كتب واصدارات

يوكيكو توميناجا: سبعة كتب عن الحياة في اليابان قبل ظهور الهواتف المحمولة

ومواقع التواصل والإنترنت

بقلم: يوكيكو توميناجا

ترجمة : د.محمد غنيم

***

ترشيحات يوكيكو توميناغا لأعمال أدبية يابانية مترجمة تستحضر زمن الأنالوج

***

لطالما استهوتني القصص اليابانية التي تدور أحداثها في زمن لم تكن فيه التكنولوجيا تحكم تفاصيل حياتنا اليومية. نشأتُ في ضواحي طوكيو خلال الثمانينيات والتسعينيات، حيث كنا نتمتع بقدر كبير من الحرية. كنت في الثالثة من عمري حين سُمح لي باللعب وحدي في حديقة مجمعنا السكني مع الأصدقاء، دون رقابة من الكبار. وفي الخامسة، بدأت أعبر إشارات المرور وحدي في طريقي لزيارة صديقتي في الحضانة.

كنا نذهب إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، تحت شمس الصيف الحارقة أو برد الشتاء القاسي الذي كان يُصيبنا أحيانًا بقضمة الصقيع. ومن لحظة انتهاء الدوام الدراسي عند الثالثة والنصف حتى صافرة السادسة مساء التي كانت تدوي في أرجاء المدينة، كنا نلعب ونمرح بلا قيود. لم يكن آباؤنا يصحبوننا إلى دروس خاصة أو أنشطة منظمة، بل كنا نقتحم الأسوار الحديدية الصدئة إلى مصنع مهجور لنشيّد قاعدة سرية، أو نغامر بالدخول إلى الغابة بحثًا عن ملجأ غارات جوية. وكنا نجلس بجوار قنوات الري نُحاول اصطياد جراد البحر، حتى اكتشفنا لاحقًا أنه يلتهم صغاره. وإن شعَر أحدنا بالجوع، كنا نلتقط الفواكه من الأشجار دون أن نعرف إن كانت صالحة للأكل. ما زلت أذكر كيف بكيت ذات ليلة تحت الغطاء، خائفة أن تكون تلك الفواكه سامة، وأدعُو ألا يُعثر على أحد منا ميتًا في الصباح.

ذلك المجتمع، الذي أحب أن أطلق عليه "مجتمع الأنالوج"، لم يكن مثاليًا، شأنه شأن عالمنا اليوم، لكنه منحنا حرية لا تُقدّر بثمن.

في روايتي، تدور الحكاية حول كيوكو، أرملة يابانية تقيم في سان فرانسيسكو وتربي ابنها هناك. حياتها تسير بين ثلاث ثقافات: اليابانية، واليهودية، والأمريكية. حماتها الأمريكية اليهودية ووالدتها اليابانية تظنان أنهما تعرفان جيدًا ما هو الأصلح لها. وبما أن كلًّا منهما لم تعش إلا في بلد واحد، فهما على يقين بأن وجهة نظرهما هي الصواب. أما كيوكو، فترى الأمور من جانبيها. وهذه النظرة المزدوجة تمنحها أحيانًا شعورًا بالتحرر، وأحيانًا بالتيه، وغالبًا ما تدفعها إلى قرارات غير متوقعة تقرّبها أكثر من الآخرين.

فيما يلي سبعة أعمال من الأدب الياباني المترجم، تستعيد روح الحياة في العصر الذي سبق سيطرة الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت على تفاصيل يومنا:

1- "روافد" – تأليف: تيرو ميااموتو، ترجمة: روجر ك. توماس ورالف مكارثي

تدور أحداث هذا العمل في خمسينيات القرن العشرين، حيث كان أفراد الطبقة العاملة في اليابان يسعون لبناء حياة جديدة عقب الحرب. بعضهم استطاع النهوض، والبعض الآخر تعثر في الطريق. في قصة "النهر الموحل"، نتعرّف إلى نوبوؤو، الفتى الذي يعمل والداه في إدارة محل معكرونة قرب ضفاف النهر. ذات يوم، يتعرّف نوبوؤو على فتى يُدعى كييتشي، انتقل حديثًا للسكن في بارجة مهجورة على الجانب الآخر من النهر.

نتبيّن أن كييتشي فقد والده في الحرب، وأن والدته تعيل الأسرة من خلال بيع جسدها. يصطحب نوبوؤو كييتشي وأخته الكبرى غينكو إلى منزله، حيث تستقبلهما والدته بحنان دون أن تطرح أي أسئلة. تمشط شعر غينكو، تحاول أن تهديها فستانًا صيفيًا، وتدعوها لتساعدها في محل المعكرونة. أما والد نوبوؤو، فيبعد الزبائن الذكور عن الفتاة حمايةً لها من القيل والقال.

فأسرة نوبوؤو تعرف جيدًا كيف يكون العيش دون أب، وتفهم تمامًا آثار الحرب على الناس. في هذا العمل، يمنح تيرو ميااموتو صوته للأرواح المُهملة، ويعيد الحياة إلى الذين لفظهم المجتمع. لا يجمّل ميااموتو ماضي بلاده، بل يرسم بحساسية بالغة صورًا صادقة لأناس عاش بينهم في طفولته بمدينة أوساكا.

2- بحيرة الغوص – يوكو أوغاوا، ترجمة: ستيفن سنايدر

تقول يوكو أوغاوا في إحدى مقالاتها إنها عندما تعيد قراءة كتاب ما، تكتشف أن القصة لم تكن كما تذكّرتها، وهذا طبيعي. فالقارئ لا يتوقّف عن تشكيل نسخته الخاصة من القصة حتى بعد أن يطوي آخر صفحة.

في بحيرة الغوص، تقدم أوغاوا ثلاث روايات قصيرة يغلب عليها هدوء مقلق. في "مذكرات الحمل"، يبدو كل شيء وديعًا للوهلة الأولى، لكن التفاصيل تنزلق إلى ما هو غريب: صفار البيض دمٌ أصفر، وبذور الكيوي حشرات سوداء صغيرة، والمعكرونة المخبوزة في الغراتان تبدو أحشاءً مغمورة في عصارة المعدة. هذه أوصاف تكتبها أخت حامل. لكن ما علاقتها بالراوية؟ ولماذا تعيش الأخت الكبرى وزوجها في بيت البطلة؟ أين والداهما؟ لا نعلم شيئًا، وهذا ما يمنح النص قوته: كل التركيز على اللحظة الآنية فقط، دون ماضٍ أو تفسير.

3. الأصدقاء  -  كازومي يوموتو، ترجمة: كاثي هيرانو

كان الموت جزءًا من طفولتنا: جثث الزيز متناثرة في أواخر الصيف، وقطط الشوارع الذكور تُقتل في معارك، وتغيب بعض زميلاتنا عن المدرسة لحضور جنازات أجدادهن. في الأصدقاء، يقرر ثلاثة فتيان مراقبة رجل عجوز يعيش على هامش البلدة، يريدون أن يشهدوا موته. لكن الرجل يلاحظ مراقبتهم، وتبدأ بينهم علاقة صداقة غريبة. تدور القصة في زمن كانت العطلة الصيفية ملكًا خالصًا للأطفال، حين لم تكن أوقاتهم مُجدولة أو خاضعة لمراقبة الكبار.

4. خشب نرويجي – هاروكي موراكامي، ترجمة: جاي روبن

يروي تورُو واتانابي قصته مسترجعًا أيام دراسته الجامعية في طوكيو أواخر الستينيات، خلال احتجاجات الطلبة. رواية عن الحب والحنين والضياع، تحكي عن لقائه بامرأتين: ناوكو، فتاة رقيقة هشة قضت جزءًا من شبابها في مؤسسة نفسية بعد فقدان حبيبها وأختها، وميدوري، على النقيض تمامًا: صريحة، تعرف ما تريد، وتقوله دون تردد. لا تبحث عن حب مثالي، بل عن أنانية مثالية. الرواية تلتقط تحولات زمنٍ لم يكن أحد فيه يجرؤ على مساءلة الهيمنة الذكورية، ولهذا كانت شخصية ميدوري مفاجئة ومُنعشة في حينها، بل وحتى عند صدور الرواية في الثمانينيات.

5. تسجيل لليلة أطول من اللازم – هيرومي كاواكامي، ترجمة: لوسي نورث

في قصة "دست على أفعى"، تتحوّل الأفعى إلى امرأة خمسينية تزعم أنها والدة البطلة، وتنتقل للعيش في بيتها كأن شيئًا لم يكن. في عالم كاواكامي، كل شيء ممكن. الغرابة تتسلل بهدوء إلى الواقع، وقد تأخذها معك دون أن تدري. فجأة تجد نفسك تطارد أفعى في الجبل، تصرخ: "لا تذهبي، أنتِ أمي!"

يمكن أن يكون الأخ غير مرئي لكنه يعيش في البيت، ويمكن لفنجان القهوة أن يكون بوابة لليل. كاواكامي تتجاوز الحدود الزمنية والجغرافية والجسدية، وتُقنعك بأنك قد تصادق امرأة-فرس، شخصًا شفافًا، أو حبة كيوي تتكلم. كتاباتها لا تحمل رائحة الزمن، يمكن أن تحدث الآن أو قبل ثلاثين عامًا، وهذا سر جاذبيتها.

6. الفتى الذي يركض وقصص أخرى – ميغومو ساغيساوا، ترجمة: تيران غريلو

في قصة "ظهر رقيق"، يرى ريوجي ماشِيكو جالسة وحدها في جنازة والده. كانت المرأة الوحيدة التي بقيت إلى جانبه، رغم خياناته. يتذكر ريوجي كيف كانت تقصّ له شعره، وكيف تحوّلت من مصففة محترفة إلى امرأة تصنع طيور الأوريغامي وهي تنتظر رجلاً لا يعود.

يُختزل ألمها في هذه الجملة: "شَعرُنا فيه شيءٌ كئيب، أليس كذلك يا ريوجي؟…

على الرأس، ندلله ونمدحه، لكن ما إن يُقص ويقع أرضًا حتى نصبح نراه قذرًا…"

سطر واحد يمنحنا صورة لا تُنسى عن الحزن والخسارة والخذلان.

7. اليوم الثامن – ميتسيو كاكوتا، ترجمة: مارغريت ميتسوتاني

في عام 1985، تخطف كواكو نونوميا طفلًا حديث الولادة من عشيقها المتزوج، وتبدأ رحلة هروب طويلة. تُطلق على الطفلة اسم كاورو، وتربيها كابنتها. تختبئ في طائفة دينية سرية، ثم تنتقل إلى جزيرة شودو لتندمج مع السكان بحثًا عن حياة هادئة.

رواية آسرة تُضيء على امرأة ارتكبت فعلاً لا يُغتفر. كاكوتا، كعادتها، تروي القصة من زاوية المرأة، وتجعل القارئ رغم علمه بالمأساة القادمة، متورطًا في مشاعر البطلة وتفاصيلها النفسية الدقيقة.

كاتبة متعددة المواهب، كتبت في المقال، الرواية البوليسية، الترجمة، وحتى عن حكاية غينجي، وتبرع في كل نوعٍ تخوضه.

***

..................

عن الكاتبة: وُلدت يوكيكو توميناجا / YUKIKO TOMINAGA ونشأت في اليابان. وصلت إلى نهائيات جائزة فلانري أوكونور للقصص القصيرة لعام ٢٠٢٠، التي اختارتها روكسان غاي. رُشِّحت أعمالها لجائزة بوشكارت، ونُشرت في مجلتي شيكاغو كوارترلي ريفيو وبيلينجهام ريفيو، ومنشورات أخرى. تعمل أيضًا في دار نشر كاونتربوينت، حيث تُساهم في تعريف القراء الناطقين باللغة الإنجليزية بكتب يابانية لم تُترجم من قبل. انظر: الفقد. وانظر أيضًا: الحب. هو كتابها الأول.

 

في المثقف اليوم