آراء
عبد الأمير الركابي: "الوطن كونية العراقية" حين تظهر (5)
تعلن الوطن كونيه العراقية عن اقتراب "يوم القيامه" ونهاية الزمن الارضوي من التاريخ البشري، انما بالصيغة النهائية المكتمله بعد تلك الاولى التي اعلنت في حينه مقررة نهاية الحياة على كوكب الارض، مع الاختلاف الجوهري في المقصد والوسائل والدلالات، اليوم ياتي النداء متزامنا مع الاعلان عن نهاية المجتمعية الارضوية، تلك التي ظلت سائدة وغالبة على مدى التاريخ اليدوي، الى ان حلت لحظة الانتقال الكبرى الاليه، ومعها انتهى تاريخ وضرورة الوجود البشري على كوكب الارض، ما يعني التلازم بين الوسيلتين الانتاجيتين تتابعا، من الجسدوية الحاجاتيه، الى العقلية، فالانتقال الالي ليس كما ظل يقال ويفهم كانتقال من محطة الى محطة، ومن مرحله الى اخرى تشبهها مع اختلاف الوسائل، بل كانقلاب في النوع المجتمعي يحاكي الازدواج التكويني البشري، وسيرورة تشكله وترقيه عقليا.
انتهى الجزء الارضي من التاريخ البشري باعتباره ضرورة انتقالية لازمه لاجل ترقي العقل ووثوبه الوثبة الكبرى الثانيه، بعد تلك الاولى التي عرفها ابان تغير بنيته مع الانتصاب على قائمتين وتوفر اسباب النطقية واستعمال اليدين، وقد حضر شاخصا بعد ملايين السنين من الاختفاء تحت طائلة الغلبة الحيوانيه شبه المطلقة، ليذهب من يومها نحو ما يكرس استقلاليته بتخلصه من متبقيات الحامل الحيواني الجسدي وقد انتهت مهمته الطويلة، وانقضى دوره مع وفي غمرة المحطة الاخيرة المجتمعية وتفاعليتها عبر وقفتين، اولى يدويه، وثانيه اخيرة آليه/ تكنولوجيه عليا.
هنا تدخل البشرية مالا عهد لها به مطلقا، ولم يسبق ان قاربته حتى تخيلا حين يتجسد ذلك بالاخص ممارسة وكموقف، هو من دون شك حضور لعالمين بينهما فاصل لايكاد بالامكان اختراقه، وحتى بالمقارنه بالتضاد السماوي الارضوي التعبيري الاول، فان الوضع الراهن يتعدى ما سبق من تباين واختلاف ارضوي غالب، مقابل السماوي بصيغته النبوية الابراهيمية الحدسية الاولى، ففي الماضي كانت السماوية تقول بالذهاب الى "العالم الاخر" بعد الموت ونهاية الجسد، وهو ما يمكن افتراضه كاحتمالية غير وارد التثبت منها، في حين صار الانتقال اليوم حياة وحالا معاشا، يغدو اكثر فاكثر اجباريا، دونه الاختفاء من الوجود والفناء، هذا والوسيلة المتاحة القابلة للاستعمال لاثبات ماهو وشيك، " كتابيه" مفهومية من جنس ونوع النمطية الكونية اللاكيانوية واللاارضوية الموشكه على الحلول محل الارضوية، بمقابل كل عدتها ومتبقياتها المادية المنظوريه، مضافا لها جملة ما قد تحقق للارضوية مع الالة من اسباب القوة الفائقة، والشعور بالصوابيه المطلقه، ارتكاز للمتحقق من منجز متاخر.
"انتقال الى العالم الاخر بلاموت" ياله من نداء افتراقي عن كل مامعتبر وجودا حيا كما تفترض النظرة البداهية الجسدوية، تلك التي تاخذ الجسد البشري على انه حقيقة نهائية غير مطروح ولا وارد تصور ذاتية بشرية من دونها، ما يجعل تخيل الاحتمالية التحولية مستحيلا، علما بان المطروح اليوم ومن هنا فصاعدا ليس بالقدر الجاهز، بقدر ماهو قناعة وفعل، فلا انتقال الى الاكوان الاخرى اللامرئيية من دون تركيز للفعل والمجهود البشري خارج الجسدية، وبمنحى التخلي من هيمنتها الطويلة، ذهابا الى تعزيز سلطة العقل على اعتباره اداة انتقالية غير مدركة، ولا مقدر بعدها واثرها الاستثنائي المختلف كليا، ف "العقل العقلي " هو غير "العقل الجسدي" الحالي المتعارف عليه، والمحكوم لممكنات الجسدية وشروطها، وعقل الخر وج من حكم الجسدية، هو قطعا وكليا غير العقل الحالي من حيث نوعية الادراكية الاعقالية، ولدينا هنا ما يمكن مقارنته مثلا بين العقل الذي كان موجودا ابان الطور الحيواني وطغيانه، مقارنه بالعقل بعد الانتصاب واستعمال اليدين والنطقية.
انقلاب هائل لا يمكن للعقل الحالي تخيله، صارت متوفره أسباب انبثاقه ماديا وادراكيا ، هو بالاحرى المسار الطبيعي للانقلاب الالي بخلاف مايشاع عنه من توهمية قصورية تضعه بموقع التعاقبية الوراثية التبسيطيه مع الطور اليدوي، ومع الجمود الاولي الابتدائي من دون تحر عن احتمالية مختلفة لتلك المعروفه يدويا، مع ما ينطوي عليه اجمالي الموقف من الانقلابيه المستجده من نظر جاهز ومسبق، بلا انتظار للاحتمالية الواجبة الافتراض منطقا، بالاخص بناء لدخول عنصر اساس ضمن كينونة وديناميات الظاهرة المجتمعية، ومايتولد عن ذلك من اصطراعية بنيوية مجتمعية غير مسبوقة، مع نتائجها غير القابله للاستكناه ابتداء، علما بانها لحظة انقلابيه وبداية طور اخر مختلف.
وكل طور بحسب نوعه له مقتضيات موافقه لطبيعته حتما، واذ تزول ممكنات الجسدية والاحتكام لها ولمتطلباتها وحدودها، فان محركات وموجبات الوجود والاستمرار تتغير بجملتها منقلبة هي الاخرى، الامر الذي يتكفل به مسار الاشياء وماينتظمها من قانون تفاعلي تاريخي، حري بان يتجاوز لحظة الالية اليدوية الاولى الاوربيه منظورا ونموذجا، مع مايعتورها وتتسبب به من تهيئة للاسباب اللازمة والضرورية لبدء تغلب الانقلابيه الوجودية الثانيه، العقلية مكان الجسدية.
تسود ابان الانقلابيه الاليه حالة تواز بين مسارين، الارضوي الاوربي الالي التوهمي، يقابله اللاارضوي غيرالناطق المابين نهريني، وبينما تمر اوربا بفترات التفاعلية الالية ابتداء من القرن السابع عشر، تعرف ارض الرافدين بموازاتها ومقابلها الانبعاث الثالث الراهن الحالي المستمر من القرن السادس عشر في ذات ارض سومر الاولى، بعد الدورتين الاولى السومرية البابلية الابراهيمية، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، وما فصل بينهما من انقطاع هو حكم القانون الناظم لتاريخ هذا الموضع الازدواجي من العالم ما بين الدورات، وبمقابل المتغيرات الاوربية الانقلابيه تظل منطقة الازدواج بلا نطقية، تمر بفترات تتعاقب بين القبليّة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، ثم الانتظارية النجفية بين القرن الثامن عشر والعشرين، وصولا الى الالية التوهمية الافنائية الاستعمارية، وقت يدخل الموضع اللاارضوي ساعة الاصطراع الافنائي بين طبيعته ونوعه النمطي الكوني المتعدي للكيانيه، والالية اليدوية الكيانوية التسلطية الاوربية نموذجا، حين يسود من وقته مفهوم "الوطنيه الايهامية" العراقية الايديلوجية الويرلندية الاتباعية / التحررية بالمنظور المستعار الغربي الايهامي/ على مدى يفوق القرن، تظل النطقية الذاتيه "الوطن كونيه العراقية" ابانه غائبة، بينما النموذجية الغالبة التوهمية الاوربية تتجاوز مدى استمرارها، وتقارب انتهاء الصلاحية بعد بدء افول النموذج الثاني المتغلب النهائي الاكبر بينها، وممثلهاالامريكي المفقس خارج رحم التاريخ، عند محطة العولمه وتجاوز وسيله الانتاج للنموذج الكياني والانتاجية الارضوية.
ـ يتبع ـ ملحق: ديناميات الانقلاب الالي اللاارضوي.
***
عبد الأمير الركابي