آراء
كريم المظفر: هل سترد موسكو على محاولة مصادرة أصولها؟
تصريحات نائب وزير الخارجية البريطاني، ليو دوكرتي، بأن بلاده وحلفاءها الغربيين عاجزون حتى اللحظة عن إيجاد وسيلة قانونية لمصادرة الأصول الروسية المجمدة بشكل دائم لاستخدامها في إعادة إعمار أوكرانيا، يعكس حالة الحرج واليأس لدى بريطانيا والغرب والولايات المتحدة في إيجاد حتى الآن حلا قانونيا موثوقا لتنفيذ الالتزام باستخدام الأصول الروسية لصالح أوكرانيا على المستوى المناسب، بالرغم من تقديمهم عددا من مشاريع القوانين للنظر فيها، وحتى تم اعتماد بعضها، فالهدف كما يقول دوكرتي " هو العثور على مسار قانوني عملي لإعادة توجيه الأصول الروسية إلى أوكرانيا"، حيث تلفت بريطانيا الى انها تدرس "جميع السبل الممكنة" لمصادرة الأصول الروسية المجمدة، وأن هذه العملية تتطلب إبداعا ونهجا مبتكرا لتحقيق المراد .
فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أدرجت بريطانيا أكثر من 1500 فرد ومؤسسة ومنظمة روسية ضمن قائمتها السوداء، كما جمدت أكثر من 18 مليار جنيه استرليني (23 مليار دولار) من أصولهم، وفي 19 يونيو، قدمت وزارة الخارجية البريطانية مشروع قانون جديد يسمح بالإبقاء على العقوبات ضد روسيا حتى تدفع موسكو تعويضات إلى كييف، في حين بحث مجلس العموم البريطاني، مبادرة مقدمة من قبل حزب العمال المعارض، باستخدام الأصول الروسية المجمدة لإعادة إعمار أوكرانيا عقب انتهاء الصراع، حيث ترفض بريطانيا وكما ذكرت صحيفة "ذا غارديان" تحمل التزامات بشأن مصادرة أموال البنك المركزي الروسي الموجودة في بريطانيا، خشية إنشاء سابقة تعطل النظام المالي الدولي وتثير إجراءات ردع بحق بريطانيا، وتشير الصحيفة، إلى أن الاستراتيجية التي تصبح أكثر شعبية في الغرب تقضي بأن الدول الغربية ستحتجز الأصول الروسية حتى توافق موسكو على تعويض أوكرانيا بدلا من مصادرتها نهائيا.
بدورها فإن دول في الاتحاد الأوروبي ، طالبت المفوضية الأوروبية بتأجيل مقترحاتها لسبل التصرّف بالأصول الروسية المجمدة في دول الاتحاد بموجب العقوبات الغربية، وأفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن عددا من الدول الأوروبية تقترح أن تنتظر المفوضية الأوروبية، لتقديم مقترحاتها بشأن استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة، لما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من مشكلات قانونية ومالية، فضلا عن تقويض ثقة الدول الأجنبية في سلامة الأصول المخزنة في أوروبا، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في وقت سابق إن المفوضية ستقدم اقتراحا، قبل العطلة الصيفية، بشأن استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا.
ووعدت المفوضية الأوروبية على مدار أسابيع بمقترحات مفصلة حول كيفية إعادة توجيه الإيرادات لدعم تعافي أوكرانيا، إلا أن هذه الخطوة تحمل في طياتها مشكلات قانونية ومالية، فيما تضغط بعض العواصم بشكل خاص على المفوضية لتعليق مقترحاتها، ونقل عن مصادر مطلعة، أن البنك المركزي الأوروبي حذر المفوضية الأوروبية ، من إعادة توجيه المدفوعات على سندات البنك المركزي الروسي لمساعدة أوكرانيا، لأن هذا سوف يقوض الثقة في اليورو كعملة عالمية، وتشير صحيفة " الفايننشال تايمز " إلى أن دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشدة حول هذه القضية، حيث يخشون من أن الاقتراح الجذري يمكن أن يقوض ثقة الدول الأجنبية في أمن الأصول الموجودة في أوروبا، وصرح مسؤول ألماني بأن بعض الدول الأجنبية يمكن أن تخفض احتياطياتها باليورو خوفا من العقوبات، كما نقل عن مسؤول أوروبي لم يذكر اسمه قوله إن "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لإقناع الدول الأعضاء".
من جانبه، يرى الكرملين بأن تبني مثل هذه القرارات "سيكون خطوة أخرى على طريق انتهاك كافة قواعد وأعراف القانون الدولي"، وأن موسكو "ستبحث في السبل لمحاربة ذلك"، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة من قبل المفوضية الأوروبية حول إمكانية استخدام الأصول الروسية المجمدة لاحتياجات إعادة إعمار أوكرانيا، إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي أساس تشريعي لمثل هذه الإجراءات في الاتحاد الأوروبي، في حين وصفت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تجميد الأصول الروسية في أوروبا بـ "السرقة"، مشيرة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي لا تستهدف الأموال الخاصة فحسب، وإنما أصول الدولة الروسية أيضا ، وحذرت بالفعل من اتخاذ إجراءات انتقامية في حالة مصادرة الأصول الروسية في الاتحاد الأوروبي.
وكما هو معروف فقد تم الاستيلاء على حوالي 300 مليار دولار منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة، ة في أوروبا القديمة، بعد ذلك، قرر الغرب معرفة كيفية سحبها "قانونياً" ونقلها إلى نظام زيلينسكي، حتى لا تتأثر ضمانات حرمة الودائع، والآن استمرت قصة احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية المجمدة، لدى روسيا ما تجيب عليه، " على الغرب أن يدفع ، فإذا سلبت أموالهم من الروس، فلن يخاطر الشركاء الرئيسيون الآخرون بالاستمرار في تخزين الأصول في الغرب، مدركين أنه يمكنهم فعل الشيء نفسه معهم، وهكذا أبلغ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك العالم بالخطة التي يمكن من خلالها سرقة الأموال الروسية بطريقة "حضارية "، بانه يجب على روسيا أن تدفع ثمن تدمير أوكرانيا، لذلك " نحن نعمل على مشروع يسمح باستخدام الأصول الروسية المجمدة.
وبهذه الكلمات من البريطاني، كانت "النخبة المدعومة" الأوكرانية، التي اعتادت التجول حول العالم بأيدي ممدودة، سعيدة للغاية، فقد قال المستشار الاقتصادي لزيلينسكي أوليغ أوستينكو ، ودون تردد أن كييف ستكون المستفيدة من السرقة الغربية، وأضاف "نحن لا ندفع قروضنا الآن، لكن لا تنسوا أن 350 مليار دولار من احتياطياتهم (الروس) من الذهب والعملات الأجنبية و 150 مليار من أموال تسمياتهم قد تم حجزها من روسيا " وان لدى أوكرانيا ديون أقل بعشرة أضعاف، ويمكن استخدام بعضها، وبالتالي سينمو الاقتصاد الأوكراني ، وسيأتي المستثمرون، وتغطية الديون بجزء مما يأخذ من روسيا.
رجال الأعمال الغربيين، ليسوا راضين عن تلاعبات ساستهم، فبعد كل شيء، ردت روسيا بشكل متناسب على مثل هذا الفوضى الإجرامية بـ "شكل بمليارات الدولارات"، فقد منع البنك المركزي المستثمرين الأجانب من سحب الأموال من نظام روسيا المالي، وبحسب بعض التقديرات فإن الحديث يدور عن أكثر من 500 مليار دولار، وأعرب المحلل المالي ألكسندر رازوفاييف عن رأي مفاده أن مصير احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية لم يتحدد بشكل نهائي، وتجري مفاوضات سرية بشأنها، وان المعلومات الواردة من الغرب متناقضة، على سبيل المثال، قالت بلومبيرغ، إنه لا توجد أسس قانونية لتحويل الأموال إلى روسيا إلى أوكرانيا.
وبالطبع، قد تكون بعض هذه الأموال لغير المقيمين روسية، ولكن حتى في هذه الحالة، فإن التقدير التقريبي للأموال المحجوبة لغير المقيمين من الدول غير الصديقة سيكون في حدود 300 مليار دولار، لكن هناك أيضًا اعتبارات أكثر جرأة، ووفقًا لخبراء الاقتصاد، يبلغ إجمالي أصول المستثمرين الأجانب في مختلف الأدوات المالية أكثر من 1 تريليون دولار، وقد جمدت الحكومة الروسية حوالي 300 مليار دولار من أصول الدول غير الصديقة، ردًا على إجراءات مماثلة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، ويتذكر ألكسندر أرسكي، الأستاذ المشارك في كلية الاقتصاد بجامعة RUDN. "حاليا، يجري النظر في مسألة التبادل المتبادل للأصول المجمدة، الأمر الذي سيستغرق وقتا طويل .
لذا فإن لدى روسيا بالتأكيد شيئًا للرد على الأعداء بمصادرة أصولها ، لكن ما إذا كانت القيادة السياسية ستتصرف بهذه الطريقة هو سؤال كبير، فما هو على المحك هو ثقة المستثمرين الأجانب من البلدان الصديقة والمحايدة الذين يستثمرون في الاقتصاد الروسي ويراقبون عن كثب مسار الصراع، وبشكل عام، في حالة التحويل الحقيقي للأموال الروسية إلى الجانب الأوكراني، ستواجه السلطة الروسية خيارًا صعبًا للغاية.
***
بقلم: الدكتور كريم المظفر