آراء

عبد الأمير الركابي: "اللاارضوية" بديل الماركسية الآفله (1)

اكثر من ثلاثين عاما مرت على سقوط الاتحاد السوفياتي، ومعها انتهت الماركسية كفعالية مع متبقيات ايمانيه ما تزال محموله من قبل الاحزاب الشيوعيه اللينينيه المنبثة على مستوى المعمورة، وهي ذاتها شبكه الاحزاب الاممية التي كانت موجوده ضمن اشتراطات مختلفة ابان ما كان الاتحاد السوفياتي حاضرا، والعالم يعيش حالة استقطاب بينه وبين ما يعرف بالمعسكر الراسمالي او الامبريالي، ما كان يمنحها حضورا ووزنا في بلدانها ومن ثم على الصعيد العالمي، الامر الذي غاب وسقط مع قاعدته ومصدر ديناميته، من دون ان يظهر للوجود اي مؤشر يمكن الاستدلال به ومعه على استمرار فعالية يمكن اضفائه على الاحزاب المذكوره مجتمعة، بما يبرر نعتها بالقوة الحية فضلا عن الحيوية الفاعله.

ومع غياب المركز/ الدولة ، لم يبق مما يسمع او يمكن ان يتابع في مواقف وتنظيرات الاحزاب المذكورة بما يتعدى التركيز على الايمانيه والتمسك الواثق بالحتمية: اليوتوبيه"المبهمه، هذا في حين لم يؤد حدث مثل انهيار الاتحاد السوفياتي الى وقفه من نوعه ومستواه تعيينا لموجبات مرحلة هي الثالثة في التدرجية الماركسية كدعوة، الاولى النظرية التاسيسية التي اضطلع بها ماركس/ انجلز، والثانيه التطبيقية اللينينيه ومحصلتها الكيانيه رافعه لافته ونموذج الدولة التي تقول بالاشتراكية، وصولا الى اليوم حيث يلح السؤال عما اذا كان هنالك مايمكن اعتباره مرحلة ثالثة استكمالية، ام ان الحركة المذكورة برمتها قد بلغت مع المرحلة الثانيه ونهايتها، نهاية النظرية الطبقية الشيوعيه، ومايترتب عليها ومن المفترض ان  تولده تاريخيا على مستوى المعمورة.

واضح امامنا بما لا يقبل الجدل ان ما بعد ماركس ولنين لاشيء سوى ازمه بلا حل ولاافق، وان سقوط الاتحاد السوفياتي مشروع لنين المرتكز لماركس،  هو مجرد اجترار من دون اية وثبه يمكن الاشاره اليها، "فلا ماركس او لنين بعد ماركس ولنين" الامر المعروف في التاريخ عندما تظهر حركات تتمتع ابتداء ببعض الفعاليه، وتحقق منجزات عملية ثم تتراجع على هذا الصعيد منتقلة من "الايمانية الفعالة"، الى "الايمانيه بلا فعل"، وهو حال الكثير من الحركات القديمه الدينيه وغيرها الباقية على مر القرون، لا تعدم البواقي وحملة الرايات خارج الزمن والفعل. هذا مع الفارق الجوهري بين ما ننوه عنه، وبين الماركسية والشيوعية المعاصرة المبنية كما مفترض على ما يطلق عليه تسمية " العلم" و "المادية التاريخيه" وحتميتها التي تعيد التاريخ البشري على بدء، على اعتبار ان العتبة الاولى من التاريخ "شيوعيه" بدائية، التاريخ مصمم كي يعود اليها في المراحل الاخيرة، بعد الارتقاء الى الالة ومغادرة اليدوية.

لا احد قد خطر له او فكر من الاحزاب الشيوعيه او خارجها باحتمال ان يكون  الصراع الطبقي كمرتكز "علمي" اجتماعي، بنيت عليه نظرية ماركس، غير علمية اصلا  وغير صحيحه، خصوصا وانه اكتشف اليوم بعد انبثاق الاله، وتغير عناصر الاليه التشكلية المجتمعية، ومنها الطبقية كما كانت ابان الطور اليدوي، اي ان  الازدواجية المجتمعية الطبقية الاوربية هي خاصية مجتمعية تنتمي الى طور انتاجي بيئي مجتمعي،  مختلف عن ذلك القائم والذي صرنا نعيش في كنفه مع انبثاق الالة، بما هي عنصر مستجد قابل للفعل والتاثير في البنيه المجتمعية السابقة عليه.

هذا يعني ان ماركس بالحرى كان وهو يقول "لم يكن تاريخ المجتمعات الا تاريخ صراع طبقات" انما كان يقرر ماض  منته غير قابل للاستمرار، كما انه  كان في موضع واحد بذاته من المعمورة، فالالة تزيل الطبقات وفعلها الاصطراعي، وان بدت في العتبات الاولى من حضورها مولد احتداميه مجتمعية قصوى غير عادية، يلتهب ابانها الاصطراع وتتبلور الطبقات باعلى  صيغ وجودها، وهو ماقد عاشه ماركس وقتها في القرن التاسع عشر ابان الطور المصنعي من الحضور الالي   ، متوهما بلوغ الاصطراعبة الطبقية ذروتها مع البروليتاريا المتعاظمة الحضور بوجه البرجوازية، والاهم عدم انتباهته الى احتمالية الخروج من وطاة الصراع الطبقي مع الاله، وتبدل اشكال ووسائل الصراع المجتمعي، بعد ان صارت الفئات المالكة قادرة على التحكم بالبنيه المجتمعية ماديا بوعي، عكس ماتصوره هو من انتقال بالوعي البشري الى التحكم الواعي بالاليات المجتمعية وممكنات التغيير.

لا احد على كل انتبه، لا ماركس ولا من جاءوا بعده، الى عدم ذهاب التبلور الاصطراعي في اوربا حيث الانبجاس الالي،  لاية نتيجة حاسمه على صعيد الانقلاب الطبقي "الثوري" المفترض، في حين حدث مايمكن اعتباره من باب او في خانه الثورة الاشتراكية في  مواضع بلا برجوازيات متقدمه مماثله للكلاسيكية الاوربية،  وبالذات في روسيا والصين وبلدان اوربيه طرفيه، جرى التحول فيها تحت قوة زخم الاله، مضافا اليها المنظور التحولي التوهمي، بعدما اضفيت عليه ما يجب من تعديلات مناسبة للانقلابيه الالية، على راسها قوة مفعول الفكرة، وتوطد دور الانتلجنسيا، الفئة الاجتماعية المتزايده الدور بحكم التطور الالي، وهو منجز لينين المرتكز لعنصري "الماركسية الاوربيه" والاستبدادية الشرقية والروسية على وجه التخصيص.

ضمن زخم التوهمية الاوربيه المواكبه للانقلاب الالي عند مفتتحه وبداياته الاولية قبل استقرار  واكتمال معطياته  التحولية الموافقه لطبيعته، خرجت الظاهرة المجتمعية من دائرة الادراكية الفعلية في ساعتها، لتحل محلها مغالات علموية في غير محلها، وجدت  من قبيل التوهم بازاء اشتراطات ناشئه غير مالوفه، ماتزال في بدايات تبلورها، ومع تكريس الصفة الاشتراكية واسباغها على متغير آلي روسي صيني هو من نتائج تعدد اشكال الانقلابيه الالية اسبغ على القطبية التي ظلت تحكم العالم بعد الثورة الروسية والزعامة الامريكيه للغرب، بعد الحرب العالمية الثانيه، على انها اصطراعية اشتراكية امبرياليه بالمفعوم التقليدي، من دون الاخذ بالاعتبار طبيعة الطرف الامريكي الالي الحاضر من خارج الرحم التاريخي مجتمعيا ومن ثم طبقيا، مايدلل على الفعل الحاسم للاله، لتوضع الادراكية وقتها خارج الحقيقة الناشئة، وفي مقدمها كيانيه الفكرة بلا تاريخ، وارتكازا لرسالية كاذبه امبراطورية، اساسها لاارضوي ابراهيمي  مغلف بغلاف الليبرالية الاوربية، منطقة الابتداء الالي  وتوهميته.

بين هذين الكيانين جرى الاستقطاب بتسميات اخرى متوهمه دالة على تقدم الفكرة على الكيانيه، الى ان ذهبت الكيانيه الامريكيه بالالة من المصنعية الى التكنولوجية الانتاجية، ذهابا الى العولمه ماقد  نجم عنه انهيار الكيانيه البيروقراطية الروسية، بناء على ماقد دخل على العملية الاقتصادية من مرونه ولا كيانوية، الامر الذي لم يلفت انتباه الحركة المتبقية من الماركسية والشيوعيه الحزبيه على مستوى المعمورة،  بحيث تتوقف عنده، بالاخص بعد حدث جلل من نوع انهيار الاتحاد السوفياتي، وقد حلت ساعة الانتقال من "التحولية الارضوية" الطبقية الدنيا، الى "التحولية المجتمعية" المضمرة غير المدركة، الاشمل والاعلى الاكثر تطابقا مع موجبات الانقلاب الالي ومابعد التوهمية التي رافقته كخطوة ابتدائية انتقالية ادراكا.

ـ يتبع ـ

***

عبد الأمير الركابي

في المثقف اليوم