نصوص أدبية

صادق السامرائي: بغداد!!

وعَنْ بغدادَ يا وَطني سُؤالي

لماذا شَفّها داءُ الهُزالِ؟!!

*

فكمْ سَمَقَتْ على وَجَعٍ وكَيْدٍ

وأوْصَلتِ الحواضرَ بالعَوالي

*

مُدوّرة مُخلّدة وتَبقى

مُحَصّنةً بمانِعَةِ الزوالِ

*

ومِنْ أزلٍ إلى أبَدٍ خُطاها

تُنوِّرنا بآياتِ النِضالِ

*

هيَ الدنيا إذا خَلعَتْ إهابا

تُسوّرُها ضَياغمُ  مِنْ رجالِ

*

بجَعْفَرها كما انْطلقتْ تواصَتْ

بمُبْتدءٍ لحاديةِ الوصالِ

*

وهارونُ الذي أعلى رُباها

موهَجّةً بأرْجاءِ المُحال

*

تدورُ بنا وما تَعِبَتْ لهِمٍّ

وإمْعانٍ بجائرةِ الصَوالِ

*

بها بغدادُ رمزٌ مُسْتَقيدٌ

لأجْيالٍ مُحَمّلةِ الرِسالِ

*

وفيها روحُ أفذاذٍ أجادوا

بإبْداعٍ لفائقةِ المَنالِ

*

لها النُهْرانِ مِنْ وَلهٍ سُعاها

إلى خَفَقٍ بأعْماقِ احْتفالِ

*

ونَخلٌ في مَرابِعِها تَباهى

يُخاطِبُ روحَها بهوى الشِمالُ

*

شواهِدُ رحلةٍ بَلغتْ مُناها

بأيْامٍ مِنَ الزمَنِ المِثالِ

*

بها المأمْونُ نوّارُ افْتِكارٍ

وعالِمُها المُزَهى بالخَيالِ

*

أرادوها مُكمِّلةً لعَرْشٍ

وكُرْسيٍّ بآفاقِ ابْتِهالِ

*

فعاشَتْ عُرْسَ دُنياها ودامَتْ

مُتوَّجَةً برائعةِ الخِصالِ

*

فما وَهَنَتْ وإنْ جاسوا حِماها

تُدَحْرِجُهُمْ على سُفُحِ النِكالِ

*

فهلْ سألوا أعاديها وقوماً

أعانوا كلَّ مُرْتَزَقٍ مُغالي

*

وخائِنُها بلا نَظرٍ لحَقٍ

فحَيْفُ وجودِهِ شرعُ النوالِ

*

كأنفالٍ أرادوها لبَعضٍ

كأنَّ ترابَها وطنُ الخِشالِ

*

وفَتواهمْ تُدنّسها ونَفسٌ

تؤمِّرُهمْ بأشرارِ الفِعالِ

*

تُعاجِلُها النواكِبُ والرَزايا

وتَنهرها بأسْلحةِ اعْتِضالِ

*

عَزائمُها بها الأبناءُ أجّتْ

مُسَعَّرةً بأرْوقةِ الهوالِ

*

ألا صَدَحَتْ مَفاتنُها بدُنيا

وأرْشَدَتِ الحَواضرَ للبَسالِ

*

تَبغدَدتِ الخَلائقُ من رؤاها

وصارَ البغدُ عُنوانَ الكمالِ

*

بها الأنوارُ ساطعةٌ بفكرٍ

وألبابٍ بعاقلةِ الجِدالِ

*

روائعُ وَصفها أضْنَتْ يَراعا

وأعْجزتِ القوافيَ بالسجالِ

*

تُسائلني قوادِمُها لماذا

توهَّمَتِ الخوافيُ بالكَفالِ

*

ومِنْ ألقٍ بأزمانٍ أضاءَتْ

توافدَتِ البَدائعُ باخْتيالِ

*

أسودُ الغابِ قلعَتُها ببُغدٍ

وأنَّ عَرينها فوقَ الجبالِ

*

مَدينةُ عِزّةٍ بَهَرتْ بضادٍ

وعِلمٍ مِنْ أصيْلاتِ الفِعالِ

*

هيَ الشعرُ الذي فيه انْطلقنا

يُعلّمُنا مَراسيمَ انْهِلالِ

*

بقلبِ الأرْضِ نابضةٌ رؤاها

مُشعْشعَة بأرْوقةِ انتقالِ

*

قِوى زمنٍ مُؤزّرةٍ بغُنمٍ

تُباغِتها بغَزْواتِ احْتيالِ

*

فما رَضَخَتْ لعاديةٍ وأخرى

وكمْ  شمَختْ مُؤزّرةَ الرجالِ

*

تمرُ بها الحوادثُ دونَ جَدوى

فتُطعِمُها العَظائمِ بالقتالِ

*

توَهّجَ قلبُها والروحُ تَرقى

لعاليةٍ بأرْوقةِ انْثيالِ

*

سَتَحيا بُغدُنا شمساً بكَوْنٍ

وإشراقاً بداجيَةِ الليالي

*

خطوبُ مَسيرةٍ جَزعَتْ مُناها

بقاضيةٍ بمَمْنوعِ الحِصالِ

*

سَلوا عَرباً وأقواماً توالتْ

عَنِ البُغدِ السنا أمّ الأُصالِ

*

تولتْها توابعُ مُبْتلاها

مُغفلةٌ مِنَ الرُعَعِ الجُهالِ

*

ألا تبتْ يدا زمَنٍ خَنوعٍ

تُسَرْبلهُ الأسافلُ بالخَذالِ

*

تُبغددنا برائعةِ انْطلاقٍ

وتُبْهرُنا بواعيةِ الهلالِ

*

لها الدنيا إذا صدقتْ وبانتْ

بما حفلتْ بمملكةِ الجمالِ

*

تَصالِحُها معَ التأريخِ نَصرٌ

وإبْعادٌ لحاديةِ الضَلالِ

*

هي البغدادُ جَعْفرها أميرٌ

مُكرّمَةٌ بأنوارِ المَآلِ

***

د. صادق السامرائي

 

في نصوص اليوم