نصوص أدبية
عبد الهادى الشاوي: نظارتان
غاب عني صاحبي فاستوحشت، وعاد فسألته.
وانتظرت الإجابة لكنها تأخرت كثيرا ولم تكن هذه الحالة من عاداته، ولم أدركها في صفاته، ولعله أخفاها عني عمدا لغاية في نفس يعقوب، فمتحت من الصبر غرفة ونظرت في وجهه نظرة أدرك معناها وغايتها ومبتغاها، وأردفتها حسرة، فَعَلتْ محياه الابتسامة، فظننت أنه قارب الندامة وأراد أن يكفّر عن احجامه، ثم قال: أنا يا صاحبي اقتني نظارتين، واحدة استعملها في البيت وهي أقل كلفه لا تتحمل ضغط أو رفسة والأخرى خارجه، فلم تثيرني كلماته ولا استعذبت حركاته، فكأنني أبادله بالمثل، هذا ما ظننته، واستمر غير عابه بعدم اكتراثي قائلا: الثانية أجمل وأخف وأكثر كفاءة، ثم أردف أتدري لماذا، قلت: من أين أتتني الدراية وأنت تخفي عني هذه الهواية، وأخاف أن هذه المقولة طلسما أو غواية.
فابتسم حتى بانت أسنانه، واعتدل فأصلح هندامه، فحدستُ أن الذي خلفه مخالف للذي أمامه،
فعلل فعلته وأوضح خطته وانشرحت سريرته، فقال:
يا صاحبي لا بد من نظارة مختاره
تكبر الأشياء من دونما استشاره
أحملها في جيبي فهي لي الوزاره
أضعتها في درسي فضاعت الشطاره
فان قبلت عذري كانت لك الصداره!!
فأثر قوله في مسمعي حتى كدت أن لا أتمالك أدمعي
فسرنا سوية الى السوق نبحث عن نظارة جديدة كعاشق ومعشوق، ننظر في صنع الخالق ونشتري مما صنع المخلوق !
***
مقامة: الدكتور عبد الهادى الشاوي