نصوص أدبية
جورج عازار: سَهوةُ العُمرِ
إلى ذلك السَّجين الَّذي خرجَ عارياً من الذَّاكرة.
وإلى تلك الأمُّ الَّتي بكت وحيدَها إلى أنْ جَفَّف الدَّمعُ نورَ عينَيها.
***
كُلُّ الوجوهِ الَّتي أحبَبْتُها
تناثَرتْ من جَيبِ ذاكرتي
على مَفارقِ النِّسيانِ
وكُلُّ أسرارِ المَطرِ
تاهت في بَيداءِ الظَّمأِ
كم دَمعةً ذَرفتْ أُمي؟
وكم من الخَيباتِ
صار عُمرُ ولدي؟
وهل ما تزالُ رائحةُ الياسمينِ
تفوحُ من أخاديدِ
وجهِ أبي المُغضَّنِ
ومن كَفَّيهِ السمراوينِ؟
ذاكِرتي هَشيمٌ
وجسدي بقيةٌ من َبقايا
أوقَدوا النَّار في داخلي
عَلَّها تُنيرُ دُهمةَ الَّليلِ
في حنايا ذاتي
يفترِشُ الهَلعُ مُهجَتي
فأستكينُ لِترانيمِ السِّياطِ
حَطَمُوا كُلَّ الأقفاصِ
ونَبشُوا كُلَّ الأعشاشِ
وأنا ما زلتُ واقفاً هناك
أنتظرُ عودةَ أسرابِ اليَمامِ
فاغرَ الفَمِ
في لُجَجِ الدَّهشةِ
أبكي من غيرِ بُكاءٍ
وأرتَشِفُ الدَّمعَ بأَكُفٍ جَرداءَ
عبثاً أُلَملِمُ مُزَقَ التَّاريخِ
تَخونُني الكلماتُ والدُّنيا
وأنا أسيرُ الحِكايةِ
بَلى أنا هو
ذاكَ الَّذي كُنتُم تَعرِفُونَهُ
وما عادَ يَعرِفُكُم
أنا هو ذاك الَّذي بالأمسِ
كنتُ بينَكُم
واليومَ رُوحي فحسبُ
هي الَّتي تُدرِكُكُم
ظمأُ الذِّكرياتِ وجعٌ
يُبدِّدُ مَراسِم العُمرِ
قاحلةً صارت أنفاسي
ويائسةً تبحثُ أشجاري
عن جذرٍ عتيقٍ
عن نبعِ الضَّيعةِ
عن دَغلِ الغابةِ
عن سماءٍ غيرِ حالكةٍ
عن صليبٍ بهِ أرتقي
سَلالِمَ الحُزنِ
صرختي بَكماءُ
وكلماتي ضَبابٌ
وعينايَ من غيرِ بريقٍ
أنا هُنا، لا تَرحلوا
أنا هُنا
في الأعلى، في الأسفلِ
لا فرقَ في الجِهاتِ
أنا هُنا
عِندَ خاصِرةِ الرِّيحِ
عِندَ رأسِ الجَّبلِ
حيثُ تَبكي هُناكَ في كُلِّ يومٍ
أشجارُ البيلسانِ
وتنتحِبُ فوق قبرِ هابيلَ
شَقائِقُ النُّعمانِ
***
جورج عازار - ستوكهولم السويد