تقارير وتحقيقات
المعرض الشخصي للفنانة التشكيلية ربيعة الرينشي
ها هي لعبة الفن المحفوفة بالأسئلة تجترح من الواقع شؤونها وشجونها حيث لا مجال لغير القول بالترحال نظرا وتشوفا وتأملا تجاه ما به يعلي التلوين من شأن الذات وهي تعانق حيرتها في عوالم من التحولات يوقع فيها الجسد نشيده وينحت مساراته في ضروب من غرائبية الحال والأحوال بالنظر لواقع حالم ومحلوم به وفيه..
ثمة كون من طفولة عالية تبين عن تعاطيها مع الذات والآخر ..ثمة أمنيات شتى تقول بالتلوين عنوان جهات وأفكار وأمنيات ..انه الفن يخط دروبه مثل نهر يرسم مجاريه في الأمكنة..في الصخر وفي الكلمات..
هاهي الكلمات الضاجة بما يعتمل في دواخل فنانة على امتداد عقدين من سفر مع اللون واشتقاقاته المحفوفة بالسؤال تلو السؤال ..بين تشكيل متنوع الرؤى وتلوين ينهل من طفولات يانعة أملا في الوقوف على حالات بين عنواني الواقعي والغرائبي وفق اقتراحات جمالية بين الرسّم، المنحوتة والتنصيبة في مسارات مدهشة ويلونها الخيال في عناقه الحميمي لما نسميه الواقع والمعيش ...
يفضي بنا كل هذا وغيره الى عوالم فنانة تشكيلية وباحثة تخيرت الذهاب الى مناطق أخرى في أرض الفن التشكيلي وقد عملت على ذلك منذ سنوات حيث المعارض التي أشارت الى رؤيتها المخصوصة فنا وجمالا ضمن قول بليغ بما يثير الأسئلة تجاه الجسد في تلوينات أحواله الغريبة في سياقات واقع متحول كل ذلك عبر تركيبات غرائبية وعجائبية..هي فسحة من التشكيل تجاه هذا الجسد العجيب الذي في عدوله عن الواقع يبتكر حيزا متعددا من المواقف والتعبيرات والحالات ..
حالات كثيرة في تعاطيها الشاعري مع ممكنات هذا الجسد في مفردات تعبيرية أنشأتها فنانتنا هذه رغبة وسؤالا وبحثا منذ سنوات والفن هنا وعندها مثل هذا السفر الباذخ في تطلعه الى صياغة عالم يبين عن جانب مشهود من الوجداني والانساني والفلسفي الجمالي..سفر يقدم هذا الحيز من مخرجاته في مرحلة بدت فيها محصلة هذا الغرام الفني الملون في صيغه وأشكاله هذه...
نعني هنا والآن فنانة صاحبة هذه التجربة ..الدكتورة ربيعة الرينشي التي تقدم لجمهورها واحباء فنها ورواد الفنون التشكيلية المعرض الشخصي الحاضن لتجربتها التي ذكرنا خصائصها واشتغالاتها وذلك بدار الثقافة بنابل وضمن بدعم من صندوق التشجيع على الابداع الفني والأدبي بوزارة الشؤون الثقافية وقد تم افتتاح المعرض يوم السبت 14 ماي الجاري ليتواصل الى غاية يوم 31 من ذات الشهر وضمن رحلة "..voyageعنوان "
انها رحلة الفن والنظر الجمالي بأشكال متعددة بين الرسم والنحت والتنصيب وما يعزز من الاطلاع المتعدد للجمهور حيث سفر الأعمال بين دروب وجهات متعددة بالبلاد وهي نابل، تونس، القيروان والمنستير.. هي فكرة السفر والرحلة التي سكنت دواخل الفنانة الطفلة الحالمة ربيعة الرينشي في سياق ولع فني وحلم بالتعدد في العمل الفني وفي المكان..
لوحات متعددة من عناوينها "حديث ممتع " و"لا تعبسي " و" حدثيني عنك " و"أحاديث ضاحكة " و" عالم الأنثى.. ثرثرة مفرطة "...في حساسية تامة تدعو الفنانة ربيعة نساءها المتخيلات في تعدد لوني وتلقائي في عفوية باذخة لتقول بالمرأة الساكنة بداخلها منذ طفولة يانعة ..حيز من الاستدعاء المضموني والشكلي في مساحاتالأعمال بهذا المعرض لأجل ابراز حميمية تجاه المرأة بعنفوان سؤال ماهو دارج بين الواقعي والعجائبي من حيث الفكرة والشكل..
أعمال متعددة ومعرض متجول وتجربة حالمة تحمل أسئلة الوجدان والحنين والواقع وما هو متخيل بين كل هذا وذاك..انها رحلة الفن الصعب يدعو حيرة دواخله القديمة المتجددة..و الفن هنا وبالنهاية سؤال كينونة ...و حياة.
و المعلوم أن ربيعة الرينشي فنانة تشكيلية، دكتورة وباحثة تونسية في علوم وتقنيات الفنون، اختصاص فنون تشكيلية. درست كمتعاقدة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بنابل، مولودة في بمدينة منزل بوزلفة من ولاية نابل. كتبت العديد من البحوث العلمية ونشرت في مجلة دولية محكمة ولها مساهمات في كتب جماعية وأخرى ثقافية ورقية ورقمية...شاركت في ملتقيات ومعارض دولية ومحلية من بينها ملتقى البرلّس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب بجمهورية مصر العربية في أكتوبر 2018، أيام قرطاج للفن المعاصر في سبتمبر 2018 بتونس، كذلك بينالي تونس للفن العربي المعاصر في ديسمبر 2013 ونوفمبر 2019. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية المحلية منذ سنة 2010 إلى غاية الآن، في مختلف الولايات التونسية. أيضا في رصيدها معرض شخصي يحمل عنوان" الخيال والزهرة" والمقام من 2 أفريل إلى غاية 30 أفريل سنة 2019 بدار الثقافة نابل. تتراوح تجربتها الفنية بين الرسم الخطي ، التصوير وفن التنصيبة Installation ..و عن معرضها هذا تقول الفنانة ربيعة الرينشي "... يحمل معرضي الفني الشخصي عنوان "رحلة" وهو معرض في الفنون التشكيلية سيكون مترحلا ومتنقلا يجوب أماكن مختلفة من الجمهورية التونسية ، يجمع بين اختصاصات فنيّة مختلفة وهي الرسّم، المنحوتة والتنصيبة، بحيث يكون منطلقه ومداره الخيال في تواشج مع الواقع المعيش من خلال تركيبات غرائبية وعجائبية. يقوم هذا المعرض على تشكيل الجسد الغريب أو العجيب الذي لا يشبه الواقع لكنه يعيش مواقف وتعبيرات ووضعيات وجدانية وجودية تشبه ما يعيشه الإنسان في الواقع. فهو بمثابة صياغة فريدة للواقع ، من خلال جملة من الأعمال التشكيلية التي سيتقاطع فيها التشكيلي بالاجتماعي، عبر رحلة في المفهوم والمادة والتقنية، يتمّ فيها مهادنة الجسد الخيالي وسبر أغواره وارتساماته فيكون في التشكيل دعوة صريحة نحو مهادنة الغرائبي والعجائبي .إنّ معرض "رحلة" هو رحلة في الخيال لخوض غمار الإنشاء والتكوين ، وهو رحلة ثنائية يتواشج فيها الخيالي والعجائبي بالواقعي في تكوينات مختلفة، وأنماط تشكيلية تبدأ من الرسم إلى النحت فالتنصيبة، وهو بحث في توالديّة العناصر التشكيّلية من بعضها البعض، عبر تطويع المواد المختلفة التي تساعد في تحول الجسد العجائبي من الفضاء الثنائي الأبعاد نحو الفضاء الثلاثي الأبعاد. حيث يخوض المتلقي في فضاء العرض رحلة حقيقية تبدأ من التنقل أمام اللوحات المعلقة على الجدران وتنتهي الى فضاء التنصيبة التي يلجها المتلقي ويمشي داخلها ، حيث يتمكن من معايشة تجربة حسية معها، وذلك بلمس المنحوتات الخشبية الملونة والتي يكون بعضها ثابت على الأرض والبعض الآخر معلق في السقف. فهي كذلك رحلة بين الجسد الثابت والجسد المتحرك. أقدّم من خلال هذا المعرض الفني المترحل صيغا للتعبير التّشكيلي الذي يعتمد على التحوّل بين اللوحة والمنحوتة. ليكون مفهوم الرحلة عميقا ومتشعبا، يعبر بالضرورة عن الرحلة في الخيال، في الذاكرة، في البيئة التي نعيش فيها، في المادة والتقنية والنمط الفني ( الرسم ، النحت ، التنصيبة). أيضا الرحلة عي ذلك المسار أو الطريق الذي سينتهجه هذا المشروع ليجوب العديد من الولايات التونسية في إطار اللامركزية الثقافية. سيتمّ عرض العمل لاحقا في عدد من دور الثّقافة والمركّبات الثّقافية الرّاجعة بالنّظر إلى وزارة الشؤون الثقافية ضمن ولايات نابل، تونس، القيروان والمنستير وفق جدول زمني هو ( من 14 ماي الى 31 ماي 2022: بدار الثقافة نابل ومن 04 الى 14 جوان 2022: المركب الثقافي بالمنستير ومن 16 الى 26 حوان 2022: المركب الثقافي أسد بن الفرات بالقيروان وفي شهر نوفمبر 2022 بولاية تونس ...".
معرض مفتوح على مراحل وأمكنة..و ذهاب آخر للطرك الوعرة في دروب التشكيل وأعمال تقول بالنهاية ما يعتمل في عوالم هذه الفنانة التي هي ربيعة في هذا الربيع التونسي الملون كعادته بين الفصول...
***
شمس الدين العوني