نصوص أدبية
نضال البدري: جسد الدمية
تضحك تاره وتصرخ مرة تاره فرحا بالفوز، كان غنجها وصوت ضحكاتها يلهب تحدي الذين يلاعبونها ويعزز رغبة كل واحد منهم في ان يتفوق عليها ويفوز باللعبة. ساعات المساء بالنسبة إليه تسير ببطء شديد على أمل ان تبدأ اللعبة وتترجل تلك الحسناء من على صهوة جوادها وتحادثه، أصبح منساقا اليها ويساندها ويحميها وكأنها في قتال وسباق حقيقين، فليست الاصابع وحدها التي تحرك جسد الدمية في اللعبة بل كانت المشاعر ايضا. كانت أكثر الفتيات جرأة ولها روح مرحة جعلتها تتميز عن الأخريات. شعر بالغيرة في احدى المرات وازداد توتره عندما سمعها تتحدث مع أحد المشاركين معهم وقرر ان يتقرب اليها ويحادثها ايضا، من يدري فربما سيحظى بالقرب منها.
تذرعا كذبا وأخبرها انه متوعك قليلا ولا يشعر برغبة في الدخول معهم الى اللعبة لكنها طلبت منه وبإلحاح ان يلعب هذه المرة من اجلها، وافق دون تردد اذا كان كذلك سألعب، وتبادل معها حديثا كان طويلا بعض الشي حول امور شتى، بعد نهاية اللعبة اتفقا على ان يتبادلان ارقام هواتفهما من اجل ان يطمئن احدهما على الاخر لانهما اصبحا اصدقاء، هكذا هي البداية كما يبدو في كل العلاقات، اصبح مشدودا لحديثها وتحدث معها عن حياته واستطرد في الحديث عن وحدته فلأشيء غير الانهماك في العمل برفقة والده ثم الدخول الى اللعبة، هذه اللعبة التي يعشقها واخذت الكثير من وقته وماله، واصبح مدمنا عليها لاسيما مع وجودها معه، بعد الاسبوع الاول لحديثهما قالت له علينا ان نتوقف عن الاستمرار بهذا الحديث لأنه مغامرة لا تود الخوض فيها لكونها امرأة على مشارف الاربعين من العمر، شعر بحزن كبير وظن بانها ستفعل ذلك حتما وذكر لها بانه لا يظن بان العمر يمكن ان يكون عائقا بينهما وعادت لكي تذكر له بان اسمها الحقيقي لم يكن سوزان واستوعب الامر على مضض، وقال لها الاسماء ليست مهمة قطعا مهما يكن اسمك فانت الاقرب الي الان ولكنها اصرت على انه يجب ان يعرف اسمها الحقيقي .قال لها مادامت صادقة معي فلم لا نلتقي لكنها رفضت وعللت الأمر انشغالاتها العائلية وامور اخرى تمنعها منها القيود المجتمعية ولكنه سهل عليها الامر واقنعها ان اللقاء يمكن ان يكون في مطعم داخل أحد المولات اذ انه يرغب بشراء عطر مميز ويريدها ان تشاركه في اختياره.
كان اللقاء الاول حافل بالمفاجآت فقد رآه مجموعة من اصحابه برفقتها وكذلك صديقة والدته الا انه لم يهتم لأنه كان ينظر اليها بشغف ويتحدث اليها بأجمل الكلام وقلبه يخفق. نظراته وكلامه الجميل كسرت جرأتها. الانثى القوية يغلبها الخجل وتضعف امام نظرات هذا الرجل الجريء. كان منبهرا بجسدها ورائحة عطرها الباريسي، عندما جلسا معا بادرته بالقول بأنها منفصلة، وأخبرها هو ايضا انه يعمل مع والد في ادارة شركته التجارية في استيراد وتصدير الاغذية ويدخن الاركيلة فقط، أخبرته هي ايضا تدخنها، شعر بارتياح معها لم يشعر به من قبل وطلب منها ان يجلسوا لكي يستمتعا بطعم الاركيلة بينما يتحدثان قبل ان يتناولان طعامهما، عرض عليها أثناء تدخينهما ان يلعب معها فقط وانه سيكافئها عن كل فوز فوافقت وقالت له سوف تخسر قال لها سأكون مسرورا بذلك.
لم يمض اول يوم حتى اضاء هاتفها بوصول رصيد شحن لها بأعلى فئة، شعرت بأن هناك انعطافة كبيرة ستحدث في حياتها، لكنها مازالت مجهولة المعالم وسط ما اعتادت عليه في جلسات الليل وضحكات الشباب ونبرات أصواتهم الساخرة المتربصين المتسمرين خلف شاشات حواسيبهم وهواتفهم حتى اللحظات الاولى للفجر.
أصبح يغازلها ويتعمق بالحديث عن مفاتنها و ردت عليه بانها امرأة كبيرة في السن ولكنه لم يسمعها وردد لا يهمني ذلك، شعرت انه يجاملها ففي النهاية هو يفكر فيها كرجل والغريزة هي التي تتحدث الآن. شعرت بانه يستخدم جراته كثيرا للحديث معها حول تفاصيل المرأة وخفايا مشاعرها المكبوتة وحاولت تغيير الحديث وذكرت له أنها تعيش الان في شقة مؤجرة ومعها والدتها المسنة، أخبرها بأنه يرغب لها ان يلتقي بوالدتها، ردت عليه وهي تجامله اهلا بك فرد عليها بسرعة بأنه سيحضر مساء الغد ويجلب معه العشاء لكي لا تتعب في اعداده فوافقت شريطة ان لا يتكرر هذا الامر.
في مساء اليوم التالي حضر متأنقا بعد ان ركن سيارته الفارهة في الشارع المقابل للعمارة التي تسكن فيها وحمل العشاء معه ورائحة عطره تملا المكان واتصل بها واخبرها ان تفتح الباب وتنتظره عندما راته نظرت اليه طويلا بإعجاب، شاب جميل ووسيم وانيق يستحق الاعجاب حقا ومن عائلة غنية ويحضر لها الحي الشعبي البسيط، انها مغامرة فعلا ستقول انه من أقاربها الأغنياء عندما تسأل عن ذلك، دخل الى الشقة التي تملأ ارجائها رائحة الاركيلة ووجد امرأة مسنة تضع شالا ابيض على راسها تجلس على الاريكة نهضت وسلمت عليه وهي تتفحصه من الاعلى الى الاسفل ولفت نظرها لمعان حذائه الاسود وعطره، قالت لامها ها هو الشاب التي حدثتك عنه وهي مبتسمة، ثم أخذت منه العشاء وذهبت الى المطبخ وهي تقول البيت بيتك خذ راحتك .
صمت مطبق خيم على المكان بينما كانت الأم تحدث نفسها عن شكل العلاقة التي يمكن ان تربط ابنتها بصبي في عمر هذا الشاب فهو بنظرها صبي ليس الا. بعد ان تناولوا عشائهم الذي جلبه من احد المطاعم الفاخرة تأخر الوقت كثيرا وهم يتحدثون في عن كل شيء من الامراض المزمنة التي تعاني منها والدتها الى وضع السوق الحالي وطرق التجارة وتكفل بعدها بمصاريف علاج والدتها وتعهد ايضا بدفع إيجار الشقة، عروض لا يمكن ان تأتي الا في الخيال جعلت منهن نساء في غاية السعادة وطلبت منه المرأة المسنة ان يبيت الليلة معهم لان الوقت قد تأخر ووافق بعد تمنع كاذب بينما بقيت تنظر اليه بغنج، قالت له ستنام هنا في الصالة ونحن في الغرفة وهي تضحك واعدت له فراشا وذهبت الى الغرفة التي تركت بابها مفتوحا واطفئت ضوء الصالة لأنه قال لها إنه لا يحب الضوء، بعد ساعة تقريبا وعندما كان مضطجعا على ظهره شعر بتسللها الى فراشه بملابس نوم فضفاضة،احتضنها وقبلها من رقبتها ومن شفتها السفلى وهي تغمض عينيها مستسلمة لهذه اللحظات من الخدر اللذيذ وهمس في اذنها أنت المرأة الوحيدة التي عشقت فردت عليه وانت الوحيد الذي يجعلني اشعر باني امرأة وأنثى حقيقية .
ذلك جعله يشعر بتعلق كبير بها، فبعد اربعة أشهر من علاقتهما أصبح مولعا بها ويقضي معظم الوقت بقربها، اخذ يتردد يوميا عليها حتى ظن الجيران بأنه أحد اقاربها واندفع محاولا بسط سطوته عليها كرجل في حياتها طالبا منها ان تغير رقم هاتفها باخر جديد، وابدى استعداده للعيش معها وطلب في احدى المرات الزواج منها لكنها امتنعت وهي تدرك بأن فارق العمر سيحول دون استمرار هذا الارتباط. وان تعلقه بها مجرد نزوة واستدركت وهي تحدث نفسها (لا تصدمك النهايات التي خطت ملامحها مسبقا)
واستخدامها لمساحيق التجميل وأحمر الشفاه بدأ يخفي الكثير من رونق وجهها لكن تلك المساحيق والثياب المثيرة هي التي جعلته يتعلق بها كطفل. المساحيق التي اعتادت ان تلون بها وجهها لكي تثير الرجال الذين مروا بحياتها وغادروها بهدوء مازالت باقية.
أصبح يرافقها كظلها ويضيق عليها الخناق. وبمرور الأيام صارت الحياة معه جحيما حقيقا لا يحتمل بالنسبة لها، طلبت منه في أحد لقاءاتهما ان يضع كل خيالاته وأوهامه عن الحب وغيره جانبا وان يعود كل شيء الى ما كان عليه وينهي هذه العلاقة التي أصبحت ثقيلة. اصاب وجهه الشحوب وتقدم نحوها مبديا عدم اكتراثه بالموضوع، طالبا منها ان تعيد له كل النقود التي صرفها عليها وعلى والدتها، وأخبرها بانه يعلم بان لها علاقات كثيرة مع رجال غيره.
فكر بعد ذلك في نسيانها وحدث نفسه قائلا: ما فائدة تعقبها ورصد كل تحركاتها، وهي من طلبت منه ان ينهي هذه العلاقة، لكن ارادته قد خانته واشتعلت فيه مشاعر الغيرة الممزوجة بالغضب، سوف لن يدعها ترسم خطوط النهاية وحدها لاسيما وانه لم يستطع ان يكبح شوقه الى جسدها وانفاسها الحارة أكثر من هذا الوقت وطلب منها عندما اتصل بها ان يلتقي بها للمرة الاخيرة لكي يودعها وانه لن يجبرها على ابقاء علاقتهما.
تفاجأت بلحيته السوداء وشعره المنفوش وخطوط الارق السوداء المحيطة بعينيه المتعبتين رغم توهجهما، نظر اليها باستسلام وهو يقول: بانه لا يستطيع العيش بدونها، وأنها بالنسبة له رمز للحياة والعالم الذي يحلم به، لكنها نظرت اليه دون اكتراث او مراعاة لمشاعره وهي تعدل شعرها الاسود الطويل، في تلك الليلة كانت تلبس ثوبا احمرا خفيفا، قالت له لا فائدة من توسلاتك انتهى كل شيء. ابحث لك عن امرأة تناسب عمرك. طلب منها ان تمنحه فرصة اخرى ووعدها بانه لن يضايقها كالسابق، رفضت توسلاته واطلقت ضحكة عالية، مشيرة براسها بالرفض اعتدل بوقفته وشرايين رقبته المستديرة تنبض بقوة مع انفاسه المتلاحقة وتقدم نحوها قائلا، انت امرأة تافهة،سأنهي كل هذه التفاهات اليوم، لست سوى عاهرة، عاهرة تريد المزيد من الرجال لكي تشبع نزواتها القذرة، فقالت له بنوبة غضب لست سوى قواد صغير،انت تافه وحقير ايضا وانت تتوسل ثم ضحكت بهستيرية واضحة بينما كادت عيناه تخرج من محجريهما لغضبه ولم ير سوى الشال الذي تضع على رقبتها لكي يلفه على رقبتها بقوة عظيمة لا يعرف من اين حضرت لكي تسقط على الارض وعيناها مفتوحة على اتساعها وهي تدفعه بيديها وقدميها بكل ماوتت من قوة وتحاول الافلات من قبضته التي منعت وصول الهواء اليها، لا يعرف كم استمر الوقت حتى خمدت حركاتها وتوقف جسدها عن الحركة وقلبها عن النبض ولكنه كان جاثما على صدرها وهو ينظر الى وجهها الجميل، بدت مثيرة على هذه الحال، تلمس ثديها الايمن الذي كان دافئا ثم قبلها، يا الهي كانت جميلة جدا ومثيرة وهي صامتة ومستسلمة ليديه التي تعبث بجسدها، لم يستطع ان يقاوم رغبته في ان يكمل كل شيء، عليه ان يستغل حرارة جسدها العظيمة هذه قبل ان تبرد، خلع ملابسه كلها وفعل ما كان يفعله معها قبل ان تتحول الى جثة، لم يفكر باي شيء اخر، العالم خارج جدران هذه الشقة لم يكن يعنيه، حتى عندما حضرت الام العجوز وراته على هذه الحال، لم يسمع كيف دخلت او كيف صرخت او كيف تجمع الجيران كان منتشينا فقط وصامتا ومذهولا .
***
نضال البدري - بغداد / العراق