نصوص أدبية
مزهر جبر الساعدي: في ساحة التحرير

تجولت في شارع السعدون لساعتين. هدني التعب. قلت لنفسي: لأستريح قليلا هنا، في ساحة التحرير، تحت نصب الحرية، الذي يرتفع على ركيزتين عملاقتين، شامخا امام حديقة الأمة. لا ادري لماذا؟ كلما مررت سواء في شارع السعدون او شارع الرشيد، او الباب الشرقي؛ لابد لي من ان اعرج على ساحة التحرير، وتحديدا نصب الحرية. أتأمله. ممعنا فيه، متماهيا معه؛ اعيش لحظته. ثمة اصوات تنطلق من اعماق النصب. ضجت جميع الانحاء بالصراخ والصياح. اسمع تكسر قضبان حديدية لأبواب عملاقة. اشتد الصياح، كأنه صوت واحد: الحرية... الحرية... الحرية...زمجرة فجرت رأسي. دبابة برامز عبرت الساحة الى الطريق بجانب حديقة الأمة. تبعتها دبابتان وثلاث همرات. لم تفرغ الساحة. ظلت ترابط فيها دبابات برامز وهمرات. أخرى غيرها واقفه على سطح النفق قبالتي تماما. الجنود على ظهورها يبحلقون في مخارج الزوايا والدروب والجادات، التي تنفتح الى الشارعين المحيطين بالساحة، من اعماق الاحياء التي اكثرها مخازن، ومحلات تجارية، وفنادق شعبية، ومقاهي، وبيوت في تلك الفروع. لم اتحرك. ظللت تحت نصب الحرية وحدي واقفا. از الهواء في أذنيَ. صاروخ اطلق من وراء الركيزة التي متكئا أنا عليها. انفجار قوي جدا، هز ركيزتي النصب. احسني بقوته. اهتز جسدي. كدت اسقط ارضا من شدته. متماسكا في وقفتي في تلك الثواني القليلة، ربما هي اقل من اصابع اليد الواحدة. انظر. احترقت دبابة على مقربة مني ومن النصب. ارتفع اعلى قليلا من النصب، كل جسدي على غير إرادة مني. كما في طيف حلم مر سريعا في ثانية او في ثانيتين، وانطفأ. مُعلَقاً في الهواء، سمعت انفجاران متزامنان، اعقبا بسرعة البرق الانفجار الأول. نظرت الى الاسفل مني. الركيزتان دمرتا، لم يبق منهما الا بقايا حديد لخرسانة، لم يعد لها وجود، صارت عبارة عن شظايا....اشباح تركض اسفل مني، بين نخيل واشجار حديقة الأمة. اصبحت ضبابية كل الاماكن تحتي وحول وفوقي. رطانة خافتة خوفتا مرعبا، إنما مدويةً في دروب عقلي، اسمعها؛ تأتيني من مؤخرة رأسي، أو كأنها دخلت فيه من مكان بعيد، بعيد جدا. ثم اختفى.
***
مزهر جبر الساعدي