نصوص أدبية
شدري معمر علي: في السماء سحابة بيضاء
كنت سأعبر هذا النهر، أقف على حافته، أنظر إلى زورقي المتهالك، أهم بالركوب، أسمع صوتا من بعيد كأنني أعرفه.
صوت دافئ، يشع بالحب والحنان، تمهل يا بني، انتظرني، ألتفت إلى الوراء، كأنه طيف امي، تطير عبر السحب، تلوح لي بيديها الناعمتين، أحدق في السماء، أنسى الزورق والعبور إلى الضفة الأخرى..أركب زوارق الذكرى، أمتطي صهوة الأحلام وأرحل بعيدا....
" لم ادر كيف رحلت في غفلة من العمر، عندما تأملت في المرآة شعرت بأنني قد كبرت، لم أعد ذلك الطفل الشقي، الذي عاش محروما من طفولته، من يد حانية تأخذ بيديه في دروب الحياة المثقلة بالآهات والأوجاع....
أتذكر عندما طلبت منا المعلمة أن نكتب عن رحلة قمت بها أنت وعائلتك إلى البحر، صف لنا أجواء الرحلة معبرا عن شعورك وفرحك بها ...
توقف القلم بين أصابعي، ارتعش من هول الصدمة، ماذا يكتب ؟و صاحبه، طفل غريب، لا يعرف إلا الطريق إلى المدرسة وباب المنزل، يعيش في عزلة قاتلة، أصدقاؤه الوحيدون الذين يخففون عنه مرارتها هم الكتب، يمتطي صهوة البياض ويطير بعيدا إلى عوالم لم يرها هناك يعيش بحرية ودون خوف ولا اغتراب ...
انتهى وقت الكتابة وسلم لها الورقة ناصعة البياض..و كأنه يقول لها:
البياض كتابة، كتابة تخفي وراءها حروف الألم والفقد، البياض لغة من لا لغة له، احتجاج على فقدان المعنى، ابتسمت المعلمة وربتت على رأسه بكل حنية، شعر بالراحة وانزاح عن قلبه الصغير جبل الثلج ..
المرآة صادقة معي، تريني حقيقتي، وخط الشيب شعري، رسم لوحة ناصعة البياض عليها بقع سوداء لا تكاد ترى، يا هذا ها أنت اليوم تودع الطفولة والشباب معا، لم تعد تلك اليد الحانية تربت على شعرك، لم تعد تسمع تلك الدعوات وانت تقبل رأسها متوجها إلى مدرستك بمحفظتك الجلدية البنية اللون، فتستقبل تلاميذك بكل فرح وسرور، لقد أخذت بركة اليوم من والدتك ..
لم أعبر النهر، لقد جف نهر الحياة برحيلها، حطمت زورقي ونمت على ضفته توسدت أشواك الذكريات واسلمت قلبي لعواصف الزمن العاتية .
***
شدري معمر علي