آراء

دوداي ستيوارت: حرب الشوارع

لماذا تذهب بعض أجمل أكواخ الطعام في نيويورك للعدم؟.

بقلم: دوداي ستيوارت

ترجمة: د. صالح الرزوق

***

في مساء يوم الجمعة، ومع هبوب النسمات، وفي مطعم إندوشاين، وهو في شارع لافاييت بمانهاتن  تسلل ضوء شمس الغروب من بين شقوق أغطية النوافذ وكانت امرأة شابة تشرب كوكتيل لايشي ساكيتيني، بالإضافة إلى جماعة من ستة اشخاص ينتظرون زجاجة من نبيذ روزي. وكانت أوراق النباتات تهتز في الأصص، وتنبعث موسيقا مرحة من مكبرات الصوت. اقترب النادل ومعه طبق لفافات الربيع المقلية، ومر  كلب مرهق ونظر بفضول إلى الداخل. ثم خيم صوت نفير شاحنة إطفاء الحريق لحظة عابرة على كل تلك الثرثرة والأفكار.  ولم نكن فعليا داخل إندوشاين، ولكننا في مطعم "الكوخ الاستوائي"، وهو سقيفة طعام محسنة تنتصب على جانب الطريق تحت رحمة جائحة كورونا.

وهذه ليست إحدى مقابر الفئران سيئة التنظيم التي تغطيها الرسومات  والمنتشرة في المدينة. ولكن لها أبواب تنزلق، ومزودة بسخانات، ومراوح سقفية، ومكبرات صوت، وكاميرات للمراقبة، وأضواء في أقفاص من البامبو. والموسيقا منتقاة من أنواع هادئة بالمقارنة مع ما يعزفه المطعم في الداخل. وتتسلق على الجدار الخلفي نباتات خضراء حية وغزيرة، وتحتها منصات ذات وسائد، مع مساند تحمل صورة أوراق الموز.

فضاء ناقل للرغبات الجنسية ويسهل عليك تناول وجبة الأرز الدبقة مع أضلاع صدر الخنزير.

بعد صدمة الجائحة، أوقفت المطاعم خدماتها في المدينة، وحولت صالات الطعام إلى أكواخ طعام نصبتها في المدينة، وكان بعضها أجمل من غيرها.   ومثل أشياء كثيرة في شوارع نيويورك، كانت الأكواخ مزعجة. اشتكى بعض السكان أنها تتسبب بالضجة وزيادة النفايات، وتقليل مستوى الحياة النوعية في المدينة. تأسس فريق أطلق على نفسه اسم Cue-Up، وهو اتحاد من جماعات محلية والاسم بالكامل "الجماعة المتحدة من أجل سياسة حضرية عادلة" ورفع شكوى قضائية على أكواخ الطعام. ولكن رفضت الدعوى، مع ذلك تابعت الجماعة الإعراب عن معارضتها.

وفي عام 2022 أعلن العمدة إيريك أدامز عن برنامج طعام دائم في الهواء الطلق - تحكمه قواعد جديدة. تضمن عدم السماح بإقامة بنية مغلقة على الأرصفة، وعدم السماح بتناول الطعام في الشارع في الشتاء، ابتداء من 30 تشرين الثاني وحتى 31 آذار.

وطالب البرنامج الجديد بإعادة تصميم الأكواخ لأن المدينة ترغب أن يتمكن السائق والمشاة من رؤية مساحات الطعام المتاحة، وأن يكون بمقدور عمال المطاعم تنظيف ما حولهم وما تحت أقدامهم، وأن  يسهل  على تلك الأماكن الموجودة في الشارع تفكيكها في نهاية الموسم كي لا تعيق ذوبان وكسح الثلوج.  

وعلى أي متجر أن يتقدم بطلب رخصة لتوفير مساحة إطعام في الهواء الطلق، ويبلغ رسوم مقهى الرصيف أو مقهى الممشى 1050 دولارا و 2100 إن كانت الرخصة تشمل كليهما، ويوجد رسم للجلسة العامة، وتأمينات ورسم شغر أماكن عامة، ويتوقف مقداره على المساحة التي يستعملها المطعم وموقع هذه المساحة. وأسعار الإيجار المرتفعة في مانهاتن هي الأعلى والأغلى.

وعلى المطاعم المشاركة في برنامج الإطعام بالهواء الطلق أن تتقدم بطلب عودة في 3 آب - أو عليهم فك أكواخهم وإزالتها. ولا بد من فك كل أكواخ الطعام بحلول شهر تشرين الثاني.

قالت ميرا جوشي نائبة العمدة لشؤون العمليات:"نضج البرنامج الذي تطور من حاجتنا له، ولدينا الآن معايير لضبط كل البنى المتخصصة بالطعام في الهواء الطلق، ولضمان جمالياتها وترتيبها، وأنها تعمل حسب الإجراءات العامة التي تحسن شروط النشاط  في الهواء الطلق في مدينة نيويورك".

وتلخص هدف المدينة بإيجاز:"لا مزيد من الأكواخ القبيحة".

وأكواخ إندوشاين، غير القبيحة، لا تتبع التعليمات الجديدة.

قال جين مارك هومارد، أحد أصحاب المطاعم، إنه على إندوشاين أن لا تقيم ما أوصت به معايير المدينة:"ليست نيويورك مكانا متكررا، وكل موضع مختلف عن غيره".

ويقول هومارد: بالنسبة لإندوشاين يبدو ذلك هبوطا بالنوعية، وقد أنفقوا على الأكواخ أكثر من 80 ألف دولار. ويضيف:"ولا بد أن تجذب الناس أكثر للجلوس في الهواء الطلق في لافاييت". وكان هومارد قد بدأ العمل في إندوشاين بصفة نادل عام 1986، وشق طريقه حتى بلغ مرتبة مدير وبعد ذلك مرتبة مالك. يقول بهذا السياق:"كنت أريد أن يبدو مثل فانتازيا استوائية أمام المطعم في الهواء الطلق. 

وهو ليس وحده من يتألم حين يرى ما أسسه يتعرض للإزالة.

ويوجد خارج مطعم جي ويز في تريبيكا بناء أخضر أخاذ بناه رون بريت، ويحاول الآن بيعه في أسواق الفيس بوك.

بريت نجار محلي يبلغ 52 عاما يهتم بتجهيزات الأفلام ويعيش بجوار المطعم. صمم كوخ المطعم الأصلي بسرعة وتابعه صاحب المطعم وطاقم المطبخ، ويقول بريت "إنه بناء عاجل"، وتطوع بتطويره. قال:"يمكنني أن أجعل من هذا الشيء مكانا أنيقا".

وأضاف جناحا مصغرا، له أرض من الألومنيوم عالي الخواص مع جدران مضافة. قال:"كنت أحاول أن أحيي به جو الحديقة المركزية". ويطلب بريت 5000 دولار. وتابع:"هذا يجعل منه كوخا مذهلا مؤنثا، أو ممشى على ضفاف بحيرة. وهو أجمل شيء بنيته". ويسعد بريت أن يزيله وأن يقدمه هدية إلى شخص آخر. وحسب قوله "الكثير من الإنتاج السينمائي قيد الانتظار، ويمكنني تنشيط  بعض الاعمال". وإن لم يرغب بشرائه أحد لدى بريت خطة تقضي "بنشره إلى أجزاء صغيرة، وسريعا يذهب للنفايات".

سيؤول كوخ إندوشاين  بمصيره ألى النفايات أيضا.

قالت نومارد:"للأسف إنها سوف تنتهي إلى مكب النفايات".

حتى الوسائد؟. ضحك وقال:"سأحتفظ بالوسائد". أضاف:"حازت على الإعجاب عدة مرات. ومن المؤسف أننا في النهاية سنزيل كل شيء. ولكن أعتقد أننا بخير. كل نيويورك تدخل دورة الطبيعة".

اعتادت نيويورك على طقس الطعام في الهواء الطلق، منذ قرون

لسنوات طويلة يوفر الطعام في الفضاء المفتوح في مدينة نيويورك  مقعدا أماميا لأحد أهم المشاهد في العالم: وهو مشهد المدينة ذاتها.

في عام 1934 التقطت اثنتان من سيدات المجتمع، السيدة ناتالي فان فليك والسيدة ثيلما كريسلير فوي،  صورة لهما وهما تتناولان  الكوكتيل على طاولة ناعمة قرب الزقاق السادس والحدبقة المركزية الجنوبية.

يظهر في صورة ثانية من عام 1934 اثنان أنيقان يتناولان الطعام على الممشى خارج مطعم هارلم.  تحت الصورة عبارة تقول:"مؤثرات باريس تغزو هارلم. وتظهر في الصورة واحدة من أوائل مقاهي الرصيف في هارلم. وهو في الزقاق السابع من برودواي هارلم.

ويبرز في صورة من عام 1975 كلب أفغاني ينضم إلى حفة طعام في دار شواء أو. هنري في قرية غرينيتش. ولدى المكتبة العامة في نيويورك نسخة محدثة من قائمة الطعام، ويبدو فيها أن تكلفة شريحة لحم الخاصرة بلغ 4.50 دولار. ويقول مراسل التايمز في تقرير كتبه عام 1933 عن مطاعم الرصيف: لا أحد سيدعي أن نيويورك هي مدينة مثالية للطعام في الفضاء المفتوح. فهو قذرة حتى حدائقها الريفية قذرة مع أن الوجبات تقدم في الخارج في الصيف ومنذ سنوات. والجو أقذر على الأرصفة في الزقاق الخامس السفلي حيث يضر صوت الأسلحة النارية وضجة المحركات والسيارات الشاحنة والعادية أناقة وجماليات الدردشة التي تعقب الطعام. والخدمة ليست رائعة. والمطابخ وغرف الحمامات بعيدة عن الرصيف حتى أن وجبة السبع أطباق تتعرض للتأخير المتكرر. وفي أفضل الأحوال الطعام على الرصيف في هذه الظروف متعة يجب موازنتها بالتخيل والرغبة.  يضيف النادل قائلا:"الفكرة هي التي تهمنا، وفكرة مقهى على الرصيف في نيويورك فكرة جميلة".

***

............................

* دوداي ستيوارت Dodai Stewart صحافية ومحررة في النيويورك تايمز.

 

في المثقف اليوم