ثقافة صحية
عامر هشام الصفّار: الجديد في الطب.. من جائزة نوبل الى علاج فقر الدم المنجلي
لم تكن لائحة الترشيحات لجائزة نوبل في الطب والفسلجة لهذا العام قصيرة، بل أن العلماء كانوا قد رشحوا العديد من الباحثين المتميزين بأنجازاتهم على مدى السنوات السابقة ليفوزوا بأموال جائزة نوبل والتي بدأت بدورتها الجديدة يوم الرابع من أكتوبر.
وها هي البداية مع جائزة الطب وعلم وظائف الأعضاء أو الفسلجة، فكان أن أعلنت اللجنة العلمية المشرفة على جائزة نوبل عن فوز عالميين أميركيين هما ديفيد يوليوس وأرديم باتابوتيان (لبناني الأصل.. هاجر الى أميركا عام ١٩٨٦) بالجائزة لهذا العام .. أما بحوث هذين العالمين وفريقيهما فقد ركّزت على أحساس الأنسان بالحرارة وباللمس ونواقل الأحساس العصبي حتى الجلد ونهايات العصب.
فمما لا شك فيه فأن قدرتنا على الشعور بالحرارة والبرودة واللمس ضرورية للبقاء، وتدعم تفاعلنا مع العالم من حولنا. ففي حياتنا اليومية نأخذ هذه الأحاسيس كأمر مسلّم بها، ولكن كيف تبدأ النبضات العصبية بحيث يمكن إدراك درجة الحرارة والضغط؟.
لقد تم حل هذا السؤال من قبل الفائزين بجائزة نوبل لهذا العام. فقد أستخدم ديفيد يوليوس مادة الكابسين، وهي مركب لاذع من الفلفل الحار والذي يسبب الإحساس بالحرقة، لتحديد جهاز أستشعار في النهايات العصبية للجلد يستجيب للحرارة. وقد أستخدم العالم باتابوتيان الخلايا الحساسة للضغط لأكتشاف فئة جديدة من المستشعرات والتي تستجيب للمنبهات الميكانيكية في الجلد والأعضاء الداخلية. وقد أطلقت هذه الأكتشافات المتقدمة أنشطة بحثية مكثفة أدت إلى زيادة سريعة في فهمنا لكيفية أستشعار نظامنا العصبي للحرارة والبرودة والمحفزات الميكانيكية.
ولقد حدد الفائزون بجائزة نوبل في الطب لهذا العام الروابط الحاسمة المفقودة في فهمنا للتفاعل المعقد بين حواسنا والبيئة.
كيف ندرك العالم؟
تقول لجنة نوبل العلمية أن أحد أكبر الألغاز التي تواجه البشرية هو السؤال عن كيفية إحساسنا ببيئتنا. فلقد أثارت الآليات الكامنة وراء حواسنا فضولنا لآلاف السنين. فعلى سبيل المثال، ظل الأنسان يسأل نفسه كيف تكتشف العين الضوء؟، وكيف تؤثر الموجات الصوتية على آذاننا الداخلية؟، وكيف تتفاعل المركبات الكيميائية المختلفة مع المستقبلات الموجودة في أنفنا وفمنا لتوليد الرائحة والذوق؟ . لدينا أيضًا طرق أخرى لإدراك العالم من حولنا. تخيل أنك تمشي حافي القدمين عبر العشب في يوم صيفي حار. يمكنك أن تشعر بحرارة الشمس، ومداعبة الرياح، وشفرات العشب المنفردة تحت قدميك. هذه الانطباعات عن درجة الحرارة واللمس والحركة ضرورية للتكيف مع البيئة المحيطة المتغيرة بأستمرار. ومما لاشك فيه فأن مثل هذه الأنجازات ستمكّن العلماء من أيجاد عقاقير جديدة للسيطرة على أحساس الألم مثلا مما يمكن أن يساهم في تحسين نوعية حياة المريض.
علاج فقر الدم المنجلي
ومن جهة أخرى فقد أعلنت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا مؤخرا عن أن آلاف المرضى في إنجلترا سيستفيدون من أول علاج لمرض فقر الدم المنجلي منذ عقدين. وهذا العلاج هو كريزانليزوماب Crizanlizumab، وهو علاج دوائي “ثوري” يغير الحياة أن جاز لنا التعبير.
ومن المعروف أن هذا الدواء يتم زرقه للمريض ويعمل عن طريق الأرتباط ببروتين في خلايا الدم لمنع تقييد إمداد الدم والأكسجين.
وقال مسؤولون في هيئة خدمات الصحة إن العلاج -وهو أول علاج يتاح للمرض منذ 20 عامًا- سيساعد ما لا يقل عن 5000 شخصا على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ومرض فقر الدم المنجلي – شائع بشكل خاص في الأشخاص ذوي الأصول الأفريقية أو الكاريبية – وهو حالة مرضية خطيرة ومستمرة مدى الحياة. كما يمكن أن يسبب ألمًا شديدًا وفشلًا في الأعضاء الجسمية، وغالبًا ما يتطلب دخول المريض الى المستشفى.
تشمل العلاجات الحالية للوقاية من أزمات الخلايا المنجلية أقراصا لدواء يسمى هيدروكسي كارباميد وعمليات نقل الدم المنتظمة، ولكنها ليست فعالة دائمًا للأشخاص الذين يعانون من أشكال حادة من هذا المرض الوراثي. وقالت أماندا بريتشارد، الرئيسة التنفيذية للدائرة الصحية في أنكلترا أن هذه لحظة تاريخية للأشخاص الذين يعانون من مرض فقر الدم المنجلي، والذين سيحصلون على أول علاج جديد لهم منذ أكثر من عقدين”. “سيساعد هذا العلاج الثوري في إنقاذ الأرواح، ويسمح للمرضى بالحصول على نوعية حياة أفضل وتقليل مجيء المريض إلى قسم الطوارئ والحوادث إلى النصف تقريبًا”.
أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 16 عامًا والذين يعانون من أزمات الخلايا المنجلية المتعددة كل عام سيكونوا مؤهلين للعلاج الجديد. ومن المعروف أن مرض فقر الدم المنجلي ينشأ عنه أنتاج خلايا الدم الحمراء ذات الشكل غير المعتاد (تشبه المنجل) ، والتي يمكن أن تسبب مشاكل صحية خطيرة في جميع أنحاء الجسم، مما يؤدي إلى حدوث أزمات في الأعضاء الجسمية والتسبب بالتالي بألم شديد في أنحاء الجسم المختلفة.
ومن جهة أخرى فقد رحبت توك أوديسانمي، وهي مريضة بالخلايا المنجلية في مستشفيات جامعة كامبريدج في أنكلترا، بوصول العلاج وقالت إنه أعطاها أملا جديدا. وقال أوديسانمي، 47 عاما من كولشستر: “لقد آذاني مرض الخلايا المنجلية، وأضر بجسدي، ونال كثيرا من تطلعاتي”. “فبغض النظر عن مدى صعوبة مقاومتي له، فإنه لا يزال يهزمني. أما هذا العلاج الجديد فهو الذي يجلب الأمل وقد يجعل الحلم ممكنا مرة أخرى”.
وقال كي غبانجبولا، رئيس جمعية الخلايا المنجلية: “يجلب العلاج الجديد أملا جديدا للأشخاص الذين يعيشون مع أضطراب الخلايا المنجلية، وهي حالة الدم الوراثية الأكثر شيوعا في العالم. وسيقلل هذا العلاج الجديد من عدد نوبات الألم المزعجة والتي يتعين علينا تحملها. “الأمل هو تحسين نوعية الحياة للكثيرين الذين يعيشون مع الحالة وأسرهم”.
د. عامر هشام الصفّار