نصوص أدبية
مصطفى علي: في وداعِ آخِر الدراويش
نَعى صَريعَ المُنى أم قد بكى الناعي
نديمَ مَنْ عَطَّروا الرُؤيا بِنَعْناعِ
*
سليلَ مَنْ أدْمنوا التَرْحالَ قافِلةً
تَقْفو الشيوخُ بِها أثارَ أيْفاعِ
*
حفيدَ مَنْ نَحَتوا الأوتارَ مِنْ حَجَرٍ
فَسالَ مَدْمَعُهُ شَلّالَ إبْداعِ
*
دِرْويشَ شِعْرٍ بِلا شيخٍ وَ مَسْبَحَةٍ
مُسَبِّحاً دونما صوتٍ وَ مِذْياعِ
*
بّلْ هامَ مُرْتَشِفاً سِرّاً طريقَتَهُمْ
وليسَ في بالِهِ تَرْويضَ أتْباعِ
*
حَطّابَ فَجْرٍ بها الحَطّابُ عَمّدَهُ
في طَلِّ غاباتِهِ أو دمْعِ. زُرّاعِ
*
يَصيحُ في قومِهِ لا لسْتُ مُتّخِذاً
سِوى كؤوسِ الطِلا نُدْمانَ إيقاعي
*
كَسادِرٍ قلبُهُ الدرويشِ مَجْمَرةٌ
يشقى بأمْزِجَةٍ شتّى وأطْباعِ
*
لَمّا تَواجَدَ في تَنّورِ باطِنِهِ
أغارَ مُنْتَقِماً مِنْ لُبِّهِ الواعي
*
صوْتُ النَعِيِّ كَديكِ الفَجْرِ أيْقظنا
وكم أذانُ الردى أوْدى بأسْماعِ
*
دموعُنا أدْمنتْ توديعَ مَنْ رَسَموا
نَزْفَ القرائحِ من نورٍ وإيلاعِ
*
صرعى القصائدِ والأبياتِ دونَهما
(بابٌ يُلاحِكُ مِصْراعاً بِمِصراعِ)
*
يَخُطُّ أحْرُفَهُ الجذلى على كَبِدٍ
حَرّى وَ قَدْ شُوِيَتْ في جوْفِ مُلْتاعِ
*
طافَ المهاجِرَ بَحْثاً عن غزالَتِهِ
حتى بَدى دَمُهُ أشْفاقَ أصْقاعِ.
*
فَيا مَها (الرّاينَ) الهدّارَ لي عَتَبٌ
فذا غَريبٌ ذوى من غيرِ أشياعِ
*
تَقَرّحتْ كَبِدُ المفتونُ هازِئةً
بلائمٍ ساطَها في سوْطِ إقناعِ
*
وَمالَ عن جِيرةِ اللوّامِ مُنْتَبِذاً
رُكْناً قصيّاً لينسى لوْمَ أوْزاعِ
*
تقولُ نادِلَةٌ هَمْساً لزائرِها
تجاوزَ المُبْتَلى أوهامَ إقْلاعِ
*
يَرْعى أغاني الأسى في قَلْبِ حانَتِها
والنايُ قَبْلَ الطِلا قد أسْكَرّ الراعي
*
حاناتِ (برلينَ) إنّ الصَحْوَ يوجِعُهُ
فَعَتِّقي خَمْرَهُ من فيضِ أوْجاعِ
*
عادَ المُعَنّى الى بُسْتانِ قَرْيَتِهِ
يَرجو قِطافَ التي.. مِنْ بعدِ إيناعِ
سعى دُهوراً الى أعذاقِ كَرْمَتِها
فهل عناقيدُها شلّتْ خُطى الساعي؟
*
إِذْ سَهْلُهُ مثلما لَيْلاهُ مُمْتَنِعٌ
يَصُدُّهُ عن هواها ألْفُ مَنّاعِ
*
كَقابضٍ جَمْرةً والريحُ مُهْرَتُهُ
وقلبُهُ نازفٌ من خلفِ أضلاعِ
*
مودّعاً قلبَهُ النهرينِ مُلْتَمِساً
بُرْءاً لِعِلّتِهِ لا وَصْلَ إيداعِ
*
وديعةً قُرْبَ مَنْ يَهْوى ويَسْألُها
رفقًا بأسرارهِ إِنْ غادرَ الداعي
*
بينَ الظِباءِ لَهُ ياصاحبي تِرَةٌ
مَنْ مُدْرِكٌ ثأْرَهُ .. الصاعَ بالصاعِ
*
رُحْماكَ ربّي بِعُشّاقِ الندى فَلَقدْ
فاضوا لنا عَسَلاً من خيْرِ أنواعِ
***
د. مصطفى علي