نصوص أدبية
حيدر كرار: أنا وأنا وإنّي أنا

أقفُ عندَ البابِ،
أطرقُهُ،
وأنا خلفَهُ
وأنا داخلهُ
وأنا البابُ أيضاً،
خشبيٌ، عتيقٌ،
وفي صريري ضجيجُ السنواتِ المبلّلةِ
بأبخرةِ البيتِ وملحِ الخيبة.
*
أقولُ: مَن؟
فيردُّ صوتي من الداخل: "إني أنا، ألا ترى؟"
لكني لا أراه،
فأنا، أنا،
وقد كنتُ قبلاً أنا آخر،
وقبلهُ كنتُ إنّي
وضعتُ وجهي في يدِ امرأةٍ،
فقالتْ: من هذا الغريبْ؟
*
إنّي كثيرٌ،
أتمددُ مثلَ رغيفٍ عجينٍ فوقَ منضدةِ السؤال،
أسألُني: هل كنتَ طفلًا؟
فأجيب: نعم،
لكنهم سحبوا لعبتي من صدري وقالوا: أنتَ شابٌّ،
فذهبتُ إلى الجدارِ ووضعتُ كتفي عليهِ مثلَ يتيم،
ورحتُ أشرحُ لظلي معنى أن تكبرَ رغمًا عنكْ.
*
أنا الذي أخطأ في الصفِّ الأولِ فنالَ عصا،
وفي الثالثِ نالَ صفعة،
وفي الخامسِ كتبَ اسمهُ خطأ،
فكتبوهُ خارجَ قائمةِ الأوائلْ
لكني كنتُ الوحيدَ الذي يحفظُ وجهَ المعلمةِ
حينَ ضحكتْ لأول مرةْ
وأنا الوحيدُ الذي رآها تبكي حينَ ماتَ والدُها،
كنتُ أنا – لا غيري – من كتبَ لها بيتاً عن الصبرِ،
ورماهُ في حقيبتها
فلم تعرف كاتبهُ،
وظنّتْ أن الشعرَ ينامُ تحتَ الطاولاتِ.
*
أنا وأنا،
وإنّي أنا،
كلِّي متشابكٌ مثلَ حبلِ الغسيلِ في عواصفِ الندمْ،
أرفعُ رأسي،
فأسقطُ من فمي.
*
أنا الماشي خلفَ ظلٍ كانَ لي،
وفي عينيَّ شوقٌ لرؤيةِ ذلكَ الفتى،
ذلكَ الحيدرُ الآخر،
الذي كتبَ يومًا:
“أنا لا أكره أحدًا، لكنني تعبتُ من أن أكون كلَّ أحد”
ذلكَ الفتى الذي ما عادَ يقولُ الحقيقةَ بصوتٍ عالٍ،
لأنها وجعٌ لا يصلحُ للبثِّ المباشر.
*
أنا...
وأنا...
وإنّي،
أنا،
مجردُ سؤالٍ يُعادُ كلَّ فجرٍ على وسادتي
ولا ينام.
***
حيدر كرار