ثقافة صحية
بهجت عباس: الكورتيزول.. هورمون التوتّـر والانقباض النفسي

مركّب كيميائي مشتق من الكوليسترول، يكون تحت سيطرة الغدة النخامية (pituitary gland) التي تلعب دوراً رئيساً في إفرازه بإطلاقها هورمون adrenocorticotropic hormone (ACTH) الذي يحفز الغدة الكظرية التي تقع أعلى الكلية، لإطلاق الكورتيزول، فهو هورمون ستيرويد يُنتج في الغدة الكظرية من الكوليسترول، وكذلك ينطلق من هذه الغدة الأدرينالين (إبينفرين)، وكلاهما يعمل معاً استجابة لظروف البيئة التي يجابهها الفرد.
يُعد الكورتيزول جهازّ إنذار في الجسم يُفرز استجابة للظروف المحيطة بالفرد، كخوفٍ فجائي أو حادث طارئ مثير للغضب أو الكدر وغير ذلك من أمور الحياة، ووظيفته أنْ يُعدَّ الجسم لاتّخاذ ما يُلزم من إجراء، كشحذ الإحساس أو الشعور وتنظيم ضغط الدم وتأييض سكر الدم والاستجابة المناعية. ولكنّ المشكلة قد تتفاقم عندما تكون هذه المشاكل مزمنة مستدامة، يؤدي ارتفاع الكورتيزول إلى مشاكل صحية مرتبطة بالتوتر، بينما يسبب انخفاضه التعب ومشاكل أخرى. يرتفع الكورتيزول وينخفض طوال النهار والليل. عادةً يكون في أعلى مستوياته صباحًا، بعد الاستيقاظ مباشرةً، ثم ينخفض تدريجيًا على مدار اليوم والمساء. يرتبط هذا الإيقاع الطبيعي للكورتيزول بالساعة البيولوجية، التي تُنظّم العديد من الوظائف الفسيولوجية، بما في ذلك اليقظة والاستجابة للتوتر. غالبًا ما تبلغ مستويات الكورتيزول ذروتها حوالي الساعة السابعة أو الثامنة صباحًا، ثم تنخفض تدريجيًا حتى تصل إلى أدنى مستوياتها حوالي منتصف الليل، حيث يكون هورمون الميلاتونين، الذي يدعم النوم في أعلى مستوياته. فعدم التوازن بينهما، يسبب اضطراباً في النوم. فهما على طرفيْ نقيض. فعندما يكون الميلاتونين عالياً، يجب أن يكون الكورتيزول واطئاً ليستطيع المرء النوم بسهولة. وإذا لم يتم التوازن بينهما، يكون النوم صعباً.
فارتفاع مستوياته صباحًا يساعد على اليقظة والطاقة، وانخفاضها ليلًا يدعم النوم واستعادة النشاط.
أمّا إفراز الكورتيزول المستمر فيكون ذا ضرر وسيعمل ضد مصلحة الجسم. فهو يلعب دوراّ هاماَ في حياة الانسان. ينظِّم الكورتيزول الأيض ووظيفة الجهاز المناعي ويديم ضغط الدم ومستوى سكر الدم. وهو نتاج الجسم طبيعياً، أما مادة الكورتيزون المعروفة، فتّنتَج صناعياً وتحاكيه في المفعول وقد تكون أكثرَ فعالية منه في علاج الالتهابات في بعض الأحوال. وعندما يرتفع الكورتيزول في الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً يثير الجهاز العصبي السيمپثاوي (الذي يهيئ الجسم للفعالية البدنية أو العقلية) مسبباً سرعة في نبض القلب وارتفاعاً في ضغط الدم والاستيقاظ مبكّراً ويكون المرء أكثر نشاطاً وحيوية على عكس ما يكون في منتصف الصباح حيث يكون مستوى الكورتيزول واطئاً. وعلى هذا يُسبب رشف القهوة أو الشاي (حيث يحتويان على الكافئين) الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً ارتفاعاً في الكورتيزول، فقد يشعر الانسان ذلك الوقت بتعب وطاقة متدنية. وإنّه لشيء طبيعي أن يرتفع الكورتيزول ويهبط حسب الظروف التي يجابهها الانسان فعليه أن يتعامل معها. يسبب الانقباض أو الكدر ارتفاعاً في مستوى الكورتيزول ولكن هذا الارتفاع زائل ولا يسبب أيّ ضرر هام. يصل الكورتيزول أوجه من 30 -45 دقيقة بعد الاستيقاظ. ورشف القهوة صباحاً يتداخل مع هذه العملية، فهو يزيد من ارتفاع الكورتيزول. أمّا إذا كنت تعباً أو تشعر بخمول عند متنصف الصباح، يكون شرب القهوة مفيداً، حيث تبدأ مستويات الكورتيزول ذلك الحين بالانخفاض، فقد يكون هذا الوقت أفضل لشرب القهوة من الصباح الباكر. وعندما يكون الكورتيزول متوازناً من حيث الارتفاع والانخفاض، تسير فعاليات الجسم بصورة منتظمة.
منافع ومضار الكورتيزول
يعتبر الكورتيزول، هورمون الضغط النفسي والتوتر والغمّ والكدر والاكتئاب، هورموناً رئيساً في الجسم من حيث تنظيم ضغط الدم وسكّر الدم، مراقباً دورة النوم، مخفضاً للالتهابات، متحكّماً في استعمال الجسم للمواد السكّرية والدهون والبروتينات. ففي الحالات الحادة/الشديدة يعزز الكورتيزول المناعة بحصر (تقييد)الالتهاب مؤدّياً الى تنشيط/ تحريك خلايا المناعة. أما في الحالات المزمنة، فكثرة الكورتيزول يثبط جهاز المناعة مؤدّياً إلى التهابات وضعف الاستجابة المناعية وصعوبة النوم والقلق وزيادة في الوزن وسرعة التعرض للإصابات. يزيد من مستوى سكر الدم ويقلل من حساسية الانسولين.
يُسبب ارتفاع مستوى الكورتيزول بعض الأعراض الرئيسة لمتلازمة كوشينغ Cushing’s syndrome ، مثل نتوء دهني بين الكتفين، ووجه مستدير، وعلامات تمدد وردية أو أرجوانية على الجلد. كما يُمكن أن تُسبب متلازمة كوشينغ ارتفاع ضغط الدم أو فقدان كثافة العظام. وفي بعض الأحيان، قد تُسبب داء السكري من النوع الثاني. وتقليل تركيز الكورتيزول (حيث يكون عالياً بعد الاستيقاظ من النوم) يكون بشرب الماء صباحاً. وارتفاع الكورتيزول يسبب حالات أخر إضافة إلى ما ذكر أعلاه وأهمّها:
التهيّج ، القلق، اضطراب النوم أو عدمه، سرعة نبضات القلب، ضغط دم عالٍ، مناعة متدنية (واطئة) وزيادة في وزن الجسم، كما ذكر آنفاً. أمّا الإجهاد في العمل فهو يسبب ارتفاع مستوى الكورتيزول مؤقتاً ولكن يتم التعامل معه بممارسة التمارين البدنية المعتدلة. فالمشي والسباحة ورفع الأثقال أو الأوزان البسيطة والاسترخاء والتنفس العميق وممارسة الهوايات الأخرى تساهم في معالجة تأثير التوتر وتنظيم الكورتيزول الناتج عنه. وهذا لا يعني استئصال الكورتيزول، بل جعله يعمل لمصلحتنا وليس ضدنا فنحن نحتاج إليه.
الغذاء والكورتيزول
يتكون الكورتيزول من الكوليسترول (يأتي من الطعام أو يصنع في الجسم) في الغدة الكظرية في الكلية.. فسوء التغذية المزمن قد يؤدّي إلى قلّة إنتاج الكورتيزول، وهذا ما يسبب مرض أديسون Addison’s Disease - الأعراض المبكرة لهذا المرض قد تسبب شعورًا بعدم الراحة أو فقدانًا للطاقة، بما في ذلك: التعب الشديد، والدوخة أو الإغماء عند الوقوف بعد الجلوس أو الاستلقاء.
فما تأكل والكمية التي تتناولها ووقت الأكل قد تؤثّر على المزاج والحالة النفسيّة الذي تتضمّن التوتّر النفسي والانقباض وما أنت عليه من أفكار واستجابتك لما يدور حواليك، كل هذا يؤثّر على إنتاج الكورتيزول. كما أن الصوم عن الطعام لفترة محدودة، قبل إجراء عمليّة مثلاً أو قبل فحص الدم في اليوم التالي تزيد من مستوى الكورتيزول.
***
د. بهجت عباس