آراء

عبد الجبار نوري: تدهور الدينار العراقي.. غثاثة سياسية وأقتصادية!؟

شهد الدينار العراقي أضطرابات في ديناميكية أستقرارهِ الوطني مع غريمه المستديم الدولار الأمريكي، ونحن في نهايات العام 2024 حيث وصل في السوق الموازي صعودا مقلقا غير مرحب به حيث تخطا حاجز ال150 ألف دينار مقابل 100 دولار أمريكي وحسب أعتقاد خبراء الأقتصاد أنهُ في تصاعد مستمر وربما يصل إلى الرقم المرعب والمخيف ألـ(200) ألف دينارعراقي وهو أحتمال وارد طالما هو ألعوبة بيد المضاربين وحيتان تجار العملة، وكان بيان الحكومة الأتحادية أيجابي بتبني رئيس الوزراء السوداني يوم أمس الأثنين 7-10- بضرورة معالجة ظاهرة هبوط الدينار العراقي ومحاسبة المضاربين وتجار العملة، وصرح للصحافة والأعلام: بأن موقف الحكومة أيجابي وجاد في المعالجة و(لكن) المشكلة في كمية ضخامة النقد لدى المضاربين؟.

العوامل الأقتصادية والسياسية المؤثرة على صرف الدينار العراقي!؟:

- تعويم العملة المحلية: وهي من الشروط التعسفية لصندوق النقد الدولي بدل أن ينصح في معالجة حدوث العجز في الميزانية فهو يلجأ إلى أخبث الطرق الذي هو تعويم العملة والذي يعني جعل سعر الصرف محرراً بالكامل عن سلطة الدولة والبنك المركزي، حينها يتحكم بهِ المضاربون وحيتان العملة الأجنبية مما يفرز أرتباكا وفوضى في السوق المحلية.

- ظاهرة غسيل الأموال Mony Laudering الشائعة اليومية في مزاد العملة للبنك المركزي، إن الأصطلاح عصري بديل للأقتصاد الخفي أو الأقتصاديات السوداء أو أقتصاديات الظل فهي الأموال المكتسبة الغير مشروعة، مصدرها الرشوة والأختلاس والغش التجاري وتزوير النقود وتهريب النفط وتهريب الآثار وتهريب البشر والأطفال والأتجار بالأعضاء البشرية وريعية نوادي القمار (الوار) والدعارة وتصنيع النباتات المخدرة وأختطاف وأحتجازالأشخاص (تخلط) بأموال مشروعة لأخفاء مصدرها الحرام والخروج من المساءلة القانونية بعد تظليل الجهات الأمنية.

- السياسات النقدية: إن قرارات البنك المركزي العراقي بشأن السياسات النقدية وأسعار الفائدة لها تأثير كبير على قيمة الدينار العراقي إن أي تغيير في هذه السياسات يمكن أن يؤثر إما بزيادة أو خفض قيمة الدينار.

- أسعار النفط: العراق يعتمد بشكل كبيرعلى صادرات النفط لتمويل أقتصاده، فأي تذبذب في أسعار النفط العالمية يؤثر بشكل مباشر على أستقرار السوق  العراقي.

- الوضع السياسي والأمني: الأستقرار السياسي والأمني يلعبُ دوراً كبيراً في تحديد الثقة في الأقتصاد العراقي وأي توترات وصراعات تؤثر سلباً على قيمة الدينار.

- التضخم: إذا كان هناك تضخم مرتفع في الأقتصاد العراقي فسيؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للدينار مما قد يؤدي إلى أنخفاض قيمتهُ مقابل العملات الأخرى، وتكون فاتورتهُ ثقيلة على المواطن العراقي بأرتفاع فوضوي لأسعار السلع والخدمات.

- الطلب والعرض على العملة وخاصة الدول المرتبطة بالدولار مثل العراق، إذا كان هناك طلب كبير على الدولار الأمريكي فقد يؤدي ذلك إلى أنخفاض قيمة الدينار العراقي وبالعكس.

- نحن مثقلون بمسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مسؤولية وطنية لمواجهة البعد الأنساني المغيّبْ اليوم، بفضل تدني الوعي الطبقي وأشاعة الفئوية والهوياتية التي أرّقتْ تقاطعات وجودنا وتلك منسلخة من موجات الفوضى الغائصة في مستنقع نظريات التفكك والأنقسام والفوضى التدميرية بقيادة البعض من أعداء المسيرة الديمقراطية الجديدة من سماسرة حيتان العملات الأجنبية والمضاربين

- أن أعلان الحرب على الفساد المالي ولو جاء متأخرا ويبقى الحضورأفضل من الغياب، وأن الفساد المالي والأداري هو سبب كل الأشكالات المتفاقمة على المجتمع وسبب مباشر في فشل المشاريع التنموية وظهور تداعيات الفساد الأداري والمالي ومردوداتها السلبية والأستلابية على عموم المجتمع العراقي، وبالتأكيد أن هذه الظواهر الأقتصادية المعيبة تؤدي حتماً إلى الفوضى السياسية والتي سببها ذاتوية تدفع الفرد للتقمّص بالنرجسية، وربما عن حب الظهور وأسقاط الآخرين أو ربما وربما لدعوات أنتخابية فكلها تؤدي إلى غياب الموضوعية وبالتالي نواجه كارثة حالة تدهور قيمة الدينار العراقي الذي يستلب منا فاتورة غلا ء الأسعارفي السوق المحلية.

- ولآن الحكومات المتعاقبة على السلطة بعد 2004 ولحد اليوم (غير) جادة في مكافحة الفساد الأداري ونهب المال العام لذا أصبح ينخرعظم المجتمع العراقي وأنتشرت تلك الظاهرة الطفيلية لترقى أن تكون شبحاً مخيفاً بهيئة مؤسسات يديرها مافيات أحرقت الأخضر فالأخضر ثُمّ اليابس، وعجز في ميزانية الدولة بمقدار 37 ملياردولار ناهيك عن أرتهان البلد بديون خارجية بسبب الفساد الأداري ونهب المال العام، مما أضطرّ العراق – وهي الكارثة الكبرى – أن يلتجأ إلى (صندوق النقد الدولي) في الأستدانة لسد العجز ووقوع العراق ضمن هذا الأختبوط الرأسمالي بدفع الحكومة لنهج فوضوي أرتجالي غير مدروس من الناحية الأقتصادية، مما يؤدي إلى تغول الدولار الأمريكي.

- وأن الجميع متفق اليوم حول ضعف تدابير سير المالية العامة في بلادنا حيث التردي في الأداء وغياب الشفافية ومواكبة المعلوماتية الرقمية المعصرنة، وجمود وتخلف في سن القوانين الداعمة لثقافة النهوض والألتحاق بالدول المتقدمة بل تقادم في تطبيق قوانين قديمة ربما ترجع لعهد مجلس قيادة الثورة المنحل، ولكن مع هذا وهذه أني لستُ سوداوياً في مبادرة مكافحة الفساد صحيح أنها ليست سهلة بيد أنها ليست صعبة فيما أذا تجاوزنا الخطوط الهوياتية والفئوية ووحدنا الخطاب السياسي ووجهنا بوصلتنا حسب ثقافة المواطنة والولاء المطلق لتربة العراق وأستحضار أرواح شهداء أمتنا الذين ضحوا بالجود بالدم من أجل الكلمة الحرة ودفع الظلم والشر عن وطننا!؟

إذاً ما الحل؟! وكيف نقرأ مستقبل حضرة الدينارالعراقي (قُدس سرهُ)!؟

من الصعب التنبؤ بدقة أتجاه الدينار العراقي وهناك بعض الحلول المتاحة التي قد تشير إلى تحسن مستقبلي محتمل، وإذا تفهم الجميع ثقافة (المواطنة) بأن المواطن هو مصدر المال العام لكونه المشمول بألأقتطاع الضريبي فهو يعتبر محور التنمية ومحرك التأريخ فيجب الأرتباط بهِ وحمايته والعمل على خدمته لتوفير العيش الكريم لهُ، أنطلاقا من هذه الديباجة المتواضعة أطرح بعض هذه الآراء التي تعلمتها من أساتذتي الكبار في موضوع الأقتصاد السياسي:

- إذا تمكن العراق من تحقيق أستقرار سياسي وأمني أفضل، وتحقيق أصلاحات أقتصادية مستدامة فقد تؤدي ذلك إلى دعم الدينار.

- تحسين العلاقات الأقتصادية والتجارية مع الدول الأخرى وزيادة الأستثمارات الأجنبية قد تعزز قيمة الدينار العراقي.

- أستمرار أرتفاع أسعار النفط قد يعطي دفعة أيجابية للأقتصاد العراقي وبالتالي دعم العملة المحلية.

-أصلاح المالية العامة اليوم في وطننا العراق ننظر أليها ضمن سياقات تأريخية وسياسية وأجتماعية في عهدها الديمقراطي الجديد، فنكون ملزمين في أستثمار الجو الديمقرطي وحرياته في رسم هوية عراقية تشخصن تأريخها وقيمها السماوية والوضعية فتكون المحصّلة رسم هوية تحكمها فلسفة جديدة نسيجها العقلانية والتحديث الهادف والموضوعي، فالأنتفاضات والثورات غالباً ما كانت تحصل بسبب ضعف أو سوء تدبير مالية الدولة والجماعات في ظل أنعدام الشفافية في صرف النفقات، وضعف العدالة في فرض التكاليف وشيوع الفساد والفئوية والكتلوية ونظم الأمتيازات الغير مسبوقة في العراق.

- على مجلس النواب أن يكون لهُ دور ريادي في تشريع القوانين كقانون الكسب الغير مشروع، وقانون كشف الذمّة للمسؤولين أبتدءاً من السلطات الثلاثة وإلى جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية ويكون القانون تأديبيا صارماً كالنموذج الأردني/للأطلاع فقط : يعاقب القانون بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من حصل على ثراء غير مشروع لنفسهِ أو لغيره وبغرامة تعادل مقدار ذلك الأثراء، ورد مثلهِ إلى خزينة الدولة، ويعاقب القانون الأردني بالحبس أو بالغرامة أو بكلتا هاتين العقوبتين أي شخص شملتهُ أحكام القانون أذا تخلف دون عذر مشروع عن تقديم أقرارات (الذمّة) المالية رغم تكليفهِ لذلك، كما يعاقب بالحبس مدة ستة أشهر ألى ثلاث سنوات كل من قام بأي فعل من الأفعال التالية او قدم عمداً بيانات كاذبة عن الأثراء الغير مشروع.

- سماع رأي الحراك المدني الشعبي في الشارع العراقي بأحتجاجات مليونية بشعارات سلمية تدعو ألى أستمرار النضال ضد الفساد الأداري ونهب المال العام والأفلات من العقاب، وتفعيل المساءلة بحق المتورطين وفتح التحقيق الفوري ولا ضير أن تدوّلْ وتكون بأشراف الأمم المتحدة في العراق وفي كل وزارة على حده.

- محاربة الفساد تبدأ بأنهاء المحاصصة، أنشاء محكمة خاصة، بديلة عن الهيئات القضائية، وعدم ألغاء مكاتب المفتشين العموميين وتقديم ملفات الكسب الغير مشروع والكشف عن الفارين وأحالتهم ألى القضاء، ونشر ثقافة النزاهة والقيم الخلقية النبيلة بين أطياف الشعب، والتعاون مع الشرطة الدولية (الأنتربول) لتعريفه على المدانين في كشف ملفات الفساد، ضمان حيادية التحقيقات وعدم تأثرها بالصراع السياسي، والحذر من المطب الوبائي القاتل (المحاصصي والطائفي والقومي وحتى المناطقي) وأن الفساد والأرهاب وجهان لعملة واحدة (مقتبسات من جريدة الطريق / الشيوعي العراقي).

- التشديد على المتهم عند أدانته، ونتساءل: أية عدالة عندما نسمع عقوبة الجنايات العراقية تحكم  بسنة واحدة لسارق مليار دولار؟!! أو وقف التنفيذ لكبر سنه أو كونه موظف حكومي مستمر بالخدمة  وعدم مصادرة أمواله المنقولة والغير منقولة لرد أموال الدولة منهُ على الأقل، الأغلبية الساحقة من المجتمع العراقي يطلب الحل الجذري في مكافحة الفساد والجريمة الأقتصادية، من المفروض بحكومة السوداني أعتماد خطة عمل وخارطة طريق وحصرها (بخلية أزمة) متبع في مكافحة الأرهاب مستندة على ركائز قانونية ودستورية وبمشاركة لمنظمة حقوق الأنسان في العراق بالوقوف ضد الخونة والفاسدين وبائعي الوطن والضمير في تطبيق فقرة الدستور التي تخص أزدواجية الجنسية عند أصحاب القرار، وأصدار قائمة منع سفر بالمتهمين بسرقة المال العام أو هدره ومرتكبي الجرائم الأقتصادية المضرّة بالبلد والشعب.

- تشكيل لجان وهيئات قضائية لمتابعة الفساد في العراق بأمر وزاري، وتفعيل دور الهيئات المستقلة (لجان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والمفتشين العموميين) وهم أمام أمتحان وطني مجتمعي في أذكاء الوعي الوطني في ثقافة النزاهة أضافة ألى عملها الرقابي الذي ليس من الضروري أن يكون بوليسياً بل تربوياً ووطنياً وذلك لمنع الفساد ومحاربته ولآذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثل من خطر بالقيام بأنشطة أعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد، وكذلك نشر وعي مدرسي لتشمل المناهج المدرسية والجامعية، وأخيراً أنها رسالة ألى رئيس مجلس الوزراء أنها فرصتك الذهبية أمامك في مكافحة الأرهاب لأن المرجعية الدينية معاك وحشود الحراك المدني مؤيد لأستئصال الفساد في العراق والصوت العالمي للمواثيق الأممية في تكريس السلام والأمان والعيش الرغيد لبني البشر ونبني عراقاً آمناً محايداً بعيدا عن ظهور بؤر المحاور.

***

عبد الجبار نوري - أبورفاه

كاتب وباحث في الأقتصاد - مغترب

في أكتوبر-تشرين أول 2024

 

في المثقف اليوم