نصوص أدبية
محمد الدرقاوي: صَبيحَة
دخلت صبيحة الى بيتنا طفلة في عامها الأول لا تفارق ظهر أمها.. شعر مجعد بني غزير يغطي عنقها،ووجه كل مافيه دقيق صغير، يلطخه المخاط بمزيج من فتات الخبز وزغيبات الشعر، ودموع لا تفتر من عيون الصبية، فهي إما نائمة أو باكية تنفخ فقاعات المخاط من منخريها، ثم تمسح خليط السوائل الخارجة من أنفها وعيونها بمجمع يدها في كتف أمها.. حتى أني توسلت أمي ألا تنظف ام صبيحة غرفة نومي وبنتها محمولة على ظهرها..
تنمو صبيحة وتبدأ المشي متعثرة، تقترب من باب مكتبي بين خوف واحتراس،تمد رأسها في حذر كأنها تخشى نظراتي،أو تقيس درجة قبولي لها، أو ربما تسترجع صوتي حين كانت تبكي على ظهر أمها، فأصيح من مكتبي أو غرفة نومي: "آش هاذ الصداع "..
لكن سرعان ما صارت صبيحة تألف نظراتي، وتستغل بسماتي في وجهها بعد أن بدأت تتخلص من مخاطها مذ شرعت الحاجة والدتي تمضغ السواك وتقطره في منخريها كما تهتم بنظافة وجهها وملبسها.
ما أن تقف صبيحة بباب مكتبي حتى ترفع رأسها في تحدٍّ الى أعلى كأنها تقول: "أنظر الى نظافتي"، ثم تقتحم مكتبي بجرأة وشجاعة،تسبقها بسمة رضا ملائكية..
كانت أم صبيحة ترفض أن تدخل بنتها الروض فهي تخشى أن يعترض أبوها طريقها فيأخذها، فأم صبيحة لم تنل طلاقها الا بعد أن عانت من تعاطي زوجها للحشيش يضربها ويستحوذ على ما تربحه من كدها وعرقها، وحتى يحرمها من البنت فقد ادعى أن أمها تظل غائبة عنها في الحقول وتتركها للضياع والمجهول..
فشل الزوج في دعواه وصارت أم صبيحة تشتغل في بيتنا بدل الحقول، وتركت بيت طليقها مستغلة غرفة كانت في سطح بيتنا..
بدأت صبيحة تألفني،و إلي َّترتاح ؛ تدخل مكتبي، تجلس على كرسي صغير وعيناها تمسح المكتب بالطول والعرض وكأنها تضع تصميما لمحتوياته، ثم تنزل من الكرسي وكجندي في باب ثكنة تخطو الى الأمام و تعود الى الخلف ثم تشرع تعيد ترتب كل أشيائي بمهارة تثير الإعجاب:
أنى لصبية في عمر صبيحة أن تصير لها مهارة الترتيب والتنظيم وتنسيق الأشياء بمثل هذه الطريقة المبهرة؟. !..لا تنجو منها غير الكتب التي لاتميز بينها الا بألوان الصفحات الأمامية أو صورها.. ثم بلا حرج تتقرب مني، تضرب براحة يدها على ركبتي و حين أتعمد عدم الاستجابة، تدس يدها في أحد جيوبي،أمسكها من معصمها:
ضبطتك أيتها السارقة ماذا تريدين؟..
لست سارقة..هات شوكولاتا..واليك الثمن..
تستخرج درهما أو أكثر من جيب تنورتها وما أن تتسلم الشوكولاتا حتى تقول:
ـ كلٌّ من عند مولانا، هي دريهمات منك سقطت وأنا وجدتها.
.تضحك ملء فيها، وتبادر جذلى الى أمي تروي مهارتها في السخرية مني.. والحقيقة أني كنت أتغافل عما يسقط من جيوبي حتى أستمتع بضحكات صبيحة الملائكية..
فالسنا ماكان يغمرني لسعادتها، وأمي تدعو لي: الله يفرح قلبك بدخول الجنة..
كان لصبيحة حدس قوي، فمهما أخفيت عنها علب الشوكولاتا الا وجدتها بمهارة تفوق الخيال..وكما كنت أقول لها: شمَّامة مثل كلب..
بسمة عتاب خافتة من عينين نفاذتين ثم تقول وهي تضرب على جبهتها براحة يدها:
"المخ" ولمن أعطاه الله.. (عبارة محفوظة ترددها عن أمها )
أمي نفسها كانت لها ثقة عمياء في ذاكرة صبيحة:
ـ إذا خفت أن تنسى شيئا فاخبر به صبيحة فهي تبارك الله لا تنسى..
تكفلت بصبيحة وأدخلتها الروض..
من لحظتها الأولى خطت قلب الحجرة بثبات، بادلت الأطفال البسمات ناظرة اليهم وكأنها تقرأ سحناتهم، بعد أن تطلعت في تحد اليهم،اختارت طفلا وجلست قربه..
كانت صبيحة شعلة ذكاء تلتقط المعلومة من قبل أن تخرج من بين الشفاه وهذا ما كان يسبب قلقا لمربيات الروض، اللواتي كن يتضايقن من تسرعها وجدالها، فصبيحة لا تتقبل أية معلومة بسهولة الا بعد أن تجادل وتقتنع، حتى الأناشيد المدرسية كان لها رأي فيها، فكثيرا ما كانت تحس باختلال الوزن في نشيد فتفرض أن يغنَّى بعد أن يتم تصحيح نغمة اللحن بتمديد او إدغام، أوتسكين حركة..حس فني خارق..
اتفقت معها وهي في المدرسة الابتدائية على حفظ حزب يومي من القرآن الكريم مقابل خمسين درهما عن كل حزب، كان قصدي أن تتعلم كيف تتصرف في المال في تدبير احتياجاتها..تحدتني وصارت تستظهر مابين حزبين وثلاثة أحزاب في اليوم، وفي أقل من شهرين كانت تستظهر كتاب الله عن ظهر قلب بقراءات سبع،مستغلة حسها الفني في التجويد.
ما أخذ بلبي وأبهرني ما استنتجته صبيحة في الأخير وكأنها قد ادركت خلفيات ما أقصد:
ـ ثيابي تشتريها ماما الحاجة (ترفع يديها بالدعاء لها)، وأنت تهتم بأدواتي المدرسية وواجبات الدراسة،(هذا واجبك فأنت رب الأسرة) أما ما ربحته منك فسأحتفظ لنفسي بنصيب،والباقي هدية مني لصندوق أبناء المحتاجين في مدرستنا..
صارت صبيحة مضرب مثل في كل مراحل تعليمها لا تودع المدرسة في آخر السنة الا وهي محملة بعشرات الجوائز.. كثيرا ما سألتني:
ـ متى تنوي الزواج؟ الم تمل من العزوبة؟ ستشيخ ولن تقبل بك أية أنثى !!..
بصراحة كانت صبيحة فتنة تتحرك على الأرض، تتحدى بجمالها فلة وباربي، ذاتا مسبوكة محمولة على ساقين رشيقين، وجه فاتن بلا مساحيق وكأنها مصنوعة من لدائن الدمى لا من لحم بشري..
حين كنت أقول لها أترقب نهاية تعليمك كان ردها يأتيني صادما:
ـ حضانة على بيض فاسد، لا تترقب السراب.. فلا اريد أن تموت كمدا اذا عرفت الحقيقة..
لم أكن أدرك أية حقيقة كانت تعني،وبها تمتنع أن تبوح؟.. ربما حقيقة أفضلية العلم على الحب والزواج..
انتمت صبيحة الى كلية الطب وأنهت تعليمها كبروفيسور في طب جراحة النساء، وبدل أن تشتغل في مؤسسة عمومية أو تبدأ مساعدة لاحد أصحاب العيادات الخاصة لشهرتها وذكائها استطاعت ان تحصل على منحة من إحدى المنظمات العالمية فطارت الى أمريكا أمام اندهاش الكل وتأويلات المختصين قبل العموم..
من يستطيع أن يرفض لصبيحة طلبا؟؟ !!..
أم صبيحة تكتفي بدموعها وبعبارة لاتردد غيرها:
لا أدري ما ذا يدور في مخها؟ صبيحة تختلف عمن خلق الله..
كنت أرد ذلك الى ذكائها وفطنتها..
بإحساس مني قوي، كان يقيني أن صبيحة تشكو شيئا أو تريد أن تعوض نقصا، لكن حين اقارن بين ما قد تشكو وبين ذكائها وما بلغته، كنت أتشتت وأصير شظايا في أمس الحاجة لمن يلتقطني، ويلملم بين أجزائي..
حتى الحاجة والدتي كان لي اليقين أنها تعرف شيئا عن صبيحة لكنها لاتنبس بما لديها أو تلمح ولو بإشارة، فأي أم تتعلق ببنت كاملة مكمولة كصبيحة لن تفكر الا في ابنها خصوصا وهي ترى "الشيخوخة الظالمة" تأكل من عمرها..
صورة سكانير سلبية سوداء (نيكاتيف) لصبيحة عارية وهي صغيرة ظلت تلهب دماغي، سقطت من ثياب أمها في السطح، ليس لصبيحة الا ثقب صغير فوق عانتها، وقريبا من تجويف سرتها، وما عدا ذلك فمجرد صفحة بيضاء لا اثر لاي عضو جنسي، تمعنت في الصورة ثم تركتها مكان سقوطها وما لبثت ام صبيحة ان عادت اليها راكضة،وقد تنفست بعمق حين وجدتها: "الحمد لله "..
بصراحة لم افهم شيئا،ربما وحمة، او دمل لم يتم علاجه قد ترك بثرته..
ماتت والدتي وتبعتها أم صبيحة، وتزوجت بعد يأسي من صبيحة بأنثى جميلة من القرية، كانت تصغرني بعشر سنوات، لكن حنين صبيحة هو ما ظل يلازمني،عني لا تغيب،حتى أن زوجتي كانت تغار من صور صبيحة التي ظلت تغطي جدران مكتبي..من صباها الى تخرجها بروفيسور متخصصة في جراحة الجهاز التناسلي الأنثوي..
ـ بقي لك أن تصنع لها صنما نركع ونسجد له بالصبح والمساء !!..
ـ ياهبلة تركتها عمدا حتى تتوحمي على بنت في ذكائها وجمالها !!..
ـ إنسان بالمظاهر مفتون، هذا رأيك في جمال زوجتك وذكائها؟؟.. !!..
على كل حال هو اختيارك،و لوما يقيني بحبك لتركتك منذ يومي الأول ورجعت لأهلي..
عدت ذات مساء من عملي فوجدت صور صبيحة فوق مكتبي..
بلا تعليق، حملت الصور و وضعتها داخل خزانة في الغرفة التي كانت تسكنها صبيحة مع أمها، وأعميت عين إبليس..فما غاب عني أن زوجتي تضعني تحت الاختبار..
مشتت الذهن أحيا بين زوجتي التي أحس غيرتها العنيفة وبين البياض الذي خلفته صور صبيحة على جدران مكتبي،صبيحة التي غابت أخبارها وانقطعت عني رسائلها ومكالماتها..
ملأت فراغات جدران مكتبي بصوري وصور زوجتي،وأخرى لأمي وأبي ثم تركت الذكريات تدرس بيادر مخي وصدري، أستعيد صبيحة وهي طفلة صغيرة ترتب مكتبي، وتمد يدها الصغيرة لجيوبي تطلب شوكولاتا..
أخذت ذات مساء آلة التحكم عن بعد وشرعت أمرر محطات التلفاز بلا تركيز...
فجأة تظهر صبيحة بأناقتها وفتنتها تحاورها مذيعة في محطة أمريكية..
اهتز صدري ومن حماسي الشديد ناديت زوجتي..
المذيعة: المعروف عنك أنك الى جانب تخصصك في جراحة النساء، لك فراسة في علم الاجرام،طبيبة شرعية بارعة وذكية، وعضو بارز في الشرطة القضائية الدولية لكنك دوما تبحثين في أغلب الجرائم عن المرأة أولا، هل لانك أنثى تعرفين اثر الجمال في تهور بعض الرجال واندفاعهم لارتكاب الجرائم.؟..
صبيحة ( تضحك) ومن قال لك أني أنثى؟ أنا لا أنثى ولا ذكر ولايوجد مثلي بين بني البشر، ولا انا جنس ثالث ولا رابع ولاخامس ولو كان مسموحا لتعريت امام كافة المشاهدين.. لا أخجل من وضعي..ثم من قال أن الرجل أكثر تهورا من المرأة في ارتكاب الجرائم، ياما تحت السواهي من دواهي !!..
تستغرب المذيعة وتضطرب فالبروفيسور التي أمامها متخصصة في علم الاجرام جريئة وتستطيع أن تنفذ ما يخطر ببالها في جسارة و بلا حرج..
أخذت المذيعة كراسة وشرعت تقرأ وهي تضحك:
أعرف أنك تمارسين عملك بصرامة ودون تحيز،فعنك يقولون:من مهارتك انك تكشفين المجرم بنظرة، صيتك كبير في أمريكا كما في جرائم وقعت خارج أمريكا، أكثر من دولة استعانت بخبرتك وفراستك في اكتشاف أكثر من جريمة حتى ولو لم يتكلم المجرم.. تقرئين العيون والحركات باندهاش..،زرقاء اليمامة..
تتابع صبيحة كلمات المذيعة ببسمة هادئة لكن عينيها تقولان شيئا آخر..
المذيعة تكمل كلامها لكن بنبرة لا تخلو من سخرية:
ـ عبارة ضبابية وردت في ردك بروفيسور، الا تشرحين للنظارة كمتخصصة ماذا تعني "لستِ جنسا معينا ":
هل تعدين نفسك فوق البشر أم من كوكب سماوي؟؟..
أدركت صبيحة بذكائها أن المذيعة تريد أن تسخر منها،أو تقلل من وقع حضورها أمام المتابعين، أو ربما هي غيرة الأنثى من جمال يتحداها ويزاحمها أمام النظارة، ضحكت بسكينة وبرودة دم ثم قالت:
أحدد لك ماتريدين،فأنا هنا من أجل النظارة أولا،وأنا هنا لتصحيح أخطاء ربما التسرع وطغيان الثقة والغرور ما يجعلنا نرتكبها دون قصد أحيانا،لكن أخبريني، انت متزوجة للمرة الثانية أليس كذلك؟.
المذيعة في إعجاب بنفسها: أنا من أسأل بروفيسور وأنت ضيفتي على البلاطو.. طبعا متزوجة واحب زوجي..
ـ أنا لم أسألك عن حب.. لايهم.. زوجك الثاني هو من كان عشيقك قبل زوجك الأول..
ـ ومن بعد،هل هذا يضرك في شيء؟ تقولها وقد أتسعت عيناها في غضب
تضحك صبيحة ضحكة معلبه ثم تضيف وكأنها غير مهتمة بما ترد به المذيعة:
ـ سنة مرت على زواجكما أظن؟ (تتعمد صبيحة أن تثير غيظ المذيعة )
ـ سنة ونصف بروفيسور،الى أين تريدين الوصول؟
ـ وهل هو يحبك؟
ـ أكيد..(تقولها بثقة وتحدٍّ حرك عيون صبيحة بضحكة قاسية )
ـ لو ظهر فيك عيب خلقي أو طارئ فاجأه هل يمكن أن يتخلى عنك؟
ـ تحرك المذيعة عينيها وكتفيها وتقول بتثاقل وغير قليل من كبر وفخر:
ممكن، لم أفكر في هذا أبدا، لكن ما دمت أتربع على عرش من الجمال آسر يلوي الرقاب فلماذا يتخلى عني زوجي..
ـ أنا سألتك "لو ظهر فيك عيب " ثم ليس بالجمال وحده تستطيع أنثى أن تلوي رقبة رجل..
هناك الاغراء،الشهرة والنفعية،وهناك المقابل المادي الذي على أنثى أن تتنازل عنه لتكون محبوبة..
تحرك المذيعة عينيها وتقول وقد رابها ما تتلفظ به صبيحة:
أفلسفة هذه؟ !!
تتابع صبيحة وكأنها لم تسمع السؤال:
ـ هل تقدرين المقابل المادي الذي أخذه عشيقك ليتزوجك دون أن تلتوي له رقبة؟
اضطربت المذيعة وحاولت تغيير الموضوع فقد أدركت أن ضيفتها تجرها لشيء لا تريد الخوض فيه، لكن صبيحة أرجعتها..
ـ لا تغيري الموضوع والا لن أكمل معك البرنامج..
اصفر وجه المذيعة،اضطربت وصار الاهتزاز باد على حركاتها، من يدها سقطت الكراسة، قالت:
لنودع النظارة الكرام إذن..
تضحك صبيحة وتقول:
ـ ليس قبل أن يسمع النظارة المعجبون بك وبجمالك:
لماذا قتلت زوجك الأول؟ وكيف؟ ومن ساعدك على قتله؟
وما قيمة المقابل؟ ولماذا؟
اهتزت المذيعة، ريشة تتحرك في تيار هوائي، المفاجأة أقوى من احتمالها، ارتباك شديد أخرجها مما كانته من قبل.. ارادت أن تدافع عن نفسها لكن نظرة من صبيحة كانت كافية لتجعلها تنهار وتهوي على الأرض..
انقطع البث وظهر مذيع الربط يعتذر عن العطب..
كدت أن أصاب بخيبة لتوقيف الحلقة، كيف ستقنع صبيحة المشاهدين بصدق ما اكتشفته وللمذيعة سمعة وصيت ربما قبل أن تظهر صبيحة في أمريكا..
تحولت الى صفحة صبيحة على اليوتيوب فوجدتها على المباشر تعتذر للنظارة عن توقيف الحلقة التلفزية لانها كانت مباشرة ثم توضح ما اكتشفته من قضية المذيعة..
لم يخطر ببال أحد من المشاهدين ان المذيعة عني لم تبحث بل أنا من عرضت نفسي عليها كمهتمة ببرامج القضايا الشائكة والتي قلما يوجد لها حل..
على إثر لقاء مصادفة في لندن مع أم القتيل المكلومة وأبيه الذي شلته الصدمة، تطوعت الى إعادة البحث في الجريمة.. سمعت القصة، قرأت تقارير تفاصيل البحث الجنائي، وناقشت أكثر من خبير شارك في البحث، واعدنا تقييم الحادث، بعد أن وقفت على وصف دقيق للجريمة، وسلاح الجريمة، ومكان جلوس القتيل لحظة قتله،وإجراءات أخرى خاصة بسر المهنة ثم عرفت سببين دفعا المذيعة الى التضحية بزوجها الشاب الثري..
تلقت المذيعة عرضي كخبيرة تستأنس برأيي في قضية انتحار رجل سياسي شغلت الناس وحيرت مجلس البرلمان الأمريكي بغرفتيه مستفيدة من شهرتي العالمية في برنامج يتابعه الملايين من المختصين كمن ضربها" بشفنجة بالعسل "كما نقول في وطني المغرب والذي بالمناسبة أحيي أهله وأخص بالذكر أعز الناس لي فيه من أوى أمي البدوية، رباني وسهر على تربيتي و تعليمي..
أخبره أني مهما غبت فأنا آتية لاشتري الشوكولاتا بدراهمه التي لم تضع أبدا..
أحييه وأحيي زوجته الجميلة فانا في شوق لرؤيتها..
تتمسك زوجتي بذراعي وتحتك بي وقد اسعدها ما سمعت:
ـ أمرأة جد ذكية تذكر فضل الغير عليها.. الآن اطمأنت..
كيف تمت الجريمة؟:
المحققون تعاملوا مع الرصاصة التي أُطلقت على القتيل كاية رصاصة عادية خرجت من مسدس من قبل لص فر بعد أن داهمه رجوع الزوجة من عملها، لهذا لم يستول سوى على مبلغ من المال الزوجة من تركته متعمدة على مكتب زوجها قبل خروجها الى العمل..
المحققون توهموا من أثر خطوات بجوارب على أرض المكتب أن اللص لم يكن يرتدي حذاءا.. في حين أن الزوجة المصون هي من رسمت ذلك بقدمي دمية كبيرة فوق كل خطوة كانت تخطوها في المكتب وهي خارجة الى عملها حتى تظهر آثار حذائها وفوقه أثر الجوارب ثم أخذتها معها وقد كانت الجوارب صوفية سميكة لا ترسم حجم القدمين..
الرصاصة التي قتلت الزوج كانت محشوة بسم السيانيد لم تنطلق من مسدس لهذا فقوتها كانت محدودة، تثقب الجسم ولا تخترقه حسب القرب والبعد من الضحية خصوصا والضحية لم يكن يرتدي غير قميص حريري شفاف.. فمهمة الرصاصة احداث ثقب وافراز سم، وقدانطلقت من آلة قاذفة مبرمجة من قبل عشيق المذيعة والذي هو زوجها الثاني، والمذيعة تبعا لتخطيط العشيق هي التي وضعت الآلة القاذفة في مكتب الزوج بين كتبه تقابل مكان جلوسه،وعلى مسافة مترين ونصف فقط،وهي آلة صغيرة قد لا تثير انتباها
و المذيعة هي كذلك من أطلقت الرصاصة بآلة التحكم عن بعد من سيارتها خارج البيت
و هي تتابع العملية عن طريق كاميرا خاصة من خلال هاتف غير هاتفها، وبعد ان نزف الزوج وخارت قوته وقد تيقنت من غيبوبته الكلية بفعل النزيف و سم الرصاصة الذي لم ينفذ منه الا نزر قليل الى دمه ومعدته التي ثقبتها الرصاصة وتوهمه المحققون من أكل قد يكون تناوله عند أبويه قبل العودة مساء.. لكن تبين أن أبوي الضحية أخذا الطائرة الى لندن صباحا ووقت الحادثة كانا قد حلا عند بنتهما، وهو ماغاب عن علم المذيعة..
وصلت المذيعة بسيارتها الى باب الفيلا، وضعت جوارب سميكة في يديها معا حتى لا تخطئ في ترك بصمة، صعدت بسرعة الى بيتها،دخلت مكتب الزوج، وجدت الرصاصة الأولى بين فخديه على الكرسي لان اختراقها كان محدودا ولان الآلة لم تسددها بالقوة التي يقوم بها مسدس،مسحت الرصاصة في قميص القتيل وهو مالم ينتبه اليه المحققون وصوبت مسدسا على الجرح الأول واطلقت رصاصة ثانية حسب تعليمات عشيقها لتحقيق التخريب الذي يحدثه الرصاص في الجسم حين ينطلق من مسدس... أحد المحققين شك أن الضحية قد أصيب برصاصتين الواحدة بعد الأخرى بزمن يسير وهو ما أشار له في تقريره لكن فقدان الرصاصة الأولى جعله يسلم بان القتل تم برصاصة واحدة..
سحبت المذيعة الكاميرا والآلة المبرمجة كما الهاتف وحزمة الجوارب والنقود التي كانت فوق المكتب وسلمت الكل للعاشق الذي كان في سيارتها ينتظر، ثم أدارت رقم هاتفه من هاتفها الخاص للتمويه وطلبت منه نظارتيها المنسية عنده.. ساقت السيارة فأوصلت العشيق الى بيته ثم عادت المذيعة لتعلن حضورها وتستدعي رجال الشرطة،وقد شهد العشيق زورا وكذبا أن المذيعة كانت عنده ونسيت نظارتيها محتجا بساعة المكالمة بالضبط..وهو ما يتفق مع هاتفها..
شيء تغافل عنه المحققون ثقة بالمذيعة:
أين كان حارس الفيلا في تلك الليلة بالضبط؟ ولماذا لم يغب الا ليلة الجريمة؟
ومن هي الخادمة التي باتت معه وغيبته بسكر وحشيش؟
ومن أحرق الصمام الكهربائي الخاص بكاميرات المراقبة من بداية المساء؟
لقد تعودت خادمة المذيعة أن تسافر كل ليلة سبت الى زوجها
فما القيمة التي تم اغراؤها بها لتهتم بالحارس وتلغي سفرها؟
ولماذا أتت شهادتها وشهادة الحارس وشهادة المذيعة متطابقة أبعدت الكل عن الشبهات؟
أما سبب الجريمة فالقتيل داهمة مرض السكري بعنف خرب جهازه التناسلي بسرعة لكثرة تعاطيه للمنبهات الجنسية حتى صار عاجزا عن تلبية رغبات الزوجة رغم عمليتين جراحيتين، وقد حنت المذيعة للحبيب الأول وممارساته السادية العنيفة، التي تعشقها وقد عاد اليها ونفذ رغبتها في أن يساعدها على قتل الزوج مقابل التنازل له عن نصف الثروة التي سترثها من القتيل حسب وصيته اليها، وهي من أغرته بكتابتها، بعد أن داهمه مرض السكري، اما السبب الثاني فقد أحست أن الزوج صمم على تغيير وصيته بعد خصام بينهما اثر غيابها بحجة العمل خارج الاستوديو لكن أنثى قد وشت بها أنها قضت الليل في "فندق جزيرة البحر " مع عشيقها.. كلف الزوج أحد عماله بمراقبتها فأكد له علاقتها بالعشيق و صار الزوج لا ينتظر غير عودة المحامي من إحدى المؤتمرات ليعيد كتابة وصيته..
***
محمد الدرقاوي ـ المغرب