مرايا فكرية
مراد غريبي يحاور الباحث الفكري والفلسفي د. محمود محمد علي (1)
خاص: المثقف: تستضيف المثقف الباحث الأكاديمي الأستاذ الدكتور محمود محمد علي، ضمن مرايا فكرية، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول المشهد الفكري - الفلسفي، فأهلا وسهلا بهما:
س1: أ. مراد غريبي: بداية، لديكم مسيرة حافلة سواءا في المجال الأكاديمي التعليمي وكذا المشهد الفكري الثقافي، قراءات مهمة لقضايا ورواد الفكر والفلسفة والحضارة والأدب والفن والعلوم، مما يستدعي تقديما منكم: كيف تشكل راهن الدكتور محمود محمد علي؟
ج1: د. محمود محمد علي: أنا محمود محمد علي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية وواحد من الباحثين المصريين المعاصرين الذين يطلق عليهم لقب المثقف الشامل، حيث ضربت بسهام وافرة في فروع الفلسفة، حيث كتبت في الفلسفة الإسلامية، والتصوف، وعلم الكلام، والمنطق ومناهج البحث وفلسفة الابستمولوجيا، علاوة علي اشتغالي بقضايا الفكر السياسي المعاصر، حيث كتبت موسوعة أجيال الحروب والتي صدر منها حتي الآن ثلاثة مجلدات، بدأت فيها من حروب الجيل الثالث إلي حروب الجيل الخامس، علاوة علي اهتمامي الشديد بقضايا الأوبئة والجوائح، ومقالاته المتعددة حول كوفيد 19، وكذلك مقالاتي في القضايا الاجتماعية والسياسية والمنشورة بالصحف والمجلات العربية والمصرية..
ولدت "محمود محمد علي محمد" في مدينة أخميم بمحافظة سوهاج بجمهورية مصر العربية، في الرابع والعشرين من شهر يوليو سنة 1966، ونشأ كعادة أبناء القرى فقد نشأت على حفظت القرآن والأحاديث النبوية والشعر العربي . وفي نفس الوقت بدأت طريق التعليم فدخلت مدرسة المجلس الابتدائية . ثم واصلت تعلمي للحصول على الشهادة الابتدائية من المدرسة الإعدادية الجديدة بأخميم حسب النظام التعليمي الذي كان معمولاً به آنذاك. قد حصلت على هذه الشهادة عام 1977م . واصلت تعليمي الثانوي بمدينة أخميم أيضاً فالتحقت بمدرسة أخميم الثانوية للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية عامة 1984م . وفي نفس العام انتقلت إلى جامعة أسيوط واختارت دراسة الفلسفة للحصول على ليسانس الفلسفة متفوقاً على كل أقراني عام 1988م، وقبل أن تعييني مدرسا مساعدا بكلية الآداب – جامعة حلون , حصلت على السنة التمهيدية للماجستير بقسم الفلسفة – جامعة القاهرة , ثم حصلت على درجة الماجستير في الدراسات المنطقية وكان موضوع البحث "المنطق الإشراقي عند السهر وردي المقتول في ضوء المنطق الأوربي الحديث " تحت إشراف أ.د/ عاطف العراقي عام 1990م بتقدير عام ممتاز. عينت مدرساً مساعداً بقسم الفلسفة – جامعة حلوان، وبدأت رحلة البحث في الدكتوراه بين جامعة جنوب الوادي وجامعة القاهرة حتى حصلت عليها من جامعة جنوب الوادي تحت إشراف أ.د/عاطف العراقي في موضوع "المنطق وعلاقته بالفقه عند الأشاعرة " عام 1995م بمرتبة الشرف الأولى؛ وعقب حصولي علي درجة الدكتوراه عُينت مدرسا للمنطق وفلسفة العلوم بكلية الآداب بجامعة حلوان، ثم حصلت علي درجة أستاذ مساعد عام 2004م، وكذلك حصل علي درجة الأستاذية في عام 2012م. اشتغلت بالتدريس في عدة جامعات مصرية وعربية، حيث قمت بالتدريس في جامعات حلوان وأسيوط، وجنوب الوادي، وفي جامعة السابع من أبريل بليبيا وذلك قبل سقوط نظام معمر القذافي، كما سافرت في مهمة علمية للولايات المتحدة الأمريكية، وحاضر بجامعة جورجيا الأمريكية في عام 2001م، التقيت بالعديد من كبار فلاسفة العلم المعاصرين، من أمثال سكوت كلينر، ويري بلاشوف، وستيفن تولمن وغيرهم، كما حضرت الكثير من المؤتمرات العلمية الدولية والمحلية . قمت بتأليف العديد من المؤلفات في الفلسفة، منها: جماليات العلم،، العلاقة بين المنطق وعلم أصول الفقه، والأصول الشرقية للعلم اليوناني، المنطق الصوري القديم بين الأصالة والمعاصرة، والنحو العربي وعلاقته بالمنطق، والعلاقة بين المنطق والتصوف في تراثنا الفكري "السهروردي المقتول نموذجا"، وحروب الجيل الثالث ونظرية تفتيت الوطن العربي، ودراسات في المنطق متعدد القيم وفلسفة العلوم، وحروب الجيل الرابع وجدل الأنا والآخر، وحروب الجيل الخامس وخصخصة العنف، وجائحة كورنا بين نظرية المؤامرة وعفوية الطبيعة، هذا بجانب ترجمته لكتاب البصيرة والفهم دراسة في أهداف العلم لستيفن تولمن.
س2: أ. مراد غريبي: تمثّل قضيّة العلاقة بين الحضاري والثقافيّ الفلسفي الموضوع الرئيسي لإهتماماتكم، ماذا عن علاقة الثقافة الفلسفية بالحضارات القديمة في مقاربة النهضة العلمية في مصر أولا والوطن العربي عموما؟
ج2: د. محمود محمد علي: شهدت حضارات الشرق القديم صحوة علمية وفلسفية قبل الحضارة اليونان بمئات السنين حيث قدمت لنا تلك الحضارات ثقافة فلسفية عالية في مجالات مثل نظرية المعرفة، فلسفة الطبيعة، الأنطولوجيا، الماورائيات، فلسفة الدين، الأخلاق وفلسفة الأخلاق، المنطق وفلسفة اللغة، الفلسفة الاجتماعية وفلسفة الحضارة، وعندما جاءت الحملة الفرنسية ومعها مجموعة كبيرة من خيرة العلماء، قام أحدهم وهو شامبليون ليعلن للعالم اكتشاف أسرار اللغة الهيروغليفية، وليكشف لنا كيف قامت الحضارة المصرية القديمة على الأسس الثلاثة للحضارة، وهي العلم والعمل والفن؛ والعلم في الحضارة المصرية واضح في علوم التحنيط والأهرامات والعمارة الشاهقة والمعابد الخالدة، وتعامد الشمس في أبوسمبل في عيد ميلاد الملك، وتقدم الطب المصري القديم والفن والعمل واضح في العمارة والحضارة المصرية القديمة، وهي تراكمية كغيرها من الحضارات.
وقد كان اكتشاف شامبليون له شأن كبير علي ضرورة الاهتمام بالحضارات الشرقية الأخرى وبالأخص العراق القديم، حيث إن هذه الحضارة تعد مهد الحضارة لكثرة الاختراعات والابتكارات الحضارية التي ظهرت فيه قبل غيره من البلاد منذ مطلع الألف العاشر قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي، ففي العصر الحجري الحديث وقبل اختراع الفخار بدأ الناس بالاتجاه نحو الزراعة تاركين حياة الصيد وجمع الطعام فخلقوا أول تجمعات سكنية موسمية ما لبثت أن أصبحت دائمية خلال العصر الحجري الفخاري (نحو 7000 ق.م)، وقد كانت هذه التجمعات (القرى) هي أساس المدن الأولى التي بدأت بالظهور في العصر النحاسي (5900-3200 ق.م)، ويشتمل العصر النحاسي على حقبة العُبيد (5000-4100 ق.م) التي شهدت خلق الفنون المعقدة وصنع الأعمال الخزفية والأدوات النحاسية إضافة إلى بناء المعابد الأولى التي كانت على هيئة أبراج مدرّجة تُعرف باسم الزقورات يقوم على قمتها مقام الإله المقدّس.
س3: أ. مراد غريبي: لديكم رصيد قراءات مهمة لأهم رواد المذاهب الفلسفية خصوصا في مصر والعراق وغيرها من بلدان الوطن العربي المعاصرين والقدامى، من خلال إثارة إشكاليّات الثقافة والعلم والدين والحضارة والتاريخ،هل يعني هذا اقتناعا بقيمة الدراسة المتعدّدة الآفاق والمناهج والخلفيات للتفكر الفلسفي العربي، أي الدراسة التراكمية التوفيقية للفكر الفلسفي العربي القديم والحديث والمعاصر أم ماذا؟؟
ج3: د.محمود محمد علي: عندما شرعت في الكتابة عن رواد المذاهب الفلسفية سواء في مصر أو باقي دول العالم العربي من المعاصرين والقدامى، من خلال إثارة إشكاليّات الثقافة والعلم والدين والحضارة والتاريخ، كان هذا اقتناعا مني بقيمة الدراسة المتعدّدة الآفاق والمناهج والخلفيات للتفكر الفلسفي العربي، حتى أنني عندما قمت بنشرهم ورقيا حملوا أكثر من عنوان مثل: مفكرون مغمورون، ورجال عرفتهم، وشخصيات فلسفية معاصرة.
س4: أ. مراد غريبي: الآن نحاول التركيز أكثر معكم، كيف ترون راهنية العلاقة بين الفلسفة والتاريخ بكل حمولاته الدينية والثقافية والسياسية واللغوية والحضارية في الغرب وفي العالم العربي الإسلامي؟
ج4: د. محمود محمد علي: أنا واحد من المؤمنين بأن ارتباط الفلسفة بالتاريخ ليس فقط من حيث هو تاريخ الفلسفة، بل من حيث هو فلسفة التاريخ أي التفكير في تطور التاريخ وحركته ومحاولة البحث عن قانون يحكم هذا التطوّر، وعندما ترتبط الفلسفة بالتاريخ تنمو وتزدهر وتحيا. وإذا انفصلت عن التاريخ تخبو وتتقلّص وتموت. ويشهد التاريخ على ذلك. فمن أسباب موت الفلسفة في العصر الوسيط أنها كانت فلسفات عقائدية لا تهتمّ بتطور التاريخ البشري ولا بحياة الشعوب ولا بمراحله المختلفة، اقتصرت على صياغة فلسفات لا تاريخية ثلاثية القسمة: منطق وطبيعيات وإلهيات دون أن يكون فيها تاريخيات أو إنسانيات كأقسام مستقلة غير ملحقة بالإلهيات. كانت العلاقة بين طَرَفي الحقيقة علاقة رأسية بين الله والعالم، وليست علاقة أفقية بين الماضي والمستقبل أي الله في التاريخ والخلود في الزمان. وعلى العكس من ذلك، تحيا الفلسفة بدخولها في معارك التاريخ وباستثمارها رصيد الفكر الإنساني، وإنجازات الروح البشري. وهنا تبدو أهمية أرسطو مؤرخاً وأولويته على سقراط وأفلاطون، فعن طريق أرسطو بُعِث التاريخ، تاريخ الفكر اليوناني، فلم يكن أرسطو يبدأ أية مشكلة دون عرض آراء السابقين عليه، وقبل أن يبدأ برأيه الخاص، فأمكن رؤية جدلية الموضوع واحتمالاته المختلفة. ولمَّا كانت كتابة التاريخ نذيراً بنهاية مرحلة وبداية أخرى كما هو الحال عند أرسطو وابن خلدون وتوينبي. وفي تراثنا القديم كان يمكن للفلسفة أن تزدهر من التفكير في تاريخ الفِرَق دون تكفير بعضها للبعض الآخر، وتكفير الفرقة الناجية ـ فرقةُ أهل السُنَّة والحديث ـ كلَّ الفرق الأخرى. فتاريخ الأمة هو تاريخ فكرها دون إدانة وحكم بالمُروق. وكان للفلسفة أن تحيا بالتفكير في تاريخ الأمم والحضارات وتاريخ الفرق غير الإسلامية هذا الجزء المجهول في علم أصول الدين الذي ذكره علماء الكلام وهم بصدد الحديث عن صفة "الواحد" أو بصدد الحديث عن الحضارات البشرية السابقة على الإسلام مثل حضارات الهند وفارس والروم. كما كان يمكن للفلسفة أن تزدهر لو ظلّ الاجتهاد ولم يتوقف المسلمون عنه. وكان يمكن لها أن تزدهر أيضاً لو استأنفت تفكير ابن خلدون في علم التاريخ، في أسباب انهيار الأمم والشعوب، وتزيد عليه أسباب نهضة الأمم وشروط البعث الحضاري الجديد. وقد بدأت الإرهاصات منذ القرن الماضي في الفكر الإصلاحي والعلماني والسياسي كلٌّ بطريقته الخاصة دون أن تنشأ فلسفة أو أن يؤسَّس اتجاه أو يُقام مذهب. وهذا لا يعني أن الفلسفة قد ماتت بل يعني أن ظروف حياتها ما زالت تتهيأ وأنها على مشارف ميلاد جديد.
س5: أ. مراد غريبي: ما نوع العلاقة التي تتصوّرون بين الفلسفة من جهة والإستشراق والاستغراب من جهة أخرى في تشكل الفكر الفلسفي العربي الحديث والمعاصر؟
ج5: د. محمود محمد علي: اعتقد أن موضوع الإستشراق وما يقابله من استغراب قد اكتسب أهمية كبرى؛ لما يتضمنه من معاني وخلفيات العلاقة التاريخية والمتجذرة بين الشرق والغرب، وتحديداً بين الإسلام وعالمه، والغرب كمعطى جغرافي أو ثقافي، حيث تراوحت هذه العلاقة بين التوتر والصراع والحوار بحسب تطوّر موازين القوى بين الطرفين بين الأمس واليوم.
ولا شك أن الاستشراق والمستشرقين قد خدم تراثنا الفكري لقد تناول المستشرقون التراث العربي والإسلامي بالكشف والجمع والصون، والتقويم والفهرسة، لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى حيث دراسة هذا التراث وتحقيقه ونشره وترجمته والتنظير له والتصنيف فيه، في منشئه ومصادره وتأثره وتطوره وأثره ومقارنته بغيره، مستعينين ذلك كله بما أنشأوه من المعاهد والمراكز البحثية والمؤسسات العلمية الجامعية والمطابع والمجلات ودوائر المعارف والمؤتمرات، حتي بلغوا فيه منذ مئات السنين، وفي شتي البلدان وبسائر اللغات، مبلغاً عظيماً من العمق والشمول والطرافة، وأصبح إنتاجهم العلمي يكون أحد الروافد الرئيسية لوعينا القومي، وأحد مصادر المعرفة المباشرة لتراثنا وثقافتنا العلمية والفلسفية والقومية.
أما فيما يخص الاستغراب فبما أننا ندرس الغرب فيما أطلق عليه الدكتور حسن حنفي " الاستغراب" في كتابه القيم (مدخل إلى علم الاستغراب) لابد أن نشير إلى أن أهمية دراسة الغرب هي أنها تحولنا إلى ذات دارسة بعد أن كنّا ومازلنا موضع الدرس للأخرين (الأوروبيون والأمريكيون، ودخل الآن الساحة لدراستنا اليابانيون والصينيون وغيرهم) فالتحول إلى ذات دارسة يعيننا في التغلب على مركب النقض الذي وضعنا فيه بجعلنا موضع الدراسة للآخرين، ويعيد لنا بعض الثقة في النفس وأخذ زمام المبادرة بالعودة إلى تسلم مسؤولية الشهادة على الأمم
س6: أ. مراد غريبي: كيف هي وضعية الفلسفة في مصر بالمقارنة مع محطات القرن الماضي؟
ج6: د. محمود محمد علي: اعتقد أن الصدمة الحضارية التي تلقتها الشعوب العربية منذ بداية الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882، ثم توالي احتلال البلاد العربية الأخرى كسوريا، والعراق، وليبيا، وتونس والجزائر، والغرب، أقول أن هذه الصدمة وليست الوعي بمدي ما أحرزه الغربيون من تقدم وبمدي التخلف الذي تعاني منه الشعوب العربية بسبب ظروف هي خارجة عن إرادتها، أقول إن هذه الصدمة ولدت الوعي بمدي ما أحرزه الغربيون من تقدم وبمدي التخلف الذي تعاني منه الشعوب العربية بسبب ظروف هي خارجة عن إرادتها في كل الأحوال .
وبالطبع فقد كان أول موجة لرد الفعل على يد دعاة التحرر الوطني ودعاة الاستقلال، ومن ثم ظهرت في ثنايا ذلك حركات الإصلاح الديني ؛ فمن رفاعة الطهطاوي إلي محمد عبده في مصر، ومن خير الدين التونسي في تونس إلى عبد الحميد بن باديس في الجزائر .
وظهر في وجود هذا الجيل الأول، جيلا جديدا من المفكرين ؛ جيل منصور فهمي، وأحمد لطفي السيد، ومصطفى وعلي عبد الرازق وساطع الخضري وسلامة موسى وطه حسين وعباس محمود العقاد وهو جيل تنويري حاول عبر تياراته المختلفة إلى الإسلام السياسي إلى اليسار الاشتراكي والليبرالية الرأسمالية وهي تيارات تراوحت بين الدعوة إلي التراث والنهل من علوم الحضارة الغربية ومناهجها الحديثة.
وفي أحضان هذا الجيل ظهر الجيل الثالث الذي بدأت معه المشاريع الفكرية العربية المعاصرة، جيل عثمان أمين وإبراهيم بيومي مدكور وعبد الرحمن بدوي وتوفيق الطويل ويوسف كرم وزكريا إبراهيم في مصر، وجيل محمد عزيز الحبابي في المغرب، وحسين مروة وحسن صعب ورينية حبشي وأدونيس في لبنان، والطيب تزيني وصادق جلال العظم في سوريا .
وقد بزغ من رحم الجيل الثالث الجيل الرابع، وهذا الجيل حمل بداخله عدة مشاريع فكرية مثل:
1-المشاريع الفكرية التي استندت علي الموروث دون الوافد والمتمثل في إحياء فكر الحنابلة وبعض النزعات السلفية ؛ من أمثال حسن البنا، وسيد قطب، يوسف القرضاوي، وحسن الترابي وراشد الغنوشي.
2-المشاريع التي استندت على الوافد الغربي دون الاهتمام بالموروث من أمثال: محمد عزيز الحبابي والشخصانية الوجودية، وهناك من يمثلون البنيوية في الفكر العربي المعاصر من أمثال محمد عابد الجابري في المغرب، ومحمد أركون من الجزائر وجابر عصفور وصلاح فضل من مصر.
3- المشاريع التي حاولت التوفيق بين الوافد والموروث، ويأتي علي رأسها المشروع الفكري الضخم لزكي نجيب محمود في كتابيه الشهير: تجديد الفكر العربي، والمعقول واللامعقول في تراثنا الفكري، ومشروع محمد عابد الجابري في مؤلفاته الشهيرة: نحن والتراث، وبنية العقل العربي، وتكوين العقل العربي، ونقد العقل السياسي .. الخ.
س7- أ. مراد غريبي: ألا ترون أن مناهج الدرس الفلسفي بالجامعات العربية اليوم بحاجة لمراجعة معمقة لموقعها الأساسي في صياغة المنظومة الأكاديمية بما يتناسب والتحديات والتحولات والرهانات في مجال التعليم العالي؟ وماهي أهم ملاحظاتكم بهذا الخصوص؟
ج7: د. محمود محمد علي: اعتقد أن الفلسفة ليست معطى سهل المأخذ، بل هي ككل الحقول المعرفية تحتاج إلى تطوير مستمر في محتواها، وفي أدوات تدريسها. ومن هنا فإن التفكير في مستجدات حقل تطور الدرس الفلسفي ضروري لتطوير الدرس الفلسفي في جامعاتنا العربية، وفي أدوات تدريسها من أجل تجويد نقل الخطاب الفلسفي النقدي العقلاني إلي الفئات المتعلمة، مع الأخذ في الحسبان النمو النفيسي والذهني للمتعلم، بتصريف اللغة الفلسفية ومبادئها ومرتكزاتها عن طريق تعليمات ٍنوعية وكفايات شمولية تجعل من المتعلم قادراً على أن ينخرط في مجتمع المعرفة والتنوع الثقافي والعرقي والمذهبي، بروح الحوار والنقد والتسامح. ويتحصل من هذا أن الفلسفة كممارسة داخل المؤسسات التربوية والتعليمية تواجه بلا شك يفي مصر والعالم العربي صعوبات على مستوى تقبلها، وخاصة في وقتنا الراهن، والذي ازدادت فيها عقلية التشدد والنبرة الطائفية قوة ونفوذاً.
وقد عرفت الفلسفة في ماضينا السياسي والثقافي والجامعي التهميش والإقصاء، وهو ما تجيل يفي تغييب تدريسها مؤسساتنا التعليمية العريقة (جامعة القرويني كنموذج) بفعل فتاوى فقهية وضغوطات سياسية. ومن جهة ّ أخرى، لا يوجد تصور بيداغوجي واضح يفي الوقت الحالي بخصوص تدريس هذه المادة.
س8: أ. مراد غريبي: ماسياق إنجازك كتاب "دراسات في المنطق المتعدد القيم وفلسفة العلوم"؟
ج8: د. محمود محمد علي: اعتاد الباحثون على أن يسموا المنطق الذى يعول علي قانون الثالث المرفوع باسم المنطق الثنائي، نظراً لاعتماده من وجهه النظر المنطقية الرياضية علي نسق ثنائي القيم، مهما يكن المعني المنسوب لهاتين القيمتين . وبالمثل أيضاً، فإن المنطق الذى يسمح بوجود ثلاث قيم سوف يسمى بالمنطق ثلاثي القيم، بينما المنطق الذي يسمى بأربع قيم فيسمي بالمنطق رباعي القيم، ..الخ، ومثل هذا يقال أيضاً عن المنطق الذى يسلم بوجود عدد لا متناهي من القيم يسمى بالمنطق متعدد القيم.ولقد خطا المنطق متعدد القيم أولى خطواته التصويرية على يد تشارلز بيرس، حيث قام بيرس بجهود منفردة ومستقلة عن أعلام المنطق الحديث أمثال فريجة، وراسل، ووايتهد،، لتطوير الجهاز الرمزي المنطقي وسد ثغرات المنطق القديم، فساهم مثلاً في إقامة أولى نظريات المنطق الرمزي، وهى نظرية حساب القضايا، ووضع بعض قوانينها . وإليه يرجع الفضل في إقامة نظرية حساب العلاقات، بادئاً من تلك الإشارات والتوجيهات التي قدمها دي مورجان، . وفضلاً عن ذلك استخدام بيرس قوائم الصدق ثنائية القيمة، وقد قادته هذه القوائم إلى تصور إمكانية بناء قوائم أخرى تتسع لقيمة صدق ثالثة وهنا وصلنا لما سمي بالمنطق المتعدد القيم، وهذا المنطق ارتبط بقضايا كثيرة في فلسفة العلم المعاصر ؛ منها مشكلة اللايقين في فيزياء هيزنبرج، ومشكلة الغموص في المفاهيم الفلسفية التي تتعلق بقضايا الذكاء الاصطناعي .. الخ.
س9: أ. مراد غريبي: ناقشتم مشروع البروفسور الراحل مهدي المنجرة فيلسوف المستقبليات، ماذا عن فلسفة المستقبل في أروقة الإشتغال الفلسفي العربي والإسلامي خصوصا في المشهد الفكري الفلسفي بمصر؟
ج9: د. محمود محمد علي: اعتقد أن الدراسات الاستشرافية لا تهدف إلى التنبؤ بالمستقبل بل إلى التبصير بجملة البدائل المتوقعة التي تساعد على الاختيار الواعي لمستقبل أفضل.. فالاستشراف ليس تنبؤاً وتكهناً بالمستقبل أو اطلاعاً على الغيب، وليس استخدام أدوات هذا العلم الذي يمكننا على معرفة المستقبل، وإنما توقع احتمالات قد تحدث بنسب متفاوتة والاستعداد لكل احتمال. وفق منهجية علمية ومحاولة تكوين صورة واضحة عما يمكن أن يحدث وذلك على أساس معلوماتنا عن الظروف الطبيعية والحيوية لواقعنا المصري الذي نعيش فيه. وغاية الدراسات المستقبلية في مصر هو توفير إطار زمني طويل المدى لما قد نتخذه من قرارات اليوم.
ومن أجل الحيادية في قراءة المستقبل في مصر علينا تجنب الأفكار المسبقة أو الاندفاع لرؤية بعض الأمور التي تناسب أفكارنا وتجاهل أو نبذ الأخرى التي تزعجنا، فإذا أردنا لهذا المستقبل أن يكون أقرب ما يكون فلا بد لنا أن نضع ذلك المستقبل على شاكلة نرضاها لمستقبلنا من خلال اتخاذ القرارات التطويرية الآخذة بعين الاعتبار النتائج والتداعيات المحتملة لهذه القرارات على مدى زمن بعيد نسبياً.
س10: أ. مراد غريبي: قضيّة العلاقة بين المشروع النهضوي في الفكر العربيّ المعاصر قديمة ومتجدّدة.من أيام فرح أنطون، وشبلي شميل، وسلامة موسى من جهة، رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمّد عبده، شكيب أرسلان من جهة أخرى وصولا للمعاصرين من المفكرين والفلاسفة. أين الفكر العربيّ والإسلامي المعاصر من تفعيل هذه القضيّة حيث مسودات المشاريع تتلاحق والواقع يزداد تخلفا ونكوصا؟
ج10: د. محمود محمد علي: اعتقد أن التفكير بمشروع نهوض عربي جديد يستوجب خطوتين كبيرتين، الأولى في التأسيس المعرفي لهذا المشروع من موقع التاريخ العربي الحديث، في حين أن الخطوة الثانية تقوم على التأسيس الفكري الفلسفي النقدي له، ولذلك لا يمكن التفكير في مشروع نهوض عربي جديد دون استدعاء مرجعيات محددة، قصد بناء المعطيات التي تمكننا من توضيح محتوى ما نحن بصدد التفكير فيه؛ وفي هذا السياق يمكن العودة إلى النموذج التاريخي الحضاري الغربي، كما يمكن استدعاء بعض عناصر مشروع النهضة العربية، كما تبلورت في التاريخ العربي المعاصر خلال القرنين المنصرمين ؛ وتاريخنا العربي عامة والحديث منه خاصة، يحوي تجارب نهضوية تدل على أن فكرة النهضة ليست غريبة على تاريخنا.
ولكن للأسف عندما نشخص واقعنا العربي الحالي نكتشف أن مجتمعاتنا العربية تعاني كما قال الجابري من ثنائية أفقية قوامها بني حديثة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية تستنسخ بشكل مباشر وتقليدي بني المجتمع الأوربي المعاصر، وإلى جانب هذه البنى الحديثة تنتشر هنا وهناك وفي كل مكان بنى مجتمعنا التقليدي الذي تكرس استمرار عالم القرون الوسطى، علاوة علي ثنائية عمودية كما قال الجابري أيضا تعول علي وجود ثقافتين مختلفتين " الثقافة البدوية القروية الريفية ونخبتها التقليدية " العالمة" والثقافة المدنية العصرية الحداثية ونخبتها " المثقفة".
حاوره: ا. مراد غريبي
28 – 11- 2021م