ثقافة صحية
بهجت عباس: الشيخوخة والجينات
لا يعرف العلماء لماذا يشيخ الإنسان أو الحيوان، ولكن الفرق بين الشاب والشيخ من الناحية البيولوجية هو الخلايا من حيث عددها وفعاليتها. فتضاؤل عدد الخلايا في الرجل المسنّ يجعل الجسم ضعيفاً، وتغيّر محتوياتها، وخصوصاً تشوّه الدنا فيها نتيجة المؤَثِّرات الخارجية والداخلية (أثناء انقسامها) يجعل إنتاج البروتين (خمائر أو هورمونات) أقلّ أو أكثر من الحال الطبيعية. فأخذ العلماء والباحثون يولون مسألة الشيخوخة اهتماماً كبيراً. فقد لاحظ بعض الباحثين في جامعة كونكتيكوت الأميركية في نهاية القرن الماضي جيناً مُتغيِّراً في الذبابة جعلها تعيش 110 أيّام (ثلاثة أضعاف عمرها) والأنثى منها كانت نشيطة طيلة حياتها من ناحية الإنتاج وعند دراستهم هذا الجين وجدوه يمنع الذبابة من الأكل المتواصل، أو بمعنى آخر يمنعها من أخذ سعرات حرارية كثيرة. والتجارب التي أجرِيَتْ على الفئران والقردة بإعطائهم طعاماً يقل 30% سعرة حرارية عن الطعام الاعتيادي، أظهرتْ أن أعمارهم طالتْ. فاستنتجوا أنَّ الطعام واطئ السعرات الحرارية يطيل العمر ويبطئ الشيخوخة. ولكن الدكتور ليونهارد هاي فليك في أوائل الستينات من القرن الماضي اكتشف أنَّ في كلِّ خلية ساعة بيولوجية مبنيّة فيها تحدّد عدد انقسام الخلية، أيْ أنَّ لكلِّ خلية أجلاً محتوماً متى ما وصلتْ إلى النقطة الأخيرة من الانقسام. أطلق على هذه الظاهرة اسم الشيخوخة الخلوية Cellular senescence. فَـحسْبَ هذه النظرية أنَّ كلَّ ما يُبطئ الانقسام أو يوقفه بعض الوقت يطيل الحياة وبصحة أحسن. وعلى هذا الأساس يمكن أن نتساءل فيما إذا كان ممكناً (تصميم) عقار يُبطئ الانقسام؟ ليس الأمر سهلاً ولهذا حديث آخر. أما الخلية السرطانية، فيظهر أنَّها اكتشفت طريقاً لاستمرار انقسامها بخَلقها خميرة (انزيم) التلوميريس التي تصنع التلوميرات (مواد جينية ضرورية لاستمرار انقسام الكروموسوم)، وبهذا تجاهلت أو لم تُعـِرْ أهمية للساعة البيولوجية فيها. ولكنّ بعض العلماء في جامعة ستانفورد برهنوا على أنَّ (برمجة) للموت توجد في جينات بعض الحيوانات، وأنّها تموت في أجل معيّن. فقد درسوا الدودة سي أليكَانس elegans C.، التي يبلغ طولها مليمتر واحد فقط. هذه الدودة التي شُفِّـر جينومها كاملاً عام 1998، ضمن مشروع برنامج الجينوم البشري، فَـوُجـِدَ أنَّه يحتوي على 20.100 جين (في الإنسان 25.000 جين) وعلى 98 مليون قاعدة نتروجينية زوجية (نيوكليوتايد). وجدوا أنّ (برمجة) للموت موجودة في دنا DNA هذه الدودة بأنها تعيش أسبوعين فقط ! ووجدوا أيضاً أن هناك جينات تتغيّر فيها كلما تقدّمت الدودة في العمر ويبلغ عدد هذه الجينات المتغيّرة 1254 جين تسيطر عليها ثلاثة جينات فقط لا تتأثر أو تتغيّـر بتقدم العمر أو الزمن. مُنِحَتْ جائزة نوبل ثلاث مرات لعلماء اشتغلوا على هذه الدودة، مرة عام 2002، ومرة أخرى 2006عام وثالثة عام 2008 على مواضيع معينة ومختلفة فيها. تلعب الجينات في الإنسان دوراً هاماً في الشيخوخة، فهناك بعض الجينات ذات عمر طويل تساعد حاملها العيش مدة أطول. كما إنَّ تلف الجينات يقصِّر من عمر الإنسان، وكذلك التلوميرات، وهي مواد جينية موجودة في نهايتيْ الكروموسوم، وتحافظ على الكروموسوم من التصاقه بالكروموسومات الأخرى، فإنْ كان قليلاً عددها نتيجة امِّحائها، يقصر عمر الكروموسوم فيكون انقسام الخلايا أقـلَّ، مما يجعل الجسم ضعيفاً ذا فعالية ضئيلة لفقدانه خلايا وخصوصاً خلايا المناعة T cells فيكون عرضة للأمراض أكثر من الشخص العادي. على أنَّ هناك نظريّتين للشيخوخة بصورة عامة ؛ أولاهما تلف الجينات بمرور الوقت، عامل الزمن، مما يجعل الخلية تعمل بنشاط أقلَّ عاماً بعد عام وهذا ما يسبّب ضعف الجسم ومن ثمّ الشيخوخة. وثانيهما النظرية القائلة بأنَّ في الحيوان أو الإنسان (برمجة) الشيخوخة في جيناته، وهنا تلعب البيئة دورها الكبير. فإذا كان سبب الشيخوخة تلف الجينات، فيحتاج الإنسان أن يقلّل من هذا التلف أو يُصلحه إذا عرف كيف وهذا يحتاج إلى العلاج الجيني الذي لم ينجح إلا ضمن حدود. أمّا إذا كان الإنسان (مُبَرمَجاً) أنْ يشيخ، يمكن للعلماء أنْ يتلاعبوا بجينات البشر، بالدنا أو بالعقاقير. وهذا في الوقت الحاضر أمـر ليس يَسيراً. فإذا كان لا بدّ من الشيخوخة علينا أنْ نتخذ إجراءات تقلّل من خطرها أو تُبطـئـها. وهما شيئان ؛ الغذاء الصّحيح والرياضة البدنية كل يوم. أما الغم والهم والعذاب النفسيّ لأيّ سبب فهي ثالثة الأثافي والدواهي التي لا يمكن تفاديها إلا بالاسترخاء واتخاذ كل أمر بصدر رحيب وفكر لا يبالي. ربما يكون هذا القول في بعض الأحوال، إنْ لم يكنْ في أغلبها، عند كلِّ من لديه إحساس رهيف، ضرباً من الخيال!
الأعـراض التي تصحب الشيخوخة
القلب – تـثخـن / تتصلب عضلات القلب نتيجة تصلّب الشرايين، فيكون ضخ الدم بطيئاً وصعباً. الطعام الخالي أو القليل من المواد الدهنية واللحوم الحمر، والإكثار من تناول الخضروات مثل البروكولي والقرنابيط واللهانة والبصل والجزر وغيرها وكذلك الفواكه، وخصوصاً ذات الألوان الغامقة مثل العنب والرمان والعنبة Blueberry والتفاح وغيرها من التي تعطي مواد مضادة الأكسدة تنفع كثيراً في هذه الحال.
الرئة – يتقلّص حجمـها بمقدار 40% عند عمر السبعين أو أقلّ تبعاً لظروف الفرد وأسلوب عيشه. الرياضة في الهواء الطّلق والتنفس العميق والصّراخ أو الصّياح يساعد في توسيع حجمها.
المناعـة – يقل عد الخلايا T التي تحمي الجسم من الجراثيم والمواد الغريبة ويقل نشاطها أو قوتها. بعض الأغذية المذكورة أعلاه والرياضة تساعد على تقويتها.
الدماغ – تقل الاتصالات بين الخلايا الدماغية لسبب غير مفهوم مما يؤثّـر على فعالية الدماغ. القراءة وحل الألغاز والتمارين الحسابية تُبطئ تلف الاتصالات.
الكلية – تفقد الكليتان نيفرونات (أجهزة التصفية) مما يجعلها أقل فعالية في تنظيف الدم من الفضلات. تجنب المواد المهيِّجة كالتوابل أو التقليل منها وكذلك تقليل البروتينات والإكثار من بعض الخضروات وشرب الماء يساعد على ترميم ما يتلف أو الاحتفاظ بالسالم منها مدة أطول..
المثانـة – يصغر حجمـها ويتلف بعض أنسجتها، وهذا يؤدي إلى سلس البول. تجنب التوابل والمخللات.
العضلات – شدة العضل تضعف حواليْ 22% في السبعين من العمـر ولكن التمارين الرياضية تقوّيها.
العظام – تبدأ تفـقد كثافتها في سنّ الخامسة والثلاثين، ولكنّ المشيَ ورفع الأثقال يُبطئ فقدانها الكثافة.
البصر – يبدأ الضعف في الأربعين عاماً. تجنب القراءة الطويلة المتواصلة أو الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر أو التلفزيون مدة طويلة.
السّمع – يضعف التقاط الترددات العالية. ليس له سوى تجنّب الضجيج والراحة النفسية من علاج.
الشحوم – تزداد في منتصف العمـر وتترسب عميقاً في الجسم في الشيخوخة. تجنّب تناولها!
***
د. بهجت عباس