اخترنا لكم
عبد الله جمعة الحاج: تعريف النخبة المثقفة

حديثنا الأساسي يدور حول النخب المثقفة في دول العالم النامي ودورها في تنمية أوطانها، وهذا يُبرز أمامنا سؤالاً محورياً حول من هي هذه النخب المثقفة؟ أو بصورة أخرى ما هو تعريف النخبة المثقفة؟ في الأدبيات العالمية المعاصرة لعلم السياسة وعلم الاجتماع يطلق تعبير النخبة المثقفة لوصف مجموعة من البشر الذين يرتبطون ببعضهم بعضاً عن طريق أعمالهم ونشاطاتهم الفكرية.
وخرج علينا الدارسون للنخبة - ومنهم كاتبكم - بمجموعة تعريفات تصب جميعها في ثلاثة أطر: يتعلق الأول باعتبار أن النخبة المثقفة هي تلك المجموعة التي يتعاون أفرادها في مجال الخلق المبدع للمُثل العُليا وقيم الحق والخير والجمال والعدالة، وحمايتها والمحافظة عليها.
أما الإطار الثاني منها، فيتعلق باعتبار أن النخبة المثقفة هي تلك المجموعة التي يضع أعضاؤها الأفكار لمواطنيهم ويقومون بتعميمها لكي تطال أكبر جماعة من البشر ويقومون بنشرها، وبابتكار الأفكار والمقولات والنظريات والأساطير المجتمعية الشعبية العامة، بالإضافة إلى قيامهم بالنقد العلمي الرصين والهادف إلى إصلاح شؤون المجتمع. ويتعلق الإطار الثالث باعتبار أن النخبة المثقفة هي تلك الفئة التي يشكل أفرادها فئة اجتماعية مميزة يمارس أفرادها دوراً محورياً في الحياة الاجتماعية من زاوية التحكم في مجالات التطور الثقافي لمجتمعاتهم ودون أن يكون لديهم بالضرورة سلطة سياسية.
وتوجد تعريفات أخرى ذات مستويات أعلى أو أدنى بما يتعلق بنطاق ودرجة الشمولية والرصانة والأهمية التي تحتويها. ويلاحظ بأن بعضاً منها تتضمن أفكاراً وطروحات لمفكرين وعلماء وذوي اختصاص يقدمون لمجتمعاتهم وللبشرية إبداعات رائعة، في حين أن جزءاً آخر منها يركز على اختلاف الوعي الاجتماعي والنظرة بين جماعات المثقفين.
تلك التعريفات تشير إلى أن النخب المثقفة تشمل أولئك الذين يبتكرون القيم الأدبية والعلماء الذين يخطون لمجتمعاتهم الاتجاهات الثقافية الخيرة في مجالات الحياة المختلفة، ويطبقون المعرفة العلمية والنظرية على القضايا العملية؛ والمفكرين الذين يقومون بتشكيل المفاهيم العامة والنظريات الاجتماعية والسياسية ونشرها أو المتخصصين في شتى العلوم الاجتماعية الذين يعملون على نشر أفكار بني البشر والتعليق عليها والإضافة لها وبنقد أعمال الآخرين الفكرية والثقافية والتعليق عليها بهدف تقويمها باتجاه الفائدة المجتمعية والإنسانية عامة، وبانتقاد مؤسسات المجتمع بغرض الإصلاح الهادف، وليس النقد من أجل النقد المجرد.
وبإلقاء نظرة ماسحة على النخب المثقفة في دول العالم النامي فسيلاحظ بأنها تحتوي على فئات مجتمعية أربع هي: موظفي الخدمة المدنية ممن يحملون درجات وظيفية عالية، وهي عادة ما يشغلها خريجو الجامعات من حملة البكالوريوس والليسانس والماجستير، ثم يأتي بعد ذلك حملة درجة الدكتوراه من أساتذة الجامعات وشاغلي الوظائف العليا كالوزراء ورؤساء المؤسسات الكبرى الحكومية.
وأخيراً يأتي أولئك الذين يشغلون المناصب القيادية في مؤسسات القطاع الخاص، كالرؤساء والمديرين العامين والتنفيذيين، ومن في مستواهم. وهؤلاء إما أن يكونوا ملاكاً للمؤسسات أو موظفين فيها. الفئات الأربع هذه تشكل جزءاً مهماً من النخبة المثقفة والفئات المتعلمة، ومن النخب المتخصصة التي تؤدي أدوراً رئيسة متميزة في المجتمع.
وما نطرحه في سلسلة هذه المقالات معتمدين على ما لدينا من مادة علمية، وما تحمله من ملاحظات وأفكار هي محاولة تهدف إلى ربط دور النخبة المثقفة بالأهداف والعناصر المحددة التي تخص مجتمعات دول العالم النامي بغرض فهم جهود عمليات التنمية والتحديث الجارية والدور والإسهامات الحالية والمستقبلية للنخب المثقفة في ذلك. وللحديث صلة
***
د. عبد الله جمعة الحاج - كاتب إماراتي
عن جريدة الاتحاد الإماراتية، يوم: 26 سبتمبر 2025 23:30