نصوص أدبية

مجيدة محمدي: الربيع الخائن!

تأتي الرياح محمّلةً برائحة الأعشاب الطرية،

والشمس تعزف على شُرفات الصباح لحنًا شاحبًا،

لكنني أعرفُ هذا الفصل جيدًا،

هذا الذي يجيءُ مثل عاشقٍ متأخر،

يطرقُ البابَ بأصابعٍ من زهرٍ،

ثم يسرقُ المفتاح ويهرب.

*

الربيعُ كذبةٌ أُخرى،

كذبةٌ نُصدقها كلَّ عام،

كأننا لم نرَ أوراقَ الوعودِ وهي تتساقطُ قبل الأوان،

كأننا لم نعرف مذاقَ الخيباتِ التي يتركها في أفواهنا،

حين يخضرُّ القلبُ قليلًا، ثم يأتي الصيفُ ليحرقه.

*

أرى الأرضَ تتنفسُ من رئاتٍ مستعارة،

تنموُ فيها الأزهارُ مثل حكاياتٍ ناقصة،

يُطلقُ العشبُ ساقَهُ نحو الأعلى،

كمن يرفعُ رايةً بيضاء،

لكنه يعرفُ أن السكاكينَ لا تفرّقُ بين الاستسلامِ والمقاومة.

*

في وطن الحربِ،

حيث النوافذُ تصرخُ بلا صوت،

والأبوابُ تعوي مثل ذئابٍ جائعة،

يأتي الربيعُ مرتديًا قناعَ البهجة،

يزرعُ في الأزقةِ براعمَ مُلونة،

ثم يضحكُ،

ويعودُ أدراجه،

قبل أن يبدأ القتلُ من جديد.

*

الربيعُ خائنٌ قديم،

يعدُ الأرضَ بأنها ستُنجبُ ألفَ سنبلة،

ثم يتركها وحيدةً في مهبِّ الجفاف،

يملأُ الطرقاتِ بأحلامٍ خضراء،

ثم يسلّمها للعاصفة.

*

أعرفُ جيدًا هذا الفصل،

هذا الذي يتقنُ دورَ العاشقِ ثم يختفي،

هذا الذي يبيعُ الوطنَ بسعرِ حفنةِ زهور،

هذا الذي يُلقّنُ الأرضَ دروسَ الحبِّ،

ثم يسحبُ منها ضوءَ الحياة.

*

لكنني لا أُصدّقه بعد الآن،

فالخيانةُ التي تتكررُ، تصيرُ عادة،

والأملُ الذي يُقتلُ كلَّ مرة،

لا يعودُ أملًا،

بل جرحًا مفتوحًا،

ينبتُ فيه الربيعُ من جديد،

ليسقي الأرضَ بالخديعة.

***

مجيدة محمدي

 

في نصوص اليوم