نصوص أدبية
مجيدة محمدي: إلى إبنتي ..

يا زهرةً من عطر الكواكب،
يا ميسم الضوء في غيم الوجود،
يا من وُلدتِ من رحم الدعاء،
ومن حليب الكبرياء،
ومن سُهاد العيون المشرعةِ على فردوسٍ ،
بك إكتمل...
*
كوني مختلفة،
كالآية التي تنزلُ في صمتِ الجبل،
كالنهر الذي لا يثني عن مجراه سوى أمرِ السماء.
لا تُشبهيهنَّ، لا تكرري الملامح المستهلكة،
ولا تنقشي وجهكِ بكحلٍ ليس منكِ،
بل اصنعي من روحكِ مرآة،
ومن خطواتكِ قصيدة لا تُقرأ إلا بماء القلب.
*
كوني راقية،
لا كمن يتصنّعن الرقيّ في تفاصيل زائفة،
بل كمن تُنبت سنابلَ المعنى في أرضٍ قاحلة.
ارفعي حاجبَ الكبرياء لا استعلاءً،
بل تذكيراً بأنّكِ سيدةُ الوقت حين يتأخّر الزمن،
وأنّكِ حارسةُ الضوء في المدن المطفأة.
*
انثري الخير،
كأنّكِ النسيمُ العابرُ على جراحِ الغيم،
مرّي ولا تُفسدي،
امسحي على الجبين المكسور ولا تسألي،
فمن عرف العطاء لا ينتظر شكراً،
ومن أعطى النور لا يطلبُ إلا ألّا يُطفأ.
*
كوني الجمال،
لكن لا كما يراه العابرون في واجهات الزجاج،
بل كما تعرفه الأرض حين تُورق،
وكما تهمس به الأشجار للريح.
كوني جمالاً يليق بالصمت،
يليقُ بالمعرفة،
يليقُ بالقلب إذا صدق.
*
لا تكوني متاحة،
فالماء إن انسكب في كل وعاء فقد طعمه،
كوني كالنجم، بعيداً بما يكفي ليشتاق إليه العاشقون،
ومضيئةً بما يكفي ليدلّي بكِ المارقون طريقهم.
ضعي الكرامةَ تاجاً،
ولا تمضي إلا إن استحقّ الطريقُ خطوك.
*
كوني ملكة،
لكن لا تطلبي عرشاً من ذهب،
ابني عرشكِ من حكايا الأمهات،
من دعوات الجدّات،
كوني ملكةً تمشي في السوق بثوب القطن،
وفي قلبها قصورٌ من المعنى،
وعلى كتفها نسرٌ من الحلم.
*
كوني الأخلاق،
ولا تسمحي لظلّكِ أن يخطئ درب الشمس،
إن ناداكِ الليل، فقولي له: "أنا بنت الفجر"،
وإن راودكِ الطين، فاغسلي يديكِ بماء الزهر،
*
ولا تنسي،
أنّكِ أمانةُ الوجع،
ووصيّةُ أمٍّ كانت ترى فيكِ خلاصَ الحلم،
وبابَ النجاة من صخبِ العالم،
فلا تبيعي نقاءكِ بثمنٍ بخس،
ولا تمنحي قلبكِ لمن لا يعرفُ قراءةَ النبض.
*
يا ابنتي،
كوني كما تشائين،
لكن لا تنسي أن تكوني كما أرادكِ الله،
طاهرة، قويّة، سامقة،
جميلةٌ كالصلاة،
وأصيلةٌ كالحقيقة.
***
مجيدة محمدي - تونس