تقارير وتحقيقات
قحطان جاسم جواد: عالياً في الفضاء عميقاً في الجذور..
سعد ياسين يوسف يوقع مجموعته السابعة في عمّان
شهدت قاعة المكتبة الوطنية في العاصمة الأردنية عمّان حفل توقيع الشاعر العراقي سعد ياسين يوسف لمجموعته الشعرية السابعة (الأشجار تحلّق عميقاً) والتي صدرت مؤخراً في دمشق وسط حضور رائع للأدباء والمثقفين الأردنيين والعراقيين .
وأستهل الحفل بكلمة لرئيس البيت العربي الثقافي الأستاذ صالح الجعافرة الذي أشاد من خلالها بالثقافة العراقية ورموزها العظام معبراً عن تشرفه واعتزازه بإقامة هذا الحفل لشاعر عراقي مهم شهدت له الساحات الثقافية العراقية والعربية .
قدمت بعد ذلك نائبة رئيسة البيت المبدعة قمر النابلسي والتي أدارت الجلسة كلمة أعربت فيها عن سعادتها لتقديم وإدارة الحفل والذي سبقه حفل مماثل قبل ثلاث سنوات حيث تم الاحتفاء بالشاعر سعد ياسين يوسف في بيت الشعر بيت حبيب الزيودي الذي يعلو المسرح الروماني وسط عمّان لمناسبة صدور مجموعته السادسة (أشجار لاهثة في العراء)
وأستعرضت النابلسي خلال الجلسة ملامح من السيرة الإبداعية للشاعر المحتفى به مشيرة إلى أبرز محطات إبداعه الشعري والمدن العربية والأجنبية التي احتفت به والجوائز التي حصل عليها والاتحادات والمؤسسات التي احتفت به وبمنجزه والتي من بينها جامعة بغداد واليونسكو من خلال منصة بغداد مشيرة إلى أفكاره وطروحاته في مجالات كتابة قصيدة النثر، والمرأة والحب، والغربة، والأسئلة التي تلح على الإنسان .
قرأ بعد ذلك الشاعر المحتفى به نصاً بعنوان (من ألواح الحلم) والذي تناول حضارة العراق في سومر وأكد وجاء فيه:
(ممسكونَ بالمجرَّةِ
منذُ أنْ توسّدَ القرنفلُ
ألواحَ البدءِ راسما ً سُلالةَ الضّوءِ،
ملامحَ الغبطةِ الغامضةِ في الطِّينِ
وهو يراقصُ نيرانَ البشارةِ
قبلَ انبثاقِ زهرةِ الشَّمسِ
وكلَّما اقتربنا
من الإمساكِ بحلمِنا الضَّائعِ
فرَّ هارباً....
نركضُ خلفَهُ بيدينِ مفتوحتينِ
وعينينِ مغمضتينِ
وما أنْ نُمسكَ أطرافَهُ
حتى يتمزقَ
كقميصِ نبيٍ دكّتهُ
شمسُ الأمنيّاتِ..!!!)
قدم بعدها الناقد الأردني الأستاذ عبدالله جداية قراءة نقدية عن المجموعة بعنوان (ثنائية الطين في مجموعة الأشجار تحلّق عميقاً للشاعر سعد ياسين يوسف) استهلها بالتأكيد إننا نلتقي في هذه الأمسية لنحتفي بقامة عربية، قامة شعرية أخلصت للقصيدة،بنكهة ٍ خاصة ألا وهو الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف .
وقال إنَّ عنونة الديوان لم تأتِ صدفة بل وفق معنى خاص وعميق لتقدم لنا منظومة شعرية خاصة بالشاعر سعد ياسين يوسف تسلّم فيه كلّ قصيدة زمامها للقصيدة التي تليها وكلّ قصيدة من قصائد المجموعة هي جزء من منظومة محكمة ببناء متقن للنصّ الشعري ومن يقرأ هذه المجموعة بتسلسل من النصّ الأول إلى الأخير سيجدها تتحدث عن ثنائية الطين والوطن في مواجة التحديات التي واجهت شعبه .
إنَّ الشاعر تعامل مع نصوصة بذكاء إنطلاقاً من البعد الفكري والذي مال فيه ميلاً فلسفياً معتمداً الانزياح والتقديم والتأخير في الجمل الشعرية ومن يقرأ الديوان ببعد رئيوي وفلسفي سيصل إلى رؤية فكرية عالقة في ضمير الشاعر الذي استطاع أن يصوغها في حلة ٍ جميلة لم يلو ِ فيها عنق الشعر من اجل الفكرة ولا الفكرة من أجل الشعر بل جاءت متساوقة ً من البداية حتى آخر قصائد المجموعة .
وتساءل جداية لماذا قدم الشاعر لديوانه بمقولة ابن عربي (إني نظرت إلى الكون وتكوينه وإلى المكنون وتكوينه فرأيت الكون شجرة) ولماذا لم يقدمه بمقوله للمعري وابن سينا مثلاً، مجيبا أنَّ ابن عربي صاحب رؤية فلسفية وكونية ومن يقرأ هذا النص بتدبر يصل إلى جميع المعاني والدلالات الفكرية والفلسفية التي تضمنتها مجموعة الشاعر سعد ياسين يوسف عبر هذا المفتاح الذي وضعه الشاعر بين أيدينا .
وتحدث الناقد عن المجموعة عبر ثلاثة مفاهيم هي الرسوخ والذات والكون مشيرا إلى مجموعة العلاقات والروابط التي تجمع بينهما .
وأكد أنّ دراسة ديوان "الأشجار تحلق عميقا"، تحتاج إلى عناية للوصول إلى المتخيل عند الشاعر، وما تصورَهُ اثناء كتابة القصيدة، وكيف تعالق الخلق على الأرض، مع الخلق في السماء، فالطفل المرتعش في مطلع قصيدته (أقول هو وأبكي)، مؤشر أول لانفصال الطفل عن أمه، وانفصال آدم وحواء عن الجنة، وعلى عكس ذلك، فهو يؤكد التصاق الشاعر بطينه وأرضه، وقد يشير الالتصاق والانفصال، إلى الذات العميقة حيث تحلّق الأشجارفي مساحات مختلفة من ديوانه، كما يفتتح ديوانه بالطين والوطن، فهذا الرسوخ عملي ورمزي، عملي لاستمرار الحياة، ورمزي للشهادة على طين الأرض، ومحتوى الوطن الذي تنبت فيه الأشجار.
قدم بعدها الشاعر نماذج من نصوصه وسط إصغاء الجمور ورغبته بالمزيد جرت بعدها مراسم منح الشاعر درع البيت العربي الثقافي كما كرم البيت الناقد عبد الرحيم جداية ومديرة الجلسة قمر النابلسي بشهادتين تقديريتين
وقع بعدها الشاعر نسخاً من المجموعة لتوزيعها بين الحاضرين .
وتناولت موضوعات المجموعة الصَّادرة عن دار أمل الجديدة في دمشق همّ الإنسان العراقي وتطلعه للحياة الحرة الكريمة إنطلاقاً من حضارته والقيم السَّماويّة والإنسانيّة التي آمن بها، ومواجهته للصعوبات والحروب والظّروف الحياتية القاهرة التي أثقلت كاهله كما تضمنت موضوعاتها رؤية الشَّاعر الفلسفيّة إزاء الأسئلة الكونيّة التي تواجهه ومنها الحياة والموت والحبّ والفراق والغربة والنّشوء، معتمدا الصّور الفنية في بناء نصوصّه والمفارقة والإدهاش، فيما تؤكد عنونة المجموعة على ضرورة أن يعمّق الإنسان جذوره في الأرض ليحلّق في فضاءات العطاء الإنساني، فلا تحليق بلا ترصين الرّوح والقيم النّبيلة .
قحطان جاسم جواد - عمان