تقارير وتحقيقات
دفء الأدب في شتاء تونس
في أيام شتائية عتيّة وبينما يخوض محترفُو السياسة غمار تشكيل حكومة البلاد بين أخذ وردّ وبين الاِئتلافات والاِختلافات ظاهرًا وباطنًا اِجتمع شعراء وأدباء يتدفّؤون شجونهم وهمومهم في رحاب دار الثقافة ابن خلدون وهي القلعة العتيدة في العاصمة تونس التي شهدت عديد المناسبات الحافلة في شتى الفنون والمعارف واِستقبلت عددا لا يُحصى ولا يعدّ من أعلام الشعر والأدب والفنون والموسيقى والسياسة أيضا مثل ياسر عرفات ونزار قباني أما الأدباء والمثقفون والمبدعون التونسيون فأغلبهم قد مرّ من هذه الدار العتيدة إمّا محاضرا أو عارضا أو منصتا أو مشاركا في مناسبة من المناسبات وهاهي اليوم الخميس 16 جانفي 2020 تفتح أبوابها لبادرة جديدة في دورتها الأولى تتمثل في تظاهرة - شاعر تونس - على مدى ثلاثة أيام وقد دعت إليها جمعية - زهرة الشمال - التي تترأسها الشاعرة سميرة بنصر ونظمتها بالِاشتراك مع مندوبية الثقافة في ولاية تونس العاصمة التي ينسّق أنشطتها الشاعر منير وسلاتي فاِجتمع في بهو الدار وعلى الأرضية المبلّطة بلوحة فسيفسائية جميلة ترمز إلى الفنون السبعة أكثرُ من خمسين شاعر وأديب جاؤوا من جميع أنحاء تونس الخضراء أيضا بمبدعيها ومن بينهم بعض الشعراء العرب من العراق والأردن فكان لقاء ممتعا يبعث البهحة والأمل في سنوات عجاف من الحروب والانتكاسات والخيبات وذلك هو دور الفكر والشعر والأدب والفن يشحذ العزائم ويشعل الشموع عندما تدلهمّ الدروب وتتراجع الهمم فيدفع نحو الأحلام والأماني
لقد كانت مناسبة للإعلان عن القصائد الثلاث الفائزة في المسابقة الخاصة إلى جانب تكريم بعض الجمعيات والنوادي الأدبية النشيطة ثمّ اِنطلفت القراءات الشعرية التي استمرّت على مدى ثلاثة أيام وشارك فيها عشرات الشعراء على توالي أجيالهم وتنوّع ألوانهم ومرجعيّاتهم الفكرية والفنيّة بمحتلف المضامين والأساليب وقد راوحت بينها حلقات حوار دار الحديث فيها حول قضايا النّشر والتوزيع وحقوق الكاتب وتناولت أيضا خصائص ترجمة النصوص الشعرية وجمالية القصيدة العربية قديما وحديثا من خلال بعض الأمثلة وقد اِنتظم في بهو دار الثقافة معرض للكتب الصادرة في الآونة الأخيرة فكان المعرض مناسبة قدّم فيها أصحابها ما تيسّر لهم منها للتعريف بتآليفهم الجديدة نذكر من بينها خاصة
ـ سيمفونية شغف ـ مجموعة قصصية للكاتبة زيب بوخريص
ـ أجمل هزائمي ـ للشاعرة هدى كريد
ـ نغمات العشق الأخير ـ للشاعرة نجوى النوي بن احمد.
ـ شيء من الذاكرة ـ للشاعرة ابتسام الخميري
ـ صمت كصلوات مفقودة ـ ديوان شعري مترجم إلى الفرنسية والإنقليزية للشاعرة سليمى السرايري
ـ قصائد معلّقة على حبل التمرّد ـ للشاعرة فاطمة محمود سعدالله.
ـ الأفق والنوارس ـ للشاعرة جميلة بلطي عطوي.
ـ رأسي في قفص الإتّهام - حرف ودمعة - حديث الروّح ـ وهي ثلاثة دواوين شعرية بالفصحى والفرنسية والعاميّة التونسية للشاعرة زهرة الحوّاشي
ـ نوافذ على ورد وشوك - عطر الغياب - للأديبة حسيبة صنديد قنوني.
ـ ديوانان لرئيسة جمعية ـ زهرة الشمال ـ الشاعرة سميرة بنصر
وساهم الشاعر والفنان التشكيلي سمير مجيد البياتي بتقديم كتابه حول الفن التشكيلي التونسي وهو ثريّ بالمعلومات واللوحات وبديع التصميم
وهذه بعض القصائد التي قُرئت
***
معزوفة برومثيوس
هدى كريد
أكره علاماتِ المرور وصُوى الطّريق
أحبّ المسير بلا نهاية ووشوشة الغواية تختزن أسرار الآتي
لا مكان يحتويني
الصّحراء ضاقت عن احلامي
أراني فوق شراشف السّماء
أتهادى عروسا للكون
أصيخ الى وحيه
حتّام أكتفي بالنّظر؟
حتّام أستوي بالبشر؟
كم من إجابة أزهقت
روح السّوال
ذرني ياقلبي والأوهام
ابتنيها في الحال
علاء الدّين أغلق القماقم كلّها والمارد في صدري مرجل يغلي يفور
رأسي بالافكار يمور.
أريد كلّ شيء في ذات اللّحظة
برمثيوس يوسوس تحت وسادتي ليلا
أما خبرتِ لذّة العصيان؟
على مرمى البصر خذلان ياصاح
فلتكتب تغريبة القهر
وطني طارد والأرض منفى
فانّى الكاس وشدو العنادل؟
النّغيمات سكرى في روحي الحالمة تدكّّ جنادل القه
جحافل الوعد تحاصر مدينة الضّجر
تخوض المعركة
تتلو وصاياها العشر
يامرداة تجثم فوق البراعم
انتظر معجزة
انقلابا
سيلا يجتاح اليباب
يأتي على اليابس
دون الأخضر
أضنتني شهوة الرّقص
على الغيوم والتّجوال على ضفاف الأبد
ليت نيرون يحرق كلّ الخرائط
ليت الأماكن أثر بعد عين
ليت الأزمنة بخور يعبق في مجمرتي الصّغيرة
طقوسها تغويني
عمّدتها امّي بجرّة حبّ
يا لبركة الأصابع الحانية
تهدهدني في مهد الذكرى
تعبت من الزّمان
مدّا وجزرا
ينشرني
ويطويني
ولحظة نزق يرميني
كوني اميميتي فلك نجاة
ينتشل من جوف الغرق حلما
وطفلة وقصيدة
**
رجلٌ مَلأت قلبه آلاف الحكايات
سمبر مجيد البياتي
وعندما أراد أن يتكلم
أصابته جلطة
فمنذ ذلك الحين، صباحَ مساءَ
تحدثنا شفتاه وهُما ترتجفان
وعيناه تتسعان حينًا وتصغران أحياناً
مرة يضحك وأخرى يبكي
وما أكثر حديث البكاء
يتحدث.. ويتحدث.. ويتحدث
بسرعة لا يريد أن ينسى شيئا
يتخيل
بأننا نفهم ما يقول
ونحن كنّا نسمع
تمتمات
لا تفهم
وأحس بأننا لا نتفاعل مع قصصه
صمت عن الحديث
وهو ينظر بعينيه
وَتَركَ لدموعه تسرد
باقي القصص
***
قصة: اِستِيتِيقَا
زينب بوخريص
ذات مساء ربيعيٍّ رائقٍ، جلستُ في حديقة منزلي، أتفيّأ ظلال أشجارها الوارفة و أتضوّع عطر ورودَها العبِقة...ينفذُ شميمُها الحلوُ إلى أنفي، فأنتَشي، وتنفتح شهيّتي للكتابة...فتتدفّق جداول الكلمات،
بعد أن دغدغت الروائحُ العطرةُ ثنايا حروفي، سقيتُها حِبر يراعِي، فأينعت وأثمرت: مقالا بديعا عن "الاستيتيقا" كان مقالاً رائعًا، لم تَجُد قريحتي بمثله منذ مدّة، أجدبت فيها مخيّلتي و نضب مَعينها أيّاما.
حدثت نفسي في خُيلاء:
- ليس كل من يكتب، يعدّ كاتبا.. فالكتابة عشق و فنّ وجنون..
هوَسٌ و إجادة، قبسٌ مِن نور يُقذف في الصّدر.. قد يغادرك أحيانا فتلفِى نفسك مُحبَطا هجرك ألقُك و سحرك.. وفجأة وأنت تقترب من اليأس يتدفّق زبدُها، فتفيض المعاني و تهمي الكلماتُ كماء زلالٍ متدفقةً من اليراع سلسةً عذبةً..
آه ما أجمل أن تكون كاتبا!! تجد لِنفسك عالما بديلا تنسجه في مخيّلتك.. وتقبعُ في شرنقتِك بعيدا عن السّخف و الرّداءة..
راودتني هذه الأفكار وأنا أقرأ نصّي متمعّنة، مخافة تسلّل بعض الهفوات، معكّرة صفوه و مفسدة بيانَه الفريد مشاعر متداخلةٌ انتابتني:
اِعتزاز و امتعاض: معتزّة بقلمي واثقة من قدراتي.. نافرة من رداءة وقبح اسْتشْريَا..
لم يسعفني الصّبر، تملكّتني اللّجاجة.. قلت في نفسي:
- يجب أن يكون مقالي جاهزا للطبع..
فسِرت إلى مقرّ الجريدة و قصدت مكتب رئيس التّحرير مباشرة
ما إن رآني حتى انفرجت أساريره.. وخاطبني قائلا:
- وجهكِ البشوشُ يوحي بالخير.. هل تفجّرت قريحتُكِ المتمنّعةُ أحيانا فقطعتِ إجازتكِ و استأنفتِ العمل؟
أجبته واثقة:
- كالعادة فراسَتُك لا تخطئ أبدا..أخصبت المخيّلة،، فطرحت خيرا عَميما ضمّته مقالتي هذه..
قلت ذلك ومددته بمسوّدة المقالة..جلس إلى مكتبه ملتهما كلماتها بِنَهمٍ عجيبٍ.. وقال:
- أبدعتِ، دام مدادُك، و ما انساب به بنانُك السّاحر، راق لي كثيرا
ما كتبتِ، فعلا إنّ مِن البيانِ لَسحرًا.
شعرت بالاعتزاز وأنا أسمع ثناءه على مقالي.. و ألفيت نفسي أحيا في ألفاف نشوتي الغامرة.. أكيد سيحظى نصّي بالنّشر في الصّفحات الأدبيّة و سيلاقي نجاحا منقطع النّظير..
أضاف رئيس التحرير:
-لكنّ هذا الكلام على بهائه و سحره لا يصلح للنّشر في مجلّتنا الغرّاء.. و إن نُشر فلن يقرأه أحد.. لمَ لمْ تكتبي عن آخر صيحات الموضة والأزياء أو عن المطرب"ماجد سعيد" الذي أحدث ضجة صاحب أغنية
"ليه عملتيلي بلوك
قبل ما تشوفي النيو لوك.."
وراح يدندن كلمات الأغنية الحدث، و رُحت أدندن معه لحنَ نفسِ الأغنيةِ، حفظتها من كثرة بثّها، فتمادى في الغناء منتشيًا و قد هزّه النّصر، وأطربه الظّفر..وفي غمرة احتفاله بانتصارِه المزعومِ صرختُ بصوتٍ عالٍ وأنا أضرب على مكتبه بيدي:
- كفى! أنا مُستقيلة من العمل..
غادرت المكتبَ و أنا أدنْدن اللّحنَ اللّعينَ..
**
بي ما بي
زهرة حواشي
بِي ... مَا بِي
بِي وَقْعُ السِّياطِ
علَى جَسَدٍ عَارٍ هَزيمْ
بي قُرْحةٌ تسْتنْزفُ شَرْيانَ عُمْرِي
تُحيلُ القلْبَ مَكْلومًا سَقيمْ
بِي طَلقاتُ غدْرٍ شَجَّتْ عُروقَ رأْسيِ
حينَما وطنيِ اِستوْطنَ فِكْري
فنَسجْتُ من النُّورِ
هالةً ضَمَّنتُها رُوحَ انْوجادِي
لتُنيرَ ذا الدَّربِ العَتيمْ
بِي ...ما بِي
بِي مزْرعة ُدِماءِ اليافِعينْ
شهْد ِالحياةِ تَرنَّموا بالْحبِّ و الحُرِيةْ
تصَّاعدُ جِراحُهم تَتعلَّقُنيِ
أنْ ذَكِّريهمْ
لنْ يهْدأ الدَّمُ المغدورُ
وَ إِنْ كثُف الأديمْ
بِي ...ما بِي
بِي كَبد ُالثَّكلىَ الأَبيَّةْ
قطَّعوهُ
وصلَّبوهُ
وأضْرمُوا تحْته نارًا
وقُودها امْتدادُ الرِّيحِ
عبْرَ الصَّحارِي
فلنْ ...
لنْ تكُفَّ عنْ لهْفِ الْهشيمْ
بِي ...ما بِي
بيِ صَرَخاتُهمْ هُمْ تنْبعِثُ
منْ بُطونِ الْحوتِ
حينَ تنامُ الشَّمسُ
و يَبرُدُ الماءُ
صَقيعًا
قطيعًا
سَكاكِين
تَطْفو عيُونُهُمْ هُمْ
يتَقاذفُها المِلْحُ كلَّ مَساءْ
تهْفو لِدفْء أحْضانٍ حَنونْ
فَيفْقأُها الصَّمْتُ العَقيمْ
بيِ ...مَا بِي
بِي طفُولةٌ وَردٍ
يَدوسُها جَبروتُ إفْكِ الْأفَّاكينْ
غُرِّبتْ عنِ المَلْعبِ و الْمدْرسِ
وَ عِذابِ أحْلامِ الصِّبا
شُرِّدتْ تحْت براثنِ الْجشعِ الْبهيمْ
تَنْشُقُ منَ الشَّوارعِ سُمًّا
تَمْلأُ المَخاويَ رَغْوًا
وَ وَهْمَا
تَغْنمُ منَ اللَّيلِ برْدًا
وَ هَمَّا
تَرْصدُ منْ غَدِها غُبْنًا
عُمْرًا ذَليلًا
وَ دَحْرًا
وَ دَمْعًا
وَ سُقْمًا....
!! فهلْ منْ عَليمْ
هذا بعْضُ ما بيِ..
فمنْ ليِ بِمنْ بِه ما بِي !!
***
إلهٌ سرياليّ
سليمى السرايري
تمددُ كخيوط فجر في وجه الصمت
كموعد يتهاوى
كلما أينعت حواسي بالهذيان
ها أنا أتهاطل على بقايا العبير
فراشة عاشقة للرحيق
حيث يرتعش اللون على رفات الوتر
متفاوتَ الزرقة
متموّجَ البياض
كان وهج اللمعان صادما
حين امتدت من الإطار أصابعُ
ثائرةًً على جمود اللوحة...
شاخصةً كمرآة تسربت منها طلاسم السحرة
أستنشق رائحة بخور أعلن تمرّدَه في الأرجاء
وأجلس في شغف الانتظار
مع غائب كلما طالع خارطتي... تاه عني
الآن، لي رغبة البكاء في يتمي
أنا أغنية من نزْف الضياع
لي شيء يشبه ستارة أعيتها لعبة الريح
حيث طاعة التسبيح في محراب حبيبي
نصف قمر يباغتني عند احتضار الضوء
حتماً ستعبث الساعة بموعدنا
حتماً سيتوقف الوقت عند اللقاء
كل صمتٍ
كل سرابٍ
أجيء زَنبقة عابقة بالورد
مخضّبة باللون
أجيء، براءة بلّلت عرائسها ثم رقصت وحدها
هناك... في طرف الطفولة..
ها أنا أخون كل "بروفــيلاتي"
أسترق نظرات إلى صوتك
أحتضن لهفتي، وأغرق في مشهد لعناقٍ خياليّ
أكوّنك رجلاً من كرتون ملون
كان يوماً علبة فاخرةً ضاع محتواها في غمرة نسيان
لن يعود ذلك الشارع عابساً حين نلتقي
الشمس حاضرة تتقن تركيبة الالوان
هناك أفق ...
هناك تشكيلاتٌ غرائبية تكبر
بيوتٌ تطير نحو السماء
غزلانٌ بيضاءُ ترعى حشائش السحاب
أيقوناتٌ تلبس أزرارها
هذياناتٌ أخرى تنتمي إلى مكعبات وتجريد
و "بيكاسو" يستلذّ بإيقاعات فرشاة عاشقة
ما زال الموعد يرتب هندامه للقائنا
أكاد ألحق نبضه ذاك المتسارع
مثلي تماماً،
حين أخلــُقُ لوناً...
وأختلس نظرة على امرأةٍ قابعة في لوحة آخر الرِّواق
أصير "موناليزا" جديدة لحبيب زجاجيٍّ
يرسم ضفائري على الماء
فتفيض هالاتٍ وقصائد .
غريب أنت أيها الزجاجيّ
حين يهوي المساء
وتجيء عرائس الليل بأغاني الدهشة
تتجلى شعاعاً "كمسيح"
على تراتيل نشيد "فرجيني" لصبايا
بين أصابعهن كتاب العاشقين المقدس
هناك تبدو كإله "آمون"
توزّع بركاتــِك على البؤساء
تقيهم رياح العواصف الراكضة نحو أكواخهم
ثم تعتكف قلعتــَـك داخل الإطار
أكوابك مترعةٌ،
ألوانُك تسكرُ ،
وشهوتك، أبديّةُ الجنون...
هل لي الآن، أن أغنّي مثل ساحرة في وثنية قديمة؟
هل لي أن آعود من آخر الأسطورة،
تسبـِقني النشوة قبل الاحتراق؟
ها أنت هنا قبل الموعد بعمرٍ ودمعتين،
تفتح صدرك حدّ الامتلاء
تستعجل الخطى
تُهرَع نحوك آلاف الجنيات
آلاف العصافير
وتحت قدميك في أسفل اللوحة، مراتعٌ للغزلان
بحيرات للبجع..
غابات لذئاب حلّت عليها لعنة الرعاة
يا سيّد العطور القديمة
يا طيفك
يا "أنا لك"،
خضّب "القماش" بالجنون
اضف تركيبة مباغتة للماء.. للشفق
وأنا
أعدك بالوصول من الجهة المقابلة
للموعد/ للون
لننصهر معا في نقطة فراغ...
***
غربة
سونيا عبد اللطيف
وصرنا
كالإفرنج
بعيدا عن الأهل في بيوتنا
نموت بمفردنا
وغرياء
الحلم طار إلى مدن الضباب
يعالج أجنحة قصمتها له
الأقدار
وكانت مازالت لم تحذق
الطيران
وكانت تبلسم ريشها
قطرات الندى
وغصن بين الغيوم
سعى
تاركا حلكة خلفه
هاربا من الظلام
يبحث عن نجم في
كوكب الأنوار
وفراشة رفرفت بين فانوسين
ما عرفت أيهما تحط فوقه
وأيهما تختار
إذ كلاهما نار
ونصف تفاحة تخلّى عن غصنه
فجرفه التيار
وصار طريق العودة محال
والالتقاء بنصفه التوأم
أمنية صعبة المنال
هذي الأسماك تسبح دون
وجهة
ولا تحزر ما ينتظرها
ولا ما يخبئه لها البحر
من أسرار
الورقة رسمت على جبينها
وشم
حروفه من لون المرار
كتبها منجم
بحبر الزمان
ودفن
ريشته في التراب
والمحبرة خراب
وحيدة
غريبة
تتوسد
السراب
غرباء صرنا.. لا أصحاب
لا أحباب
في حلم أبحرنا
غفونا
وغفلنا
عن الطوفان
فبتنا موتى في مغطس
الاستحمام
كالزيت نطفو فوق الماء
وأرواحنا تصعد إلى
السماء
كالإفرنج
ن
م
و
ت
غرباااااء
***
سلام عليك
ميلاء العياري
سلامٌ عليكِ
كلما ترحلُ نجمةٌ تشبهُكِ
في قطارِ الضوءِ
في سماءٍ تنأى وتنأى
فوقَ البيوتِ المغمورةِ
بالوحلِ والطينِ والسرابِ ..
أَسْتَوْقِفُني .. فأسأَلَنِي :
"أين أنايَ بعدَكِ ألآن؟
وأين قبلئذٍ كانَ؟ "
أُسْكِتُني : "صه .. أَنصت
للقمرِ القادمِ من ليلِ الباديةِ
يحملُ أخبارَ الغابِ والسحابِ ..
أَنصتُ
للجهةِ ألتي أهداك إياها ألهديلُ
ألقادمُ من أرضِ الحكاياتِ
مع تراتيلِ الجامعِ القديمِ على تلةِ أجدادِكِ ..
حبيبتُكِ من سلالةِ الورودِ والأقحوانِ
لن يسرقوا الربيعَ من مبسمِها
فاذهبِي إلى عينيها
كلما ازدحمَ الشقيقُ على عنقِ الربيعِ
مشياً على الأقدامِ ..
سلامٌ عليكِ
كلما فاحَ زهرُ اللوزِ
في البساتينِ ..
أَخالُكِ عدتِ
يضطربُ إيقاعُ قلبي بحجمِ السماواتِ
فتوشكُ أن تمطرَ عينايَ شوقاً كالأطفالِ
ولكن ككلِّ خيالٍ عابرٍ رأيتُهُ
شُبّه وشُبِّه لي ..
أصرخُ كبيدرٍ مهجورٍ : إلى أين تمضينَ بها
أيتها الريحُ على صهوةِ الغمامِ؟
وكيفَ لي أن أقيسَ بأصابعي
مسافةَ حلمٍ يُعيدُها ظبيةً تختصرُ الروايةَ ...
سلامٌ عليكِ
كلما يتكئ الهزيعُ الأخيرُ على غلسِ خطواتِهِ
وتتناثرُ النجومُ في حضنِ الليلِ اغتراباً
فقلبُكِ المسافرُ في فرطِ الزحامِ
ما عادَ فراشةً
ترفرفُ فوقَ بنفسجِ الحقولِ ..
ما عادَ يصاهرُ الريحَ
كلما تداعبُ قبعةَ فزاعةٍ
في حقلِ يقطينٍ
وتختلي بجديلةِ شجرةِ زيتونٍ..
عادَ يحملُ قنديلَهُ الخائفَ
ويقفُ ضارعاً أمامَ بواباتِ السماءِ
كي يُؤتى سُؤْلَهُ ..
فلا تُشَّرِعُ القطيعةُ نوافذَها
على أطرافِ المدى
ولا يخذلُ وعدُ المطرِ
صلاةَ استسقاءٍ
ولا تخذلُ قطراتُ الوَسَلِ
عيونَ الأزاهيرِ البريَّةِ ...
سلامٌ عليكِ
كلما تصمتينَ كتوتةِ الدارِ
وتخبئينَ الكلامَ في غياهبِ أحداقِكِ
وفي جيوبِ الحكايةِ ...
فمنذُكِ صار اسمانا القديمانِ
غريبينِ ضلَّا الطريقَ ..
تركا ظلينا وديعةً مع العابرينَ
وهربا إلى غبشِ الضياعِ ...
- تناديهما ألجدرانُ : " إلى أينَ تهربانِ؟
- إلى ما لسنا ندري
سنسألُ في طريقنا مَنْ مِن قبلِنا غابَ" ..
سلامٌ عليكِ
كلما توارينا خلفَ الرابيةِ
وعانقتني على عتباتِ الطيشِ
فتسمرَ الغروبُ على حافةِ الأفقِ
موسمي قُبل وعناب ..
فكيفَ لا أنظمُ قصيدةً في مدائحِ عينيكِ
وقد صمتَ الشعراءُ تسعة أعوامٍ
واندلقتْ بحورُ الشعرِ من عماماتِهم؟ ..
نسوا القوافي على سعفِ النخيلِ
وعادوا ليحفظوا دِيوَانَ الحَمَاسَةِ
كالأطفالِ على حصيرةِ ألكُتَّابِ ..
سلامٌ عليكِ
يومَ تغيبينَ
وسلاٌُمٌ عليكِ يومَ تحضرينَ
فأُبعثُ من بينِ الأمواتِ
على معصميكِ .. لأحيا ..
***
سُوف عبيد ـ تونس