الاولين، وفعله مختلف، لاتعود معه المجتمعات اليدوية ومنها بالطبع " الطبقية"، قائمه، او من الممكن ان تستمر كما هي، او بما هي عليه كينونة بحسب مااكتسبته، وكان لها من تميز نوع نمطي ابان الطور اليدوي، بناء على فعل البيئة وحضور العقل. بهذا يكون ماركس قد اراد ان يفرض علينا قانونا اعتبره "ماديا" ومحتما، جوهره "الطبقة"، في اللحظة التي ماعادت الطبقة فيها قابله للبقاء كفعل، او الاستمرار.
والثالث: نظرية دارون عن "النشوء والارتقاء"، وهو الاخر وان يكن قد غير، لابل قلب مفهوم الوجودو "الخلق"، قافزا بالادراكيه العقلية بما خص مسار التحول الوجودي التشكلي الارتقائي، الاانه يظل كما العادة والمتوقع، ابن الاشتراطات الموضوعيه التي هو منها، وان هو قد تهيأت له اسباب الاختراقية الادراكية، فظل هنا وبهذه المناسبة محكوما لوطاة الجسدوية والاحادية، فالحق التطور البشري وقبله الحيواني بالجسد، الى ان يصل لنقطة التحول الكبرى العقلية، ويقرر ساعتها بان العضو البشري الجسدي قد توقف عن النمو وصار من ساعتها مكتملا، من دون ان يلاحظ، ولا اشار بالمقابل الى العقل ومكانه من العملية الارتقائيه بعد ظهوره مع الانتصاب واستعمال اليدين، ولا خطر له اذا كان العقل سوف يستمر بالتطور كما كان قبل هذا التاريخ، فالعملية النشوئية الارتقائية هي بالاحرى عملية "عقلية" عكس ماظن هو، والعنصر المحور الذي تعمل الارتقائية لاجله، هو العقل، بدليل انه ظل لملايين السنين من التشكل الحيواني خافيا وغير موجود، قبل ان تنتهي الحيوانية لانبجاس العقل، بانتظار تطوره اللاحق، مع افتراض استمرار العملية النشوئية باشتراطات اخرى.
فالعقل الحالي الذي ظهر مع الانتصاب، هو محطة ابتداء اولى ذاهبه الى مابعدها، بعدما غدت الجسدية غير لازمه، وانتهت ضرورتها السابقة كحامل للعقل، وقد غدت اليوم بسياق الانخراط ضمن عملية جديده متناسبه مع الكائن الحاصل بعد ظهور العقل وحضوره، تلك هي التفاعلية المجتمعية المتناسبة مع الانقلابيه العضوية الذاتيه نحو الكائن البشري، بقصد استكمال العملية العقلية، والتخلص النهائي من متبقيات الجسدية الحيوانيه الباقية عالقة بالكائن البشري، عبر طور انتقالي مابين الحيوان الجسد، والانسان العقل، عبر طور بشري هو "الانسايوان" الذي نحن اليوم منه وفي غمرته.
والنقاط الرئيسية الثلاث اعلاه تحكي لنا موقع العقل التحولي عند لحظة غير عادية، بدا معها الانتقال من الانتاجية اليدوية الى الاليه، بدفعها وماتنطوي عليه من اهداف متناسبه مع طبيعتها مجتمعيا، وهو مالم يكن للمجتمعية الارضية ان تقاربه بحكم طبيعتها ونوع بنيتها، فالانتقال الالي هو انتقال "لاارضوي"، مساره ونتائجه متعدية للارضوية اليدوية ومتبقياتها، التي تنشا الالة بين ظهرانيها، لتنتج تحت اثرها غير العادي طورا ابتدائيا اوليا من المنظورات والرؤى والاعتقادات الالية باطار يدوي، هو لازمه وضرورة لاجل الانتقال الاكبر الالي، ومنتهياته الكبرى اللاارضوية، مالابد من انتظار الاصطراعية الناشئة في غمرته، قبل الانتقال الضروري من التوهميه الاوربيه، والنقص الادراكي الابتدائي الذي يعم المعمورة، ويغلب مفهوما ونموذجا على مدى بضعة قرون.
تتوافق ضمن اشتراطات الاصطراعية الافنائية التي يمارسها الغرب التوهمي ضد اللاارضوية التي تكون قد وجدت منبعثة منذ القرن السادس عشر في ارض سومر في مابين النهرين مجددا، بلانطقية، حالة انتهاء صلاحية النموذج التوهمي الغربي الالي، مع تحورات الاله غير المنظور لها بما تستحق كسيروره موضوعيه، من الالة المصنعية الارقرب لليدوية، الى التكنولوجيا الالية الحالية، الى التكنولوجيا العليا العقلية المنتظره من هنا فصاعدا، مايجعل من الرؤية اللاارضوية لزوما وحاجة غير عادية وجودا، وقد اكتسبت كل مقتضيات العقلانيه الابعد من الملموساتية الارضوية، مغادرة التعبيرية الاولى النبوية الابراهيمه الحدسية، نحو طبعة ( عليّة سببيه) بينما متبقيات الارضوية، وكل مايتصل بها كنهج حياتي، تشارف على انتهاء الصلاحية، وتقع ضمن دائرة احتمالات الفناء.
ـ يتبع ـ
***
عبد الأمير الركابي