آراء

غريب دوحي: تهجير يهود العراق عام 1950م

ان اقدم تواجد لليهود في العراق يعود الى القرن الثامن قبل الميلاد على اثر الحملات العسكرية التي قادها ملك بابل (نبوخذ نصر) ضد مملكة إسرائيل ويهوذا فقد كانت الحملة الأولى في عام 597 قبل الميلاد حيث استولى على اورشليم وسبى اليهود الى بابل ومعهم ملكهم واخذ نبوخذ نصر جميع خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك وكسر كل آنية الذهب وقد سميت هذه العملية ب(السبي البابلي الأول) ثم تبعه السبي البابلي الثاني في عام 586 قبل الميلاد فاحتل اورشليم واحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت الاعيان وجاء بالاسرى وقدر عددهم بـ(50) الف شخص وقد سمح لهم نبو خذ نصر بالاستمرار في ممارسة طقوسهم الدينية و تكوين مجتمعهم الخاص بهم واصبحوا بعد فترة قصيرة من اغنى سكان بابل حيث اشتغلوا بالتجارة والربا واخذت اعدادهم بالتزايد حتى انهم في العصر العباسي استلموا مناصب مهمة في الدولة.

ونعود الى التاريخ القديم فانه بعد وفاة نبوخذنصر احتل الفرس بابل عام (539) قبل الميلاد بزعامه ملك الفرس (كورش) وقد تساهل مع اليهود وسمح لهم بالعودة الى فلسطين وذلك لكون امه (استير) فارسية فرجع الكثير منهم واصر الاخرين على البقاء في بابل ومنها انتشروا في المدن الرئيسية مثل بغداد والموصل والبصرة والعمارة  

تهجير يهود البصرة

رغم ان التهجير شمل يهود العراق في عام 1950م الا انني سأركز على يهود البصرة. نتيجة لهزيمة الجيوش العربية في الحرب العربية الإسرائيلية الولى عام 1948م امام الجيش الإسرائيلي كان رد فعل الحكومة العراقية آنذاك هو الانتقام من اليهود العراقيين في كل المدن العراقية بتهجيرهم من العراق واسقاط الجنسية العراقية عنهم , ولقد كان عدد يهود البصرة حسب إحصاء عام 1947م هو(10419) نسمة وقد تعرض يهود البصرة الى السرقة والنهب منذ احداث عام 1941م فيما يسمى بالفرهود الذي شمل محلات واملاك اليهود في البصرة والعشار كما تعرضوا أيضا الى القتل كما حصل في اعدام , التاجر اليهودي شفيق عدس الذي اعدم في عام 1948م الذي اتهم بالتجسس لصالح إسرائيل واتهم كذلك بشراء سكراب السيارات والدبابات والأسلحة المختلفة وتهريبها الى إيطاليا ثم الى إسرائيل وقد نفذ فيه حكم الإعدام شنقاً امام قصره .

وعند صدور قانون اسقاط الجنسية عنهم رفضوا مغادرة البصرة وسبب حبهم لهذا المدينة هو الحرية التي كانوا يتمتعون بها في المجتمع البصري المتسامح

قرارات الحكومة العراقية الخاصة بتهجير اليهود

لعب كل من توفيق السويدي رئيس وزراء العراق وصالح جبر وزير الداخلية دوراً كبير في مسألة تهجير يهود العراق الى فلسطين والتي استفادت منها إسرائيل حيث قامت الحكومة الإسرائيلية بتجنيد الشباب منهم في صفوف الجيش الإسرائيلي لمقاتلة العرب اثناء الحروب التي كانت تحصل بين الطرفين وتذكر المصادر التاريخية بان سكرتيرة صالح جبر وزير داخلية العراق كانت يهودية وكانت شقيقة الطبيب (كرجي ربيع) الذي كان مديراً لصحة مدينة القدس المحتلة قد لعبت دوراً كبيراً في هجرة عدد كبير من اليهود بشتى الوسائل الى ان صدر البيان رقم(1) من وزارة الداخلية العراقية سنة 1950م القاضي بأسقاط الجنسية العراقية من اليهود كما ان لصالح جبر علاقات قديمة مع الإنكليز ترجع الى سنوات الاحتلال البريطاني للعراق اثناء الحرب العالمية الأولى.

ونتيجة لكل هذه الجهود طلب من البرلمان العراقي عقد اجتماع لمناقشة ذيل مرسوم اسقاط الجنسية العراقية رقم(1) لسنة 1950 وقد نشر في الجريدة الرسمية يوم 9/آذار/1950م واصبح نافذ المفعول منذ تاريخ نشره ثم اتخذت الحكومة قراراً آخر بتجميد أموال الذين اسقطت جنسيتهم رقم(5) لسنة 1951م ثم انشاء دائرة (الأمانة العامة لمراقبة وإدارة أموال اليهود).

وفي آذار لسنة 1951 أصدرت الحكومة (قانون ذيل قانون أموال اليهود المسقطة عنهم الجنسية , كذلك أصدرت الحكومة عام 1951م (قانون التصرف باموال اليهود المجمدة وادارتها وتصفيتها ) وقد اوضحت فيه طريقة التصرف بالاموال المذكورة في بغداد وغيرها من الالوية العراقية.

وهكذا ساهمت هذه القرارات في مسألة تهجير اليهود من العراق الى فلسطين الا ان اعداد منهم رفض الهجرة وفضل البقاء في العراق كما هو الحال في مدينة البصرة حيث كان عدد من الطلاب اليهود معنا في المدارس وكانوا من الطلبة المتميزين في المستوى العلمي كما ان عدد من يهود بغداد من كبار مطربي المقامات العراقية وكان منهم من الملحنين الذين ساهموا في تلحين عدد كبير من الأغاني العراقية نذكر منهم الاخوين صالح الكويتي واخاه داود الكويتي حيث تم تسفيرهم الى فلسطين رغماً عنهما وقد بقيا في فلسطين حتى وفاتهما .

***

غريب دوحي

 

في المثقف اليوم