تقارير وتحقيقات
نبيل الربيعي: نقابة الفنانين العراقيين تكرم ايقونة المسرح الحلي غالب العميدي
لكل عصر ثقافته وأفكاره السائدة، كذلك كانت لعصرنا وسائل تعبيرية عن تلك الثقافة وعن تلك الأفكار. فأصبحت الصورة ولغة الجسد في المسرح هي المعبرة عن الفكر الإنساني المعاصر في عصر العولمة. والحداثة وما بعدها.
كرمت نقابة الفنانين العراقيين/ المركز العام يوم أمس الأحد الموافق 27/1/2024 الفنان المسرحي غالب العميدي، والذي يعد ايقونة المسرح في محافظة بابل، وبحضور نخبة من الاساتذة المسرحيين الذين اثنوا على مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء والإبداع، بالعديد من الانجازات المسرحية تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً، والفنان العميدي له الدور الكبير في النشاطات الفنية والمسرحية في المحافظة، وله الدور في احياء النشاط المدرسي عندما كان مديراً لهُ، كما كان لهُ الدور الكبير في نقابة الفنانين/ فرع بابل عندما كان نقيباً. وقد تم تكريمه بحفل بهي من قبل نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي، وقدم الجلسة الحوارية الدكتور محمد حسين حبيب. وانتهت الجلسة بتوقيع كتابين مؤلفين في سيرة الفنان العميدي.
والأستاذ غالب العميدي هو الفنان والكاتب والمخرج الذي استطيع القول إنه بحق يمكن أن يكون عيَّنة المسرح العراقي بجدارة لما حققه خلال أربعة عقود أو أكثر من الزمن، من حضور وانجاز متواصل وإضافات نوعية سواء من خلال أعماله المسرحية التي وجدت طريقها للجمهور، أو عبر ما كتبه في مجال التأليف، أو ما شارك به من خلال الإخراج الذي كان بمثابة المختبر لتنضج داخلها تلك الأفكار، وتتطور مواهب الممثلين أو تتلاقح فيها خبرات الفنيين، وتتعمق العلاقة بين طرفي الأرسال والاستقبال، ومن خلال الأعمال الكثيرة والتي أصبحت اليوم تشكل رصيداً في مسيرة المسرح العراقي لا يمكن تجاهله.
فهو رجل استثنائي في محيطه المهني والفني والإنساني، استثنائيته المهنية أنه إداري ناجح يجيد مهارة الإدارة في زمن التقلبات السياسية والإدارية، ويستطيع أن يستوعب الجميع بتطبيقه العادل للقوانين، وتغليبه روح القانون على صرامة القوانين وتعسفها أحياناً. واستثنائيته في المجال الفني تكمن في جمعه بين الإدارة والإنتاج الفني، فهو كاتب ومخرج وممثل حاضر في المشهد البابلي بامتياز، ومنذ عقود وبالكفاءة نفسها. وقد وجدت في نجاحة من خلال مواكبتي للعمل معهُ في ثلاث مهرجانات أقيمت بمناسبة تمصير مدينة الحلة، فضلاً عن دوره الكبير في دعم ومواكبة ملتقى العشرة كراسي الذي يقيم في مكتبة ودار الفرات كل خمسة عشر عاماً، فضلاً عن دعمه لمجلة الملتقى.
والعميدي تاريخهُ الفني والمهني حافل بالإبداع، تجد فيه من القيَّم ما يجعلك في مواقف وتساؤلات، ومن خلال شخصيته بحق؛ تقف في مصاف قائمة أولئك الذين خدموا وطنهم وقدموا للبلاد إخلاصهم. وإن حياة هذا الرجل وما مرَّ بتاريخه الفني المسرحي من أحداث ووقائع تضفي عليه لا القيمة التاريخية حسب بل والقيمة الفنية والوطنية والأدبية والاجتماعية أيضاً.
فهو أحد الناشطين في الحقل المسرحي البابلي والعراقي، وكونه من المخلصين الصادقين في هذا الحقل من اجل تحقيق المثل الأعلى فيه، لذا تعد حياته صفحة من صفحات العمل الفني والوطني، ونلاحظ هنالك تداخل في تجربته، فهو يجمع بين الإعداد والتأليف والإخراج, وإن هذا التنوع ربما يشتت جهود الفنان، ولكن بالمقابل هو تأكيد لسعة خبراته والمامه بتفاصيل عناصر الفن المسرحي، وتأكيداً على خبرته في هذا المجال، فهو يسعى لرفد أعماله بروحه العراقية، مستفيداً من التقنية في تأطير هذه الروح، ولكن يعتمد على المزاوجة لكي لا يبتعد عن جذوره الاصيلة وروحه الوطنية التي انطلق منها.
ويستغل المبدع غالب العميدي تلك الألفة مع زملاؤه الفنانين، لكي يربط علاقة متواصلة بين العرض المسرحي، بكل تشكيلاته، والمشاهد بكل كيانه، وقد كوًّن طقساً خاصاً مليئاً بالألفة والانسجام والجو الحميمي. ولأن الفنان العميدي في طبيعته ميال إلى التوفيق بين التجريب والتراث والحديث، فهو فنان يعتبر وسيطاً للثقافات لأنه يعتقد في التجريب لا يمكن أن يكونا صورة مستنسخة لماضي راسخ في تراكمية الفنان، وهي الجاهزية في الأسلوب.
***
نبيل عبد الأمير الربيعي