نصوص أدبية

جاسم الخالدي: في قلب الضوء الأزرق

كان الظلام يوماً صديقنا،

حين كنا نتحدث بصمتٍ عن الأحلام.

كنا نجلس تحت النجوم

نتأمل الفراغات بين الضوء،

وننسج خيوطاً من أملٍ لا تُرى.

لكن الآن،

الضوء الأزرق يقتحم ليالينا،

يغسل وجوهنا دون أن ينير أرواحنا،

ويسرق الحكايات

التي كانت تولد في صمتٍ عتيق.

2.

جلسنا جميعاً في الغرفة الواحدة،

نطالع شاشاتنا الصغيرة.

كل منا يبني مدينةً

من وجوهٍ بلا ملامح،

وكلماتٍ لا صوت لها.

كنا قريبين،

لكن الطرق بيننا

تلتفُّ كمتاهةٍ بلا نهاية.

كلما مددت يدي

لألتقط ظلك،

وجدت شاشةً تفصلني عنك.

3.

هل تسمعني؟

أنت هناك، خلف الحروف الرقمية،

تنتظر رداً سريعاً،

لكنني أبحث عن كلمات

لا تخرج بضغطاتٍ صامتة.

أبحث عن صدى صوتك

الذي تاه في أروقة الشبكات.

كيف أستعيد صوتاً

غاب بين أرقامٍ لا نهائية؟

4.

كان العالم يفيض بالحكايات،

كل نافذةٍ تحمل أسرارها،

كل زقاقٍ يهمس بقصته.

لكننا أغلقنا النوافذ،

وصار العالم صورةً واحدة،

نقلبها يميناً ويساراً،

حتى بهتت ألوانها

وضاعت الحكايات.

5.

لا أريد أن أعيش

في ذاكرةٍ تمحو نفسها كل ليلة،

في صورٍ لا تنتمي لشيء،

وفي كلماتٍ تذوب

قبل أن تصل.

أريد أن أكتب بيدي،

أن أسمع صوت الورق

وهو يتنفس.

أن أرى الحبر وهو يتمدد

مثل شريانٍ ينبض بالحياة.

6.

ذات ليلة،

قررت أن أغلق كل شيء.

أطفأت الضوء الأزرق،

وتركت الغرفة تغرق في الصمت.

كان الظلام مختلفاً،

يحمل صوتاً دفيناً،

صوت الأرض وهي تتنفس،

وصوت القلب

وهو يعيد ترتيب نبضاته.

ربما، في هذا الصمت،

يمكننا أن نبدأ من جديد.

***

د. جاسم الخالدي

في نصوص اليوم