نصوص أدبية
عادل الحنظل: ألسرّاجي*
مذ كانتِ النُجومُ لي كآلةِ الحِسابْ
في حُجرةٍ طوى الفراغُ جَوفَها
تَربّعتْ على الجدارِ مِئذنةْ
تحوكُ من رَثاثةِ الأثاثْ
سجّادةَ الدعاءْ
تَستنهِضُ المكانْ
تستنفرُ الدقائقَ البطيئة
تَستلُّ مني حَيْرةَ الطفولة
فتَنحَني أمامَها
أفكاريَ التي تُصارعُ الزمانْ
كأنما أُسائلُ الخَفاء
عن سرّها الدَفينِ
فلا جواب
سوى أحاديثٍ أخالُها حكايةَ المساءْ
يختالُ في استحضارِها أبي
عن صورةٍ تُجرّدُ السكونَ من ثيابهِ
وتحتسي من عينيَ العطشى الفضولْ
ولا تقولْ
رسَمتُ بارتعاشَتي نُقوشَها
لمْ أدرِ بعدُ ما السرّاجي
بيوتهُ التي تصافحُ الأذانْ
دروبهُ في حَضرةِ النَخيلْ
أم مِئذنةْ
تحومُ حولَها السَماءْ
أضاقَ يارفيقةَ الطفولةِ الفضاءْ
بحُجركِ الضئيلْ
أم خانَ في الشوارعِ الطَوافْ
تأبى انحناءً
فاستوَتْ خناجراً بخَصركِ الجَميلْ
أيزدَريكِ مَكرُ سيماءِ السُجودْ
وتستَبيحُ كبرياءَكِ الخَواتمْ
ضحيةٌ الغليلِ أنتِ يا سليلةَ الجدود
سيَزحفُ التاريخُ بعدَ حينٍ بالرِياء
مُدنّساً عُلاكِ حاقدٌ
يراكِ غصّةَ الوجود
أيشربونَ من صخوركِ الدماء
ويكرهونَ إرثَك المدودَ في شواطئِ السواقي
في امتشاقكِ العَلياءْ
وصَمْتكِ الذي يُرى
ما أقتَلَ الصمت الذي يُرى
بلى
أودى بكِ الوقارْ
وعهرُعهدٍ ناصبَ اللهَ الدهاءْ
فلتذهبي ..
قَتيلَةً ..
ولتحتَفي بمَوتكِ الطريقْ
***
د. عادل الحنظل
.........................
* في طفولتي، في دارنا التي تتوسط باب سليمان، تسمرت على الجدار صورة لجامع السراجي بمئذنته الفريدة. صورة فوتوغرافية عهد بها أبي الى رسام فأخرج منها لوحة زيتية جميلة كانت تسحرني بألوانها كلما أطلت فيها نظري. بُنيت المئذنة قبل مايزيد على 300 عام وهي من موروث البصرة النادر الذي يفتخر به البصريون. وبدعوى توسعة الطريق، لجأت حكومة البصرة الى هدم المئذنة وازالة الجامع، ضاربة بحقدها جميع رجاء البصريين بالعدول عن الهدم وإيجاد بديل. ضاعت المئذنة كما سيضيع تراث البصرة التي مابقي من أهلها سوى القليل.