اخترنا لكم
عبد الله جمعة الحاج: شرعية السلطة في الفكر السياسي

توجد العديد من الأفكار التي يوردها مفكرو علم السياسة، ولا يمكن تقبلها أو البناء عليها من قبل الجميع، لأن الكثير منها هو عبارة عن وجهات نظر يُدلي بها المفكرون، ولها علاقة مباشرة بالمجتمعات التي يعيشون فيها، أو تلك التي يقومون بالبحث في شؤونها، ولا يمكن تقبلها وإسقاطها على المجتمعات الأخرى.
ولكي يتم تقبل أو رفض وجهة نظر أو فكرة ما عادة ما يقوم علماء السياسة بوصف السلوك دون محاولة التقييم المنتظم السليم، أو البحث عن مقولات أو مبادئ أساسية كأدلة يهتدى بها. وهذه عملية عندما يتم الإقدام عليها قد تكون خاطئة أو غير مفيدة في إطار محاولة صياغة مقولات أو نظريات علمية لبنيتها، وإصدار تعميمات بناءً عليها لدراسة الظواهر التي تمر بها المجتمعات، ومنها ظاهرة شرعية السلطة السياسية في مجتمعات دول العالم النامي.
إن ما يمكن أن يصبح مقولة أو نظرية سياسية واسعة الاستخدام قابلة للتعميم على الظواهر السياسية، إذا لم يتم بناؤه بشكل صحيح يمكن أن يدمر ذاته، ويفقدها الاهتمام بها في صالح الفكر غير الناضج، مثلما يفقدها ادعاءها بفائدتها العلمية والتعميمية. لذلك، فإن فقدان التقييم السليم والنظرة الصائبة يدخل علماء السياسة المحدثون في شرك الوقوع في خطأ أن وجهات النظر الحديثة التي يبدونها تقتل وجهات النظر التي أبداها علماء السياسية التقليديون الذين سبقوهم، وبأن فلاسفة علم السياسة الجدد سيقتلون الأفكار التي أوردها فلاسفة السياسة التقليديون، وبأن علماء التاريخ السياسي حديثو العهد سيقتلون الأفكار، وما أرّخ له أسلافهم من علماء التاريخ القدماء. فهل هذا الطرح صائب؟ وفوق كل شيء هل هذا الطرح مفيد لنا في علم السياسة؟ نحن لا نميل إلى فكرة أن العلماء الجدد في العلوم الاجتماعية والإنسانية التي نتعامل معها، والتي أوردنا ذكر بعض منها، كعلم السياسة والفلسفة السياسية والتاريخ السياسي والاجتماع السياسي يتعمدون قتل ما أورده أسلافهم، بل هم عادة ما يبنون عليها، ويستفيدون منها إلى أقصى قدر ممكن.
ولنأخذ مثالاً فكر ماكس فيبر عالم الاجتماع السياسي الألماني الشهير الذي لا نزال في علم السياسة نبني على ما أورده من مقولات حول الشرعية. بهذا الصدد أورد ماكس فيبر تصنيفاً ثلاثي الأبعاد لمصادر شرعية السلطة السياسية، هي: أولاً، التقاليد، وهي القبول بالحكم الناتج عن الممارسة المستمرة للسلطة السياسية، بمعنى الحكم بالوراثة.
وثانياً الكاريزما، وهذه يدخل فيها دعم واسع لشخص ما بسبب شخصيته الكارزمية القوية وديناميكية صفاته وأفكاره الشخصية. ومصطلح كاريزما يعني هِبة من الخالق، عز وجل، لشخص ما صفات تميزه عن غيره يتحلى بها هو وحده عن بقية البشر، وهي مصطلح من أصول لاتينية برز وانتشر في أول ظهور التاريخ الميلادي.
وثالثاً، وأخيراً هو المصدر العقلاني - الرشيد، وهذا يشمل القبول بحق شخص ما في الحكم أو في اتخاذ القرار استناداً إلى وصوله إلى السلطة السياسية عبر نمط من الإجراءات المحددة المعدة، وفقاً للقانون السائد كالانتخابات العامة، أو حيازة نوع من المؤهلات الاحترافية، أو ممارسة الحكم بوسائل كفوءة وفعالة وعادلة لا تمييز فيها. وهذه تمثل عوامل تحدد طاعة سياسية حقيقية وسلطة شرعية. ويلاحظ أن المصادر الثلاثة آنفة الذكر للشرعية تنطبق ليس فقط على سلطة الحكم السياسي، ولكن أيضاً على الممارسات المتعلقة بالسلطة في أية مؤسسة، وهي ليست بالضرورة أن تفرق عن بعضها بعضاً.
***
د. عبد الله جمعة الحاج - كاتب إماراتي
عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، يوم: 8 فبراير 2025