تقارير وتحقيقات
تحديات التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا
المؤتمر: يقرر تشكيل لجنة مشتركة لوضع أسس التعليم العالي عن بُعد
نظم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بالشراكة مع رابطة الجامعات الإسلامية، وعدد من الجامعات والكليات الإسلامية والمؤسسات والهيئات ووكالات جودة التعليم المعنية بشأن التعليم العالي، مؤتمراً افتراضياً علمياً دولياً تحت عنوان "التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا"، وذلك اليوم السبت، 11 يوليو 2020، بحضور أكثر من 300 مشارك ومشاركة، ممثلين عن 50 دولة حول العالم، على برنامج ZOOM ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبحث المؤتمر تحديات أزمة كورونا التي مثَّلت نقطة تحول جديدة وغير مسبوقة في تاريخ مؤسسات التعليم في العالم، حيث اضطرت هذه المؤسسات إلى اللجوء للتعليم عن بُعد خلال فترة الإغلاق التي فرضتها الحكومات للحفاظ على الحياة، ما خلق واقعاً جديداً سيدفع القائمين على التعليم إلى إعادة النظر في منظومة التعليم العالي من حيث فلسفته وأهدافه ونظمه ومناهجه ووسائله وأنشطته وحاجة العالم من التعليم العالي في ظل عجز مراكز البحوث والجامعات عن وجود علاج للفيروس حتى هذه اللحظة، فالتعليم الإسلامي العالي جزء لا يتجزأ من هذا الواقع، وسيخضع للتغييرات التي ستطال نظم التعليم في العالم.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر، أشار معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إلى أهمية هذا المؤتمر الافتراضي المهم والذي يأتي في ظروف خاصة وتحديات كبيرة، فالتحدي لا يستهدف منطقةً أو قطاعاً معيناً، بل يستهدف كافة القطاعات الطبية والاقتصادية والتعليمية وغيرها، مؤكداً الحاجة إلى تبادل الخبرات والتجارب وإقامة نقاش مفتوح لمؤسسات التعليم العالي لمواجهة التحدي وغيره من الأزمات.
وأوضح رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة أن عضو هيئة التدريس هو العنصر الأهم في الجامعات، وهو مَن يقود مؤسسات التعليم العالي في التعامل مع الفئة المستهدفة، مشدداً على ضرورة إعادة تأهيل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الإسلامية لخلق مرونة التعامل مع الظروف المختلفة ولاسيما التأهيل التقني لتعزيز تجربة التعليم عن بُعد، مختتماً كلمته بالدعوة للتعرف على التحديات المشتركة التي تواجهنا كلنا، وكذلك طرح بعض المبادرات المشتركة التي تعزز من نجاحاتنا مع بعضنا البعض.
وقال معالي الدكتور أسامة العبد، أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية، إن وباء كورونا امتحان جاد على جميع الأصعدة، والناجح هو النموذج البشري الأكثر علماً ومعرفةً وتحكماً في تكنولوجيا القرن الـ21 ولاسيما في العملية التعليمية، مشيراً لأهمية المؤتمر الذي يأتي بالتعاون بين منظمتين عالميتين تهتمان بالشأن الإسلامي وتقدم المسلمين، وهما المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ورابطة الجامعات الإسلامية، فالمؤتمر يدرس التداعيات والتحديات الكبرى للوباء ويضع الحلول لها، وذلك في هذه المرحلة الاستكشافية والاستشرافية لمستقبل التعليم عن بُعد.
وأضاف أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية أن المؤتمر يجمع رجالات التعليم الجامعي الإسلامي، ويدعو للترابط بين الجامعات والمجتمعات الإسلامية، ليكون للمسلمين إسهام حضاري مرموق في مواجهة الأزمات، مشدداً أنه آن الأوان لتطبيق مبادرة التعليم عن بُعد، ووضع آليات محكمة ودقيقة بين أطراف التعليمية، وأن رابطة الجامعات الإسلامية تسعى لتفعيل دور الجامعات الإسلامية لخدمة أغراض التقدم والتنمية وازدهار مجتمعاتنا وإحلال السلام العالمي.
في حين قال معالي الدكتور إسحق سدر، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دولة فلسطين، إن هذا المؤتمر الافتراضي سيكرس الجهود والعقول المختلفة للتعاون المشترك وتجاور أزمة كورونا معاً، وعلينا الوقوف على التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي، والتي ألقت بظلالها وآثارها على مختلف مناحي الحياة، موضحاً أن الوباء حال دون تمكين اللقاء الوجداني بين أطراف العملية التعليمية، فكانت التكنولوجيا هي المخرج الآمن للخروج من الأزمة، وكذلك السعي لتكريس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتجاور التحديات التي تواجهنا في فلسطين، والمتمثلة في جائحة كورونا وجائحة الاحتلال، مؤكداً أنه لابد من تعزيز البنية التحتية وتأمين الأجهزة اللوحية لإنجاح عملية التعليم الإلكتروني.
فيما قال سعادة الأستاذ الدكتور خميسي حميدي، الأمين العام المساعد لاتحاد الجامعات العربية في الأردن، إن الاتحاد مقدم على مشاريع كبيرة منها تصنيف الجامعات العربية على غرار الجامعات العالمية، وأنه تم فتح منصة للتعليم عن بُعد، فضلاً عن إيجاد إطار عربي مشترك للغة العربية، مثمناً عالياً جهود المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة في إحقاق الحق وإعطاء صورة مشرفة عن الإسلام والمسلمين حول العالم، وداعياً إلى تغيير الخطاب الإسلامي ليتلاءم مع متطلبات العصر الحديث، فالتطور لا يتنافى مع مبادئنا وأهدافنا الإنسانية، كوننا محكومين بالتعايش مع الآخر، فنحن أصحاب رسالة إنسانية عالمية عبر مبادئ سمحة تحترم الجميع ومنفتحة على الآخر.
وقال سعادة الأستاذ الدكتور محمد جودت، من جامعة محمد الخامس في أبوظبي، إن الظروف الحالية تحتّم علينا التكاتف والتآزر العلمي بهدف الانتقال بالمنظومة التعليمية إلى أفق التفكير والتنظير لمواكبة المستجدات، مؤكداً أن الجامعة ليست مجالاً للتدريس والتدريب وتكوين الشخصية فقط، بل هي مجال للتفكير العلمي الواعي والرصين، داعياً إلى التفكير في مراكز بحث وطنية وعلمية مشتركة في المجال الإسلامي، لخدمة الوطن الحبيب، والإنسانية، وبالتالي تقديم الصورة الواقعية عن الثقافة الإسلامية التي تتسم بالتسامح والإنسانية، وأنه في جامعة محمد الخامس بأبوظبي، تم تقديم مبادرة لتأسيس مسار لدراسات التسامح وكذلك مسارات البحث عن الإسلام المعتدل وغيرها.
من جهتها، قالت سعادة الدكتور يوهانسن عيد، رئيس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد في مصر، إن وباء كورونا جعلنا نستفيد من تكنولوجيا المعلومات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، من أجل الحفاظ على أمن وسلامة أطراف العملية التعليمية، وأن التغيير طال هيئات التعليم وضمان الجودة، والتي اضطرت إلى التحول الرقمي، من خلال توفير أدوات السرعة لإنجاز المهام المطلوبة، داعيةً إلى نشر الممارسات الجيدة في التعليم والجودة، وكذلك رفع كفاءة ودعم أعضاء هيئة التدريس مهنياً، وتطوير آليات مواجهة التحديات عبر التحول إلى التعليم التفاعلي القائم على ضمان وإدارة الجودة، رغم أنه لا غنى عن التعليم المباشر (وجهاً لوجه) لبناء الشخصية السليمة من خلال التفاعل الحضوري المشترك.
وقال سعادة الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن التعليم الإسلامي العالي جزءٌ لا يتجزأ من واقع التعليم القادم (الجديد) مع اختلاف التحديات والإكراهات، وللتعليم الجديد آفاق إيجابية واسعة وحتمية تمكّنه من اتساع الانتشار والتأثير خاصة في مواجهة التطرف والظلامية، داعياً إلى إيجاد تشريعات مستحدثة تتناغم والتعليم الجديد الذي يُعتبر استجابة هامة للحقبة التاريخية، انطلاقاً من رؤية المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة التي تؤكد على الدور الريادي للتعليم العالي الجديد في بناء الإنسان المسلم المتحضر.
وأخيراً، قال الأستاذ الدكتور نبيل السمالوطي، رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، إن هناك أربعة أنواع للتعليم، هي التقليدي، والإلكتروني، والمدمج، والمفتوح.. وهناك التعليم والتعلم، لكن في أزمة كورونا اتجهنا إلى التعلم أكثر من التعليم، داعياً الطلاب للرجوع إلى مصادر المعرفة المعتمدة والتعود على التعليم المستمر بإجراء البحوث لاكتساب خبرات الإبداع والابتكار، مؤكداً السعي لتحقيق الجودة في التعليم وتطوير الأداء التعليمي في الجامعات، حيث ساهمت أزمة كورونا في تغعيل الصورة الرقمية واستوجبت التجديد المعرفي في كل المجالات.
بعدها، شرع المشاركون في المؤتمر الافتراضي "التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا"، ضمن عدة محاور هي أولاً التحديات والمعايير لتطوير المناهج، وثانياً تحديات تطوير مهارات القائمين على التدريس، وثالثاً تحديات أنسنة طرائق تدريس العلوم الإسلامية.
وأجاب المؤتمر عن عد تساؤلات تتعلق بتحديث المناهج التعليمية من حيث الموضوعات والمجالات التي يتم تقديمها، وتحديث الكتاب الجامعي بصورة تجعله يركز على الفكرة والمنهج والمهارة والتفكير الناقد أكثر من التركيز على المعلومة والموضوع، وتأهيل الأساتذة الجامعيين وتدريبهم على النظم التعليمية الحديثة التي يتم تطبيقها في التخصصات الاجتماعية والإنسانية والتطبيقية سواء في التدريس أو التقويم، وتطوير نظم للتقويم جديدة تعتمد على قياس المهارات العقلية، وليس قياس التحصيل المعرفي، وتطوير مناهج عالمية من حيث المعايير ومحلية من حيث المحتوي والموضوع، وتطوير مساقات موحدة في الموضوعات الثابتة المتفق عليها مثل: مناهج القرآن الكريم، والسُّنة النبوية والعقيدة وأصول الفقه، والقواعد الفقهية، وأسباب اختلاف الفقهاء، والفقه المقارن، وعلوم اللغة، والاستفادة من الخبرات الرائدة والمنهجيات الحديثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية في تقديم المناهج الإسلامية بشكل عصري يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتوفير آلية دولية لتدريب أعضاء هيئة التدريب على تنفيذ التعليم عن بعد، ومن خلال وسائط تكنولوجية، وتفعيل دور المؤسسات الدولية التي تعنى بالتنسيق بين الجامعات مثل: رابطة الجامعات الإسلامية، واتحاد الجامعات الإسلامية.
واختتم المؤتمر بعد المناقشات المستفيضة والبحوث المقدمة بواقع (53) بحثاً علمياً تقريباً، بعدة توصيات هي:
١- من أجل مواكبة التعليم الجامعي عن بُعد، وإصلاح المناهج بما يتناغم ومتطلبات الجائحة، وبما يضمن إيصال التعليم العالي لرسالة التسامح والتعايش، قرر المؤتمرون تشكيل لجان ومجموعات عمل كالتالي:
أ- تشكيل لجنة مشتركة لوضع أسس التعليم العالي عن بُعد: (مناهج وخطط دراسية)، لإصلاح المناهج بما يتناغم ومتطلبات الجائحة، وبما يضمن إيصال رسالة التسامح والتعايش.
ب- تشكيل لجنة لوضع معايير الجودة للتعليم العالي الجديد.
ت. تشكيل لجنة دراسة للتشريعات القانونية والدستورية المتعلقة بالتعليم العالي عن بُعد.
٢- العمل على تأسيس أرضية منصة عالمية للتعليم العالي عن بُعد تشترك فيها الجامعات الأعضاء لتبادل التجارب والخبرات في موضوع التعليم عن بُعد، وإنتاج المواد والبرامج في مجال التعليم الافتراضي للخروج ببرامج منتقاة وقوية تسمح بإعادة النظر في المناهج والبرامج.
٣- تأهيل الأساتذة الجامعيين، والأطر الإدارية وتدريبهم على النظم التعليمية المستحدثة.
٤- اعتماد مجموعة تطبيقات للهواتف الذكية، كوسيلة معتمدة للتعليم عن بُعد والعمل على ترقية المناهج بشكل يساعد على تداولها في تلك التطبيقات.
٥- الدعوة لتكثيف التنسيق بين رابطة الجامعات الإسلامية واتحاد الجامعات العربية والروابط الأخرى مع المجلس العالمي للمجتمعات، خدمةً لمستقبل التعليم الإسلامي العالي في المجتمعات المسلمة.
٦- إرجاع مكانة الحرم الجامعي الأصيلة، ودوره الريادي بإنتاج خريجين متشبعين واعيين بقيم التسامح والسلام.
وفي نهاية المؤتمر وجه المشاركون برقية شكر وعرفان لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقيادتها الحكيمة، وجهودها المستمرة في خدمة البشرية، والدعوة لها ولشعبها بدوام السلم والسلام، راجين من المولى أن يرفع عنها وسائر البلاد وباء كورونا.. كما توجهوا بالشكر إلى المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، لسعيه الدائم لخدمة قضايا المجتمعات المسلمة والحفاظ على ديمومة التواصل مع ممثليه، وكذلك بالشكر لرابطة الجامعات الإسلامية، والمجلس، لتنظيمهما مؤتمر "التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا".
تقرير: د.آيات حبه - المثقف