آراء
فتحي الحبّوبي: طوفان غزّة..غضب وعتب على القادة العرب
يا أيّها الأحياء تحت الأرض عودوا... إنّ النّاس فوق الأرض قد ماتوا
الشاعر الفلسطيني محمود درويش
***
بعد محرقة غزّة التي لا تزال متواصلة منذ حوالي أسبوعين. تلك المحرقة التي تدمي الحجر قبل البشر، جاء موقف جامعة الدول العربية صنيعة بريطانيا لا يختلف جوهريّا عن الموقف الأمريكي الذي عبّر عنه رئيس "ديمقراطي !!!
وإن كان عذر الأمريكيين هو أنّهم لا يختلفون جوهريّا عن الصهاينة، فكلاهما هجّر السكّان الأصليين للارض، إن في أمريكا الشماليّة، أو في أرض فلسطين. وإن كان عذر أوروبا انّها لا تعدو أن تكون إلّا ذيلا من ذيول العم صام، فضلا عن عقدتها المزمنة من المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية، فإنّ جامعة الدول العربيّة بجميع أعضائها ال22 لا عذر لها ولهم، ولا بواكي لها ولهم، في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الامّة العربيّة، من هوان وضعف وإذلال و تدمير لكلّ مقدّراتها. وهو ما تجلّيه صور الدمارالشامل الذي اصاب ويصيب قطاع غزّة أمام انظار العالم "الحرّ" الذي يتفرّج باندهاش ولا يحرّك ساكنا.
لذلك، فقد سقطت ورقة التوت الاخيرة التي تستر عورتهم جميعا، إن في الشرق أو في الغرب، وسقطت معها كل المساحيق وأقنعة الزيف و النفاق التي لطالما ارتدتها الدول الغربية كما العربيّة لسنوات طويلة، وراوغت بها شعوب المنطقة العربيّة، لتغطّي بها عورتها كريهة الرّائحة، يشاركها في ذلك "بيت العرب" الموسوم، من باب التجوّز، بجامعة الدول العربيّة " فيما كان من الأفضل أن تسمّى بجائحة الدول العربيّة. وذلك، إنسجاما مع الكوارث التي سبّبتها للعرب. ولعل قرار المشاركة في حرب الخليج الثانية/ الثلاثينيّة ضد العراق فيما سمّي بعاصفة الصحراء" أفضل دليل على أنّ تغييبها أفضل من وجودها. لذلك، فأي كلمة تسمع للحكّام العرب لدى شعوبهم بعد اليوم؟، و اي موقف بعد اليوم له وزن؟ ل"جائحة الدول العربية" التي تصيب الشعوب العربية، بعد كلّ اجتماع تعقده، بأخطر الأمراض القاتلة، لغباوة وحمق وتفاهة قراراتها التي لا مكان لها حتّى في مزبلة التاريخ، ضرورة أنّها بالفاظ فضفاضة خاوية تدلّ على الشيء وضدّه، بما يعني، بين ألأسطر- بعد تفكيك الشفرات- أنّها لا تدعم ضمنيّا سوي العدو الجلّاد، ولا تناصر، بل تدين الضحيّة بتوظيف التورية، رغم أنّه شقيق من أبناء "جلدتها". يحدث هذا، وهي المسمّاة زيفا وتعمية بجامعة الدول العربية، فيما هي حقيقة وواقعا، تكاد تكون جامعة الدول "العبريّة" بحكم الوزن النسبي لأعضائها المطبّعين في المنطقة. هذا، علاوة على أنّ الجامعة/ الجامحة العربيّة / العبريّة،.هي الآن في طور الموت السريري. وهي في أفضل حالاتها مشلولة الحركة، واهنة وغير قادرة على جمع وتوحيد، الأنظمة العربيّة المتشظية وعديمة الوزن في ميزان القوى الدولية. ذلك أنّ هذه الدول متباينة المواقف، بين أقليّة قليلة، مؤيّدة، داعمة ومناصرة بقوة للقضية الفلسطينية، وأغلبيّة، إمّا مطبّعة مع الكيان الصهيوني المسخ، وبالتالي تقف في صفّه، سرّا وعلانيّة، أو متخاذلة، منافقة، لا بل متواطئة تتظاهر بالدعم في العلانية وتتواطأ سرّا مع العدو. ليس هذا فحسب، بل إنّ الجائحة العربية عاجزة، أيضا، حتى على جمع وتوحيد الشعوب العربية الغاضبة، الهادرة، التي هي حكما وحقيقة وواقعا على قلب رجل واحد، مع حق الشعب االفلسطيني الأبي، المناضل الميداني الحقّ و الوحيد في غزّة الشهيدة، نيابة عن كلّ الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية -الخانعة، المنبطحة لبني صهيون- في الضفة الغربية. لا بل ونيابة عن كل الحكومات العربية الكرتونية / الربوتية التي تتحرّك وتنقاد.عن بعد بالرموكنترول الأمريكي، كما الغربي ولو بدرجة أقلّ. وإلّا فماذا يعني أن بكون الموقف المصري من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولا تزال، ردّا على عمليّية طوفان الاقصى المجيدة وفائقة الدقّة، أقلّ من الحدّ الأدنى المطلوب من غير دول الطوق، مثل الجزائر وتونس التي كانتا كلتيهما إمّا متحفطة أومعترضة على بيان الجائحة الجامعة للدول العربية في الغرض. وهو أضعف الإيمان. لقد كان بيانا هزيلا يسوّي بين الضحيّة والجلّاد دون تمييز بين صاحب الأرض ومغتصبها، ودون اعتبار عدم التكافؤ في موازين القوى، ولا لتاريخ الصراع ولا لظلم الجغرافيا لأهالي غزّة المحاصرة من كلّ.جانب.بحيث تكاد تكون سجنا مترامي الأطراف مابين البحر و دولة الاحتلال. لقد تعمدّت عدم ذكر المواقف كما تفوّه بها أصحابها، لأنّي أقدّر أنّها لا تستحقّ الذكر من فرط خفوتها وضعفها الذي بلغ منتهاه. فضلا عن انحيازها الواضح للعدو الصهيوني الغاشم، المغتصب للأرض والعرض. هذا الموقف العربي الهزيل في مجمله، شجّع العدو في التمادي في سفك الدماء البريئة لأهالي غزّة بأكثرجرأة و ذراوة وعنف ووحشية، بما جعلهم يعيشون الجحيم تحت حمم القذائف الناريّة الأمركيّة الصنع. وهو ما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، لا مع المغول وما فعله هولاكو في بغداد من تدمير وإبادة جماعيّة للسكان رغم فداحته ووحشيته، ولا مع الطاغية نيرون الذي أحرق روما، ولا مع غيرهم من الطغاة المعاصرين، من هتلر النازي، وموسوليني الفاشي، وستالين الرجل الحديدي قاتل الملايين إلى الصهيوني شارون وفضاعاته إلى ميلوزفيتش سفّاح كوسوفو إلى بوش الأبن "المبعوث الالهي" المجنون الذي غزا العراق... بعد المذابح اليوميّة المروّعة لبني صهيون، التي تقترف في حقّ المدنيين في غزّة الشهيدة، على مدار الساعة، المنقولة صورة وصوتا على المباشر، فانّ أقلّ ما يقال في الموقف العربي ذي العلاقة، أنّه كان موقف الجبناء المرتعيشين، الذين لا حول ولا قوّة لهم.
"لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها وحتى سامها كل مفلس".
فلولا هزال الموقف العربي لما أقدم الرئيس الأمريكي"الديمقراطي" جو بايدن، على حضور مداولات المجلس الحربي لدولة الإحتلال. في سابقة هي الاخرى، لم يجرؤ على القيام بها أي رئيس أمريكي سواه، مهما كانت درجة تأييده للكيان المسخ للعدو. ثمّ يعطي، بصلف وعنجهية و تحدّ واضح واهانة ما بعدها اهانة للأمّة العربية الإسلامية، يعطي الضوء الاخضر لكيان بني صهيون لينهش اللحم الفلسطيني، لا في غزةّ فقط، بل وكذلك في الضفّة الغربيّة. وذلك لأجل غير مسمّى- متى شاء وحيث ما شاء- الى أن يشفي غليله من وقع الصدمة التي لحقته من خسارته المدويّة يوم 7 أكتوبر 2023. وكذا من إهانة جنوده أمام العالم. تلك الإهانة التي لن تنمحي من ذاكرته جيلا بعد جيل. ليس هذا فقط، فالرئيس الامريكي شجّعه الخنوع والإذعان العربي الرسمي على تخطّي الحواجز النفسبة للذهنيّة العربيّة في علاقة بقادتها، بما جعله لا يحترم الرئيس المصري في سياق أحد تصريحاته، حيث قال متحدثا عن السيسي رئيس أكبر دولة عربية "صاحبة أكبر انتصار على العدو سنة 1973 قبل أن تدخل القوى العضمى على الخطّ وتحوّله إلى ما يشبه الهزيمة. قال عنه "إنّه يستحقّ بعض الاحترام". فان كان ذلك كذلك فهل يبقى داع لاحترام "فخامة" الرؤساء و"جلالة" الملوك و فداة الأمراء؟!! لا بل وهل يبقى داع مهما تضاءل لاحترام أضعف هؤلاء. وهو محمود عبّاس، الرئيس المنزوع الصلاحيّات، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي قال- قبل ان يتراجع بعد فوات الأوان- "المقاومة لا تمثّلنا". فعلا لقد هزلت. ولا أزيد عن ذلك فالضرب في الميب حرام. وقديما قال المتنبّي:
ذَلَّ مَن يَغبِطُ الذَليلَ بِعَيشٍ
رُبَّ عَيشٍ أَخَفُّ مِنهُ الحِمامُ
*
كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ
حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ
*
مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ
ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ
***
المهندس فتحي الحبّوبي