نصوص أدبية
جاسم الخالدي: العودة إلى الفرح الأول

يا لهذا الحنين الذي يشتعل في الصدر،
حنين إلى بساطة القرية،
حيث الفرح يولد من أبسط الأشياء،
فرحة شرب الماء من دلو البئر،
وفرحة الشمس حين تشرق على الحقول.
*
أريد أن أعود إلى تلك الحياة،
حياة لا تُثقلها تعقيدات المدن،
حيث يضحك الطفل من عصافير تراقص الأغصان،
ويغني الفلاح وهو يحرث الأرض،
فرحًا بالرزق الذي لم يأتِ بعد.
*
كالشاعر الذي يرى قصيدته بين يدي قارئٍ مجهول،
يفتش في كلماته عن ذاته،
كطالبٍ يرفع شهادته نحو السماء،
وكأنها بوابة لعالم جديد.
*
أحنُّ إلى فرحة الإنسان الأولى،
حين كان يصعد عربته القديمة
وكأنها مركبة الأحلام،
إلى البهجة التي لا تحتاج إلى برمجة،
ولا إلى شاشات،
بهجة تولد من الحياة ذاتها،
بكل ما فيها من بساطة وجمال.
*
يا زمنًا مضى،
كيف نعيدك؟
كيف نستعيد تلك اللحظات
التي كانت كافية لملء القلب بالنور؟
ربما،
ربما علينا أن نبدأ من الداخل،
من القلب الذي نسي كيف يفرح.
*
(العودة إلى لمتنا الأولى)
أريد أن أعود إلى لمتنا الأولى،
تلك اللحظة التي تشرق فيها الأرواح
بعد يوم شاق،
حين كان أطفالي يتجمعون حولي،
بعيونهم اللامعة كنجوم المساء.
*
ليتهم بقوا أطفالًا،
تلك الضحكات الصغيرة التي كانت تملأ البيت،
وأسئلتهم التي لا تنتهي،
كانت تملأ القلب دفئًا،
وكأنها موسيقى الحياة ذاتها.
*
كنا نفرح بوجبة طعام بسيطة،
كأنها طعام الملائكة في الجنة،
ليس لأننا كنا نملك الكثير،
بل لأننا كنا نملك بعضنا،
وكانت المحبة تُغني عن كل شيء.
*
الآن،
تفرقت الأوقات،
وكبرت الأيام،
وصار لكل واحدٍ طريقه،
لكنني أشتاق إلى تلك الطاولة الصغيرة،
حيث كنا نتشارك الخبز والفرح.
*
يا ليتنا نعود،
نعود لنلتف حول نار الحكايات،
حول دفء الأيدي المتشابكة،
حول ذلك الشعور البسيط
الذي كان يجعلنا أغنياء،
رغم كل ما افتقدناه.
*
ربما،
الفرح الحقيقي ليس في الأشياء،
بل في القلوب التي تجتمع،
في الأرواح التي تعرف كيف تخلق
جنةً صغيرة من كل شيء.
***
د. جاسم الخالدي