شهادات ومذكرات

غريب دوحي: ابو نؤاس فقيهاً

داب المؤرخون العرب والاجانب في الادب العربي على الصاق مختلف التهم بالشاعر الحسن بن هانيء فهو مرة شعوبي ومرة زنديق واخرى ملحد وماجن، غير ان هناك مقولة كانت رائجة في العصر العباسي تقول (..ان الامام الشافعي شاعر غلب عليه الفقه...) وبامكاننا ان نقول ان ابا نؤاس فقيه غلب عليه الشعر.

لقد كتب ابو نؤاس شعرا في الزهد والتصوف والتوبة الا ان هذه القصائد جاءت في سنوات عمره الاخيرة،(ويقال عنه انه كان يجالس الفقهاء والمحدثين والمتكلمين حتى قالوا انه بدأ حياته متكلما ثم نظم الشعر)(*شوقي ضيف الفن ومذاهبهُ) وقد استخدم المذهب الكلامي في بعض اشعاره ووصف بانه كان عالما فقيها بالاحكام والفتيا وبطرق الحديث ونسخ القران ومنسوخه وقد عكف على دراسة القران ودراسة اللغة وتخرج في الحديث على يد شيوخ اللغة في البصرة وعالج كتاب سيبويه (الكتاب) (احمد كمال – الحياة الأدبية في البصرة).

اما اشعاره التي يصف فيها الخمر فانه كان يكتبها اثناء معاقرته للخمر شفاء لروحه وخروجا من الكآبة النفسية التي كان يعاني منها في بعض سويعاته شانه في هذا شان الشاعر الفارسي عمر الخيام، يضاف الى هذا ان عصر ابي نؤاس تميز باضطراب فكري انعكس في بعض قصائده كقوله:

تكثر ما استطعت من الخطايا

فانك بالغ رباً غفورا

ويرى عنه انه عندما دخل السجن بتهمة الزندقة وطال حبسه وسال عن سبب حبسه قال (لقد اتهموني اني اشرب شراب اهل الجنة) فاطلق سراحه.

وعندما نصحه إبراهيم بن سيار النظام بترك الخمرَ وعليه بقوله:

دع عنك لومي  فأن اللوم اغراءُ

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

ثم سخر منه قائلاً

فقل لمن يدعي في العلم فلسفه 

  حفظت شيئاً وغابت عنك اشياءُ    

ابو نؤاس ناسكاً

قال في النسك ما لم يقله النساك كقوله:

يا كبيراً الذنب عفو     

  الله من ذنبك اكبر

وقال مذكراً بالموت:

ان للموت سهماً    واقعاً دونك او بك

فعلى الله توكل     وبتقواك تمسك

وكذلك قوله: اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت

له عن عدو في ثياب صديق

وحدث انه لما حج مع (الجارية جنان) وقد احرم وانه لما جاء الليل جعل يلبي بشعره ويحدو بطرب في صوته وقد هزه الموقف امام الكعبة حتى تجمع الناس من حوله وهو يقول ملتمسا العفو والمغفرة

الهنا ما اعدلك

مليك كل من ملك

لبيك قد لبيت لك

وكل من اهل لك

لبيك ان الحمد لك

والملك لا شريك لك

الى آخر هذه التلبية  وهذا الابتهال لا يزال يردده حجاج مكة في كل موسم للحج.

وصية ابي نؤاس قبل وفاته

(بسم الله الرحمن الحريم: هذا ما واصى به المسرف على نفسه المغتر بامله، المعترف بذنبه، الحسن بن هانيء اوصى وهو يشهد ان لا اله الا الاله وحده لا شريك له ولا ند ولا مثل وكل معبود سواه فهو باطل وان محمد بن عبد الله عبده ورسوله الى عباده وخيرته من خلقه، ان ما جاء حق كله، على ذلك نحيا وعليه نموت وانه لا يرجو الخلاص من عذاب الله الا بشفاعة نبيه محمد (ص) وبالاعتراف بدينه والثقة بعفو ربه، واوصي بكذا وكذا) (*مجلة (افاق عربية ) بغداد العدد 7)

هذه هي وصية الشاعر ابي نؤاس والتي تتضمن اعتراف واضح بتوبته واخلاصه وتخليه عن كل ما جاء به في مسيرته الاولى حيث قال قبل هذه التوبة بيتا من الشعر هو عبارة عن اعتراف بالخطأ حيث قال:

ولقد دلوت مع الغواة بدلوهم

فاذا عصارة كل ذاك اثام

***

غريب دوحي

في المثقف اليوم