ثقافة صحية
بهجت عباس: هل يحقق استـنساخُ الفَرَس مملكة البنات في جزر واق واق؟*
ربما يستغرب القارئ الفاضل من علاقة استنساخ فرس بقصة من قصص ألف ليلة وليلة، وهي قصص خيال مبالغ فيه أحياناً، وحقائق علمية هي أشبه بالخيال (القصة ستأتي لاحقا) ولكنْ:
كان لولادة المُـهرة (برومتي) صدى كبير في الأوساط العلـمية، حيث تم استنساخُ أ ُمِّـها الفرس بطريقة تختلف عن استنساخ الحيوانات اللبونة (الثديية) قبلها. كان استـنساخ النعجة (دولي) عام 1996 والفأر والمعزى والقطة والخنزير والعجل أو البقرة حصل بأخذ نواة خلية جسمية (دي. أنْ. أيْ) أو (دنـا) للسهولة، ودمجها ببيضة منزوعة النواة، لتكون البيضة تحتوي على المواد الجينية للحيوان المُسـتـَنسَـخ (بفتح السين الثانية). وز ُرِعتْ هذه البيضة بعد تحويلها إلى جنين أولي في المختبر في رحم أنثى حيوان آخر، حيث تقوم بدور الحمل والوضع. أما استـنساخ الفرس الذي نشرت خبره المجلة العلمية (نيتشر) يوم الخميس (7 أب 2003)، فقد كان بأخذ خلية جلدية من فرس ودمج نواتها بالبيضة منزوعة النواة، وزرع الجنين الأولي في الفرس ذاتها، وليس في فرس أخرى. يذكر د. سيزاري كالّي GALLI CESARE وزملاؤه في مجلة نيتشر تفاصيل تجربتهم التي قاموا بها في مدينة كريمونا الإيطالية. فقد قاموا في الحقيقة بتجربتـيـن إستعملوا فيهما خلايا جلدية من حصان عربي أصيل وفرس (هافـلـيـنجـر)، فأنتجوا 841 بيضة (فعـالة)، نشأ منها 22 جنـيناً أولـيّـاً (بلاستوسايت)، وهذا عبارة عن كتلة دائرية تحتوي على 100 خلية. زرعوا 17 بلاستوسايت في تسـع أفراس، فحملت أربع منهن فقط، ولم تعشْ غيرُ المهرة (برومتي) التي وُلدت في 28 مايس 2003 بصحة جيدة ووزن 36 كيلوغراماً، بعد فترة حمل طبيعية (11شهراً). وسُميتْ بهذا الاسم نسبة إلى برومثيوس PROMETHEUS، الكائن الجبار في الأسطورة الإغريقية الذي سرق النار من الآلهـة وأعطاها البشر، فعاقبه زيوس، كبير آلـهة اليونان، بربطه إلى صخرة وإرسال عقاب الجو إليه يأكل كبده في النهار ويقوم زيوس بتجديدها في الليل!
ولمـا كانت النواة مأخوذة من خلية جلد الفرس وزُرِعَ الجنين في رحم الفرس ذاتها، فهذا يعني أنَّ الفرس ولدت ذاتَها أو أختـَها التوأم التي تُـشـبهها تمامـاً.
وبعد ولادتها بساعة، أخذتْ ترضع من ثدي أمّـِها أو أخـتها. ولما أصبح عمرها شهرين، بلغ وزنها 100 كغم. وهي بصحة جيدة.
لقد سبق الإيطاليـون زملاءهم في تكساس الذين ينتظرون ولادة أول حصان في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم. والمهم في الأمر الاعتقاد السائد قبل ولادة برومتي أنَّ الحَـمْـلَ يعتمد على جهاز مناعة الأم الذي (يعـتـبر) الجنـين شـيئاً (مُـختـلـفاً) عن الأم، ولو كان الاختلاف ببضع جيـنات من الأب، وهذه لا توجد في برومتي، حيث لا أبٌ لها. ولكن " الناس لمْ يتـوقـعوا أنَّ هذا ممـكن "، كما يقول كالّي، وذلك بعدم (رفض) جهاز مناعة الأم لهذا الجنين غيرِ المختـلف جيـنـياً.
إنَّ أهميةَ الاستـنساخ تكمن في الحصول على خيول أصيلة غير مخصيّة تستطيع الإستيلاد، حيث يتـمَّ إخصاءُ الخيول الشهيرة التي تُسـتَعمـل في السباق عنـدما تكون شابّة، فلا تستطيع الإستيلاد. ولكـن د. كالّي لا يضمن هذا، إذ أنّ عـواملَ كثيرةً تلعب دوراً، منها تعامل الأشخاص معها، من حيث التدريب والعناية وغير ذلك.
والآن آتي على مملكة البنات في جزر واق واق وقصة حسن البصري، ذلك الصائغ الشاب الذي تعرف عليه التاجر الأعجمي الذي أغراه بالحصول على ذهب ومال كثير إذا تعاون معه. ولما وافق حسن البصري على التعاون، ذهب الأعجمي به إلى جبل عالٍ جداً وبعيد على العمران ووضعه في كيس كبير مع سكين وأخبره أنَّ طيرَ (الرخ) سيلتقطه ليضعه على قمـة الجبل لافتراسه، فمتى أحسَّ حسن بوضعه على الجيل، عليه شـق الكيس بالسكين، فيهرب طير (الرخ). وبعد أن تمت العملية، وهرب الطير، وجد حسن ذهباً كثيراً، فنـاداه الأعجمي من تحت الجبل أن يرميَ له بالذهب، فرمى. وبعد ذلك تركه الأعجمي ليموت جوعاً أو يكون فريسة للجوارح والوحوش. ولكن حسن وجد قصراً وبحيرة حيث أقبلت ثلاثة طيور تحولت إلى بنات جميلات عندما نزعن عنهن ثياب الريش وسبحن في البحيرة. سرق حسن ثوب ريش أجملهن واختفى. فطارت اثنـتان منهن وبقيت الثالثة تبكي. فظهر حسن وأخبرها أنه يرغب في الزواج منها، فوافقت وذهبا إلى البصرة ومنها إلى بغداد. هربت منه وطفلاها بعد هذا، أثـناء غيابه، إلى بلدها، جزر واق واق، وقالت لأمه إذا أحبني حسن فليأت إلى جزر واق واق وطارت. ذهب حسن إلى تلك الجزر بعد أن عانى الأهوال والمتاعب فوجد الجزر تحكمها امرأة وكل سكانها من البنات، وإذا دخل رجل إليها فمصيره القتل. ولكن حسن استطاع إرجاع زوجته وطفليه إلى بغداد والقصة طويلة ومشوقة.
إنَّ استـنساخ البشر محرم قانوناً في كل الدول، وهو صعب جداً. إنَّ استخلاص الدنـا بشكل كامل وسليم ليس أمراً سهلاً، كما إنَّ دمجها بالبيضة دون تكسر في كروموسوماتها أو فقدان بعض جيناتها ليس وارداً في الوقت الراهن على الأقل. وإنَّ أيَّ خلل في العملية يولد تشوهات وأمراضاً قد تكون خطيرة جداً. ولكن هذه المشاكل سيُـتغلب عليها في السنين القادمة، وسيكون استـنساخ البشر ممكناً ووارداً. وإذا حدث هذا، وسيحدث حسب تخميني في النصف الأول من هذا القرن، فسيكون بمستطاع البشر أن يستـنسخوا أنفسهم. والاستـنساخ يتطلب نواة خلية جسمية، وهذه موجودة في المرأة والرجل، وبيضة ورحماً، وهاتان لا توجدان إلاّ في المرأة. فإذا تقدمت التكنولوجيا أكثر مما هي عليه الآن، ونالت المرأة حرية أكثر، فسيكون العصر عصر المرأة، إذ سيكون بيديها الحل والربط، وتستطيع أن تقرر تحديد عدد الرجال أو إيجاد أماكن أو مدن أو دول ليس فيها رجال، إذ تستطيع أن تسـتنسخ ذاتها وتتكاثر وتعيش في سلام وطمأنينة دون حروب وأهوال. أما الرجل فلا يستطيع استـنساخ ذاته دون مساعدة المرأة. فتسـتطيع المرأة التلاعب بمصير الرجل إلى درجة الانقراض! وتكون جزر واق واق حقيقة واقعة وليست خيالاً! وقد تكون الفكرةُ الليلةَ الثانيةَ بعد الألف، ولكنْ من يدري مـا ستكون عليه الدنيا بعد مئة عام أو مئتين؟!
د. بهجت عباس
..........................
من كتاب (الجينات والعنف والأمراض – السويد 2007)