آراء
محمد جواد فارس: البشرية اليوم في نضال دؤوب من أجل تغير العالم
البشرية اليوم في نضال دؤوب من أجل تغير العالم إلى تعددية الاقطاب بدل القطب الواحد.
سيأتي وقت يكون فيه هذا الحاضر ذكرى، وسيتحدث الناس عن عصر عظيم وعن أبطال مجهولين صنعوا التاريخ، وليكن معلوما أنهم ما كانوا أبطالا، انهم بشر لهم أسماء وقسمات وتطلعات وامال، وأن عذبات أصغر هؤلاء شأنا ما كانت اقل من عذابات من خلدن أسماهم.
(يوليوس فوتشك)
لقد عانت البشرية معانات كلفتها الكثير من الخسائر البشرية بالدرجة الأولى وكذلك المالية والاقتصادية والاحتلالات لبلدنا، من خلال الحروب التي اندلعت في القرن العشرين الأولى ادت بسقوط الدولة العثمانية التي سيطرت على الكثير من البلدان، وكان الدين الاسلامي، الذي سارت رافعة رايته حتى فاتحة في استمرار البلدان الأوربية ذات التوجيهات الدينية، اليهودية والمسحية، وانتهت الحرب العالمية الأولى، إلى سقوط الدولة العثمانية في المشرق والمغرب، وهيمنت دول استعمارية جديدة على الكثير من البلدان سيطرة فرنسا وانكلترا على بلدان الشرق الأوسط، وفي أفريقيا غزا الاستعمار البلجيكي دولة الكونغو وغزت البرتغال دولة انغولا وغينيا بيساو وموزنبيق، كما هو معروف ان الاستعمار لهذا البلدان جاء من أجل نهب ثروتها الطبيعية مثل النفط والغاز والكبريت والذهب واليورانيوم والقهوة والكاكو وغيرها من المعادن وكذلك المحاصيل الزراعية.
وجاء المستوطنون البريطانيون البيض الى جنوب افريقيا واحتلوها واقوموا دولة المستوطنين البيض وضطدهدوا سكانها الاصليين من ذو البشرة السوداء وتعاملوا معهم بمبدأ العبودية، ولم يدم بقائهم بنهب ثروات الشعوب وتعاملهم تعامل (السيد للعبد) وحتى طال الزمن ام قصر.
و بدء أدلوف هتلر وحزبه النازي في نهايةالثلاثينات من القرن الماضي بشن الحرب على دول اوربا وسيطر على دول في اوربا واحتلالها الواحدة تلو الاخرى، حتى نقض اتفاقية عدم الاعتداء مع الدولة الاشتراكية السوفيتية، وبدء الحرب على بلد السوفيت واحتل أجزاء كبيرة وفرض الحصار على المدن الرئيسية ومنهامدينة لينينغراد والذي دام الحصار لفترة طويلة عانى من هذا الحصار سكان المدينة البطلة، وعندما أنتهت الحرب في التاسع من أيار عام 1945 ، برفع راية الجيش الأحمر السوفيتي على الرايخستاغ الألماني وانتحر هتلر، وعقد مؤتمر يالطا للدول المشاركة في الانتصار، حيث شارك فيه جوزيف ستالين والحلفاء، ونستن تشرشل رئيس وزراء المملكة المتحدة وكذلك رئيس الولايات المتحدة الامريكية روزفلت، وفي هذا المؤتمر تشكلت سياسة الاقطاب التي شاركت بهزيمة النازية الهتلرية والفاشية الإيطالية بقيادة موسليني، وتشكلت الأمم المتحدة ومجلس امنها بعد عصبة الأمم، ولقد لعب الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية المشكلة بعد الانتصار، دورا كبيرا في مساندة حركات التحرر الوطني في اسيا وأفريقيا للتخلص من الاستعمار بكل أشكاله، وذلك بتقديم المعونات المالية والاقتصادية ودعم القوى والاحزاب الوطنية فيها، وكان للدول الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة، أن تشكل حلفا عسكريا سمي بحلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) وضم دول اوربا الغربية وأقيمت في بلدانها قواعد عسكرية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية بحجة الخوف من التمدد ما سمي انذاك بالخطر الشيوعي، مما جعل الاتحاد السوفيتي أن يقوم بخطوة مماثلة، بتشكيل حلف عسكري سمي بحلف وارشوا باسم عاصمة جمهورية بولونيا الاشتراكية، وأصبح هذا الحلف الند لحلف الناتو.
و في قيادة ميخائيل غربوتشوف للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وطرح برنامجه في (العلانية وإعادة البناء)، استغل الغرب ومجموعة من داخل الحزب وفي مقدمتهم بوريس يلسن تدهور الوضع الاقتصادي وبدء التامر على الحزب والسلطة السوفيتية مما أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وبذلك انتهى عصر الدولة الاشتراكية الأولى التي قادها لينين ورفيقه ستالين وقادة الحزب الشيوعي السوفيتي، وأصبحت روسيا الاتحادية تسير وفق النظام الاقتصادي الراسمالي وسمي (بسياسة اقتصاد السوق)، وانتهى حلف وارشوا ولكن الغرب تمسك بحلف الناتو، بقوته وتسليحه، وأصح العالم يسير بسياسة القطب الواحد وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
واليوم وبعد اوغلت امريكا بسياستها المعادية للشعوب، للهيمنة على اقتصادياتها وثرواتها المعدنية والنفطية والزراعية، وفي التامر على الأنظمة التي تمردت عليها وانتهجت سياسات مستقلة، وذلك بالانقلابات العسكرية وكانت المهمة الأساسية تقع على تنفيذها بيد المخابرات المركزية (CIA)، وهناك أمثلة عديدة مثل تشيلي ونيكارجوا وفنزويلا والبرازيل والعراق وايران واندنوسيا وغيرها من البلدان في اسيا وأفريقيا.
و بعد أن وصل السيل الزبى في أوكرانيا عند استلام النازية الجديدة السلطة وأصبحت بقيادة زلينسكي، اقدمت الولايات المتحدة الامريكية على انشاء قواعد عسكرية ومختبرات للحروب الجرثومية، متأخمة لحدود روسيا الاتحادية، وأصبحت جمهورية روسيا الاتحادية بين فكي كماشة أوكرانيا من جهة وحلف شمال الأطلسي(حلف الناتو) من جهة أخرى والمخابرات الأمريكية هي المخطط لكل ما يعمله ويقدمه لهم الرئيس الاوكرايني زلينسكي وحكومته والاعتداءات بالقصف المستمر على جمهوريتي دانيسك ولوغانسك ذات الحكم الذاتي والتي تقطنها أغلبية روسية، مما حدى بالقيادة الروسية تدارس الوضع الذي يشتد خطورة يوم بعد آخر، وخرجوا بقرار سمي (بالعملية العسكرية الروسية الخاصة)، من أجل دفع الخطر المحدق بالاتحاد الروسي، ودخلت الحرب عامها الثاني مع تصاعد الضربات العسكرية لكلا الطرفين روسيا واسلحتها المتطورة وكذلك امريكا ودول الاتحاد الأوربي والناتو تومول أوكرانيا بالسلاح والمال ولهما مصلحة في استمرار المعارك بين الطرفين من أجل انهاك روسيا عسكريا وماليا علما بأن الولايات المتحدة الامريكية اتخذت قرارات في الحصار على روسيا وكذلك شاركتها دول الناتو في الغرب الأوربي، وامريكا لها مصلحة في بيع السلاح إلى أوكرانيا التي هي اليوم بات مثقلة بالديون وهذا سيكلف الشعب الاوكرايني الدفع لسنوات بعد انتهاء الحرب، وانقطاع الغاز الروسي عن اوربا في ظل شتاء قارص وتخريب انبوب الغاز لسيل الشمالي.
وفي هذا الوقت الذي تعلن جمهو ية الصين الشعبية أن تيوان هي جزء من الجغرافية الصينية ويجب أن تعاد كما عادت هونك كونك إلى أحضان الصين الام، ولكن الولايات المتحدة تمد تايوان بالسلاح، وتقوم بفعاليات حربية على حدود الصين ومنها المناورات العسكرية المشتركة بصنوف من التشكيلات الجوية والأرضية وكذلك البحرية، والصين كانت تراقب هذه الاستفزازات العسكرية من قبل تايون والولايات المتحدة الامريكية. ومن هنا تعالت الأصوات من جمهورية روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، لوضع حد لسياسة وهيمنة القطب الواحد في العالم امريكا، وأصبحت تعددية الاقطاب مسألة مهمة يجري العمل بجد عليها، وهناك دول أخرى تقف إلى جانب التعددية ومنها الهند والبرازيل وجمهورية جنوب افريقيا، وأصبحت المجموعة المسماة مجموعة البريكست وهي تحالف أقتصادي ضم كل من جمهورية روسيا الاتحادية وجمهو ية الصين الشعبية ودولة الهند والبرازيل وجمهورية جنوب أفريقيا.
أمريكا اليوم تعاني من انقسامات حادة بين الرئيس بايدن الديمقراطي ومكارثي رئيس مجلس النواب من الحزب الجمهوري حيث بلغ سقف الدين الأمريكي 31،4 ترليون دولار أمريكي، وحذر خبراء اقتصاديون: (من أن فترة طويلة من التخلف عن السداد من الممكن أن تؤدي بالاقتصاد الأمريكي إلى حالة من الركود العميق مع ارتفاع معدلات البطالة ومن ثم زعزعة استقرار نظام مالي عالمي يعتمد على السندات الأمريكية، ويساعد المستثمرون لمواجهةأثر ذلك). وبذلك تسير الأمور بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية نحو الانهيار الاقتصادي، وازدياد البطالة، وكذلك عمليت القتل للسود اي زيادة التميز العنصري وضرب حقوق الإنسان، أضافة لما جرى في منطقة الشرق الأوسط من مصالحات بين السعودية وايران بوساطة جمهورية الصين الشعبية والموافقة على أقامة علاقات دبلوماسية، وعودة الجمهورية العربية السورية إلى عضويتها في مجلس الجامعة العربية، بعد إحدى عشر عاما، لتأخذ مكانها الفاعال، وكل هذه الأمور تسير بعيدة عن التدخل الامبريالية الأمريكية في المنطقة، والأمل اليوم سيكون هو القرار للشعوب والدول في أقامة عالم متعدد الاقطاب.
***
د. محمد جواد فارس - طبيب وكاتب