نصوص أدبية
صادق السامرائي: الغيب!!
تَمادى الغيبُ ما بقيَ اسْتتارا
ويُدرينا إذا رَفعَ الستارا
*
حِجاباتٌ بها الأفهامُ حَيْرى
وإنْ بَعُدَتْ فقد زادَتْ وَقارا
*
يَفيضُ الصَمتُ قَطْرا مِن مَديدٍ
فيَجْعلُ وعْيَنا لجَجا مُثارا
*
تَماسَسَتِ العقولُ بلا لقاءٍ
وأطلقتِ الرؤى وهَجا ونارا
*
وقالَ الروحُ مَنْ دَهَمَ الخفايا
ومَنْ وهبَ المعانيَ إنْبهارا؟!
*
وإنّ النفسَ ناطقةٌ هَواها
بساجعَةٍ تُبادلها اسْتعارا
*
فهلْ جُهِلَتْ جَواهِرُها وخابَتْ
وهلْ صدَحَتْ مَعارفُها جَهارا؟!
*
توارى كلُّ مَكنونٍ بحُجْبٍ
وبانَ مُبهَّماً لَبِسَ الدِثارا
*
فوعْيُّ الشيئ مَرهونٌ بجُهْدٍ
يُجاهدُ خَنْدَقا مَنعَ ابْتصارا
*
خَلائقُ رَحْلها تُلقى إليْهِ
وكمْ وَفدَتْ وما قطعتْ مَسارا
*
وما نظرتْ بزاويةِ اعْتمادٍ
تُسطّحُ حَوْلَها فترى الغبارا
*
وما نَهَضتْ بدائرةِ انْغلاقٍ
ولا كشفَتْ مَفازاتاً ودارا
*
تَعَثرتِ الخُطى في وَحْلِ ظنٍّ
يُقيّدها ويَمنَحها انْكِسارا
*
وأُجْبَرتِ العقولَ على انْصفادٍ
بأوْديةٍ توافيها انْحِسارا
*
وتأخْذها لشطآنٍ تلاحَتْ
لتُغْرقها وتَجْرفها حَيارى
*
وتؤنِسها بأوهامٍ ورُغْبٍ
وقد رَسَمَتْ لها سُبلا عِثارا
*
يُوالدها ترابٌ مِنْ ترابٍ
ويَخدَعُها ويُلقِمُها انْصِهارا
*
وما عَلِمَتْ ذواتٌ مُحتواها
ولا وَصلتْ قوافلها مَطارا
*
رأيْتُ الغيْبَ غيّابَ اغْتفالٍ
ومُنتهلا يُعاطينا اخْتبارا
*
فلا غَيْبٌ إذا غابَتْ نفوسٌ
وأوْرَدها التنائيُ إحْتِضارا
*
قيودُ الخَلقِ طاقاتٌ تَنامَتْ
بأعْماقٍ وما مَنحَتْ خَيارا
*
كأنّ وجودَها طغيانُ أمْرٍ
يُعذبّها ويُشبعُها انْقِهارا
*
وما غَنِمَتْ منَ الويلاتِ دَرْسا
وما سَئِمتْ بها يوما جِوارا
*
وإنْ ظفرتْ بعاليةٍ تهاوتْ
وأرْدَتْ كلّ ساميَةٍ نِثارا
*
سُقينا من مَشاربها فخُرنا
وما زالتْ تُساقينا المَرارا
*
نغارُ على هواها منْ غَريمٍ
فيُلقينا على حُصُرٍ خُسارى
*
تداوينا بأوْضارٍ وداءٍ
وما غَفلتْ وكمْ خاضَتْ غِمارا
*
تَحاوَرَتِ الخَطايا واسْتراعَتْ
وألقتْ حِمْلها ونَضَتْ خِمارا
*
تُعاصِرُنا المَنايا كيفَ شاءَتْ
فأضْحى المَوتُ في زَمَنٍ عِقارا
*
تُخاطبني بمُنْطلقٍ لجَوْرٍ
وتَنْهرني وتُهْلكني انْسجارا
*
وما الغيبُ الذي غابَتْ سُداهُ
وإنّ الغيْبَ يُدْركُنا كبارا !!
*
يَبوحُ لسانُها بلغاتِ كنّا
فيوقِظنا ويُلْهِمُنا افْتكارا
*
وإنْ قَفزَتْ إلى العَلياءِ خَطوٌ
تَشاسَعَ خَطوُها وبَدى اخْتِصارا
*
رُبوعُ الكونِ في كوْنِ انْفِلاقٍ
يُعاجلُها ويُلْقِمها ابْتِدارا
*
غَياهِبُ نورِها كَنَزتْ غُيوبا
بأفئدةٍ وما ظهَرَتْ عَيانا
***
د. صادق السامرائي
7\4\2015